رئيس التحرير
عصام كامل

«عاتكة».. صحابية اجتمع على عشقها الصحابة.. عبد الله بن أبي بكر عصى أباه فيها ورفض تطليقها.. الفاروق تزوجها بعد بشرى الخلافة «ورفضته في ليلة الحب».. علي خطبها أملًا في الشهادة

فيتو

أتغيب يا عود الأراك بثغرها... ما خفت يا عود الأراك أراكَ
لو كنت أهلًا للقتال قتلتك... ما فاز مني يا سواكُ سواكَ

هكذا أنشد على بن أبى طالب، رضي الله عنه، غزلًا في السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رآها تستخدم المسواك، وقصص الحب في السيرة لم تقتصر على بيوت النبوة، فهناك صحابيات جليلات حظين بحب تعدى ما قيل عن العشق في قصص الحب الخيالية، بل كان من حظهن أن جميع من أحبهن من الصحابة الأفاضل، ومن أبرز تلك الأمثلة السيدة "عاتكة" التي تزوجت أربعة من الصحابة ثلاثة منهم نالوا الشهادة حتى قيل "من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة"، هي عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل، أي ابنة عم عمر بن الخطاب، كما ذكر المؤرخ محمد بن سعد الزهري، وقد أسلمت في مكة ثم هاجرت إلى المدينة.


في المدينة المنورة رأى عبد الله بن أبي بكر "عاتكة" في صحبة أخيها الصحابي المشهور سعيد بن زيد فأعجبه جمالها وملكت عقله فتزوجها، وانشغل بحبها ليل نهار، وفى انشغاله بحبها لاحظ أبوه أنها شغلته عن صلاة الجمعة فأمره بطلاقها وقال: طلقها فإنها قد فتنتك فرفض وقال:
يقولون طلقها وأصبح مكانها.. مقيمًا تمنى النفس أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت أحبهم.. وما لهم ذنب لإحدى العظائم

وتحت إلحاح من أبي بكر طلقها، إلا أنه اشتد حزنا عليها وسمعه "أبو بكر" أبوه ينشد شعرًا حزينًا فيها يقول:
فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها.. ولا مثلها في غير ذنب تطلق
الها خلق جزل ورأى ومنصب.. وحلم وعقل في الأمور ومصدق

فرقّ له أبوه وأمره بمراجعتها، فأعادها إلى عصمته وعاشا معًا في سعادة، ومن شدة حبه لها اشترط عليها "عبد الله" ألا تتزوج بعده وكتب لها بستانا مقابل ذلك.

في غزوة الطائف التي شهدها "عبد الله" رماه أبو محجن الثقفي بسهم، وظل جريحًا ينزف حتى مات سنة 11هــ، وحزنت عاتكة حزنًا شديدًا على زوجها وقالت فيه شعرا..
وآليت لا تنفك عيني سخينة عليك.. ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى.. أعف وأكفى في الأمور وأصبرا

في خلافة أبي بكر جاء ربيعة بن أمية إلى عمر بن الخطاب وحكى له أنه رأى منامًا فيه توفي "أبو بكر" وتولى عمر الخلافة وتزوج عمر بعاتكة، فغضب عمر من ربيعة ورؤياه، لكن حدث فعلًا أن مات أبو بكر وتولى عمر الخلافة، وبعث إلى عاتكة يقول لها: إنك قد حرمت عليك ما أحل الله لك فردى المال إلى أهله وتزوجي.

ولأن عمر الخليفة ابن عمها فقد أطاعته ورضيت بأن تتزوجه، وعلمت السيدة عائشة أخت "عبد الله بن أبى بكر" بقرارها فأرسلت إليها تقول: ردي علينا أرضنا، فردتها.

وتزوجت "عاتكة" بعمر وأقام لها وليمة ودعا الصحابة، فلما اجتمعوا قال على بن أبي طالب: يا أمير المؤمنين أتأذن لي أن أميل رأسي إلى خيمة عاتكة وأكلمها؟ فقال: نعم، فأمال على رأسه وقال: يا عاتكة أين قولك؟
فآليت لا تنفك عيني سخينة عليك.. ولا ينفك جلدي أغبرا
مذكرها بما قالته في زوجها عبد الله بن أبي بكر، فبكت عاتكة، وقال له "ابن الخطاب": يا أبا الحسن ما دعاك إلى هذا؟ كل النساء يفعلن ذلك..
وقالت السيدة عائشة تتندر على شـعرها السابق:
آليت لا تنفك عيني قريرة عليك.. ولا ينفك جلدي أصفرا
وفي ليلة عرسها أبت أن تعطيه حقه الشرعي، "فعاركها حتى غلبها على نفسها"، ثم خرج عنها غاضبًا ورفض العودة إليها، فأرسلت إليه تترضاه، ثم سارت الأمور بينهما على ما يرام، وكان يسمح لها ـ على غير عاداته مع نسائه ـ بالذهاب إلى المسجد لتصلي مع الناس، ولذلك فقد حضرت واقعة اغتياله في المسجد.
وقالت ترثي عمر وتلعن قاتله فيروز:
وفجعني فيروز لا در دره.. بتالي الكتاب في الظلام منيب

بعد وفاة "عمر" تزوجها الزبير بن العوام، واشترطت عليه ألا يمنعها من الصلاة في المسجد، وكان للزبير زوجات أخريات وأنجب منهن، وأشهرهن أسماء بنت أبي بكر، إلا أنه لم ينجب من عاتكة، وكان شديد الغيرة عليها، فإذا خرجت للمسجد يقول لها: والله إنك لتخرجين وإني أكره ذلك، فتقول: إذا منعتني جلست، فيقول: كيف وقد شرطت لك ألا أفعل؟

ولكي يمنعها احتال لها فكمن لها في الطريق المظلم وهي عائدة من صلاة العشاء، فلما مرت وضع يده على جسدها، فاسترجعت واستغفرت، وسبقها إلى البيت، فلما جاء أوان الفجر، وذهابها للمسجد للصلاة قال لها: ألا تخرجين؟ فقالت: لا، فقد فسدت أخلاق الناس، والله لا أخرج من منزلي، فلما استراح إلى أنها أقسمت بالله وستفي بقسمها أخبرها بالحقيقة.

وقتل عنها الزبير بن العوام بعد موقعة الجمل بوادي السباع، وأشاع قول أهل المدينة عنها: من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة..

على بن أبى طالب يخطبها
ويقال إنه بعد انتهاء عدتها خطبها على بن أبي طالب فقالت: يا أمير المؤمنين قد علمت ما قاله الناس، وإن المسلمين في حاجة إليك، فقال على: من أراد الشهادة العاجلة فعليه بعاتكة، ورفضت الزواج به. 

الزوج الرابع من الحسن بن على
كذا قيل إنها تزوجت بالحسن بن على، ومات عنها مسمومًا وكان آخر أزواجها، وقيل تقدم لخطبتها مروان بن الحكم بعد الحسن فقالت: ما كنت متخذة حما بعد رسول الله.
الجريدة الرسمية