رئيس التحرير
عصام كامل

قرارات الرئيس و"الغباء" السياسى


عندما تدعو جميع الأطياف السياسية الرئيس إلى اتخاذ مواقف تدعو إلى حلحلة حالة الاحتقان السياسى، وإلى تغيير حكومة فاشلة وتشكيل حكومة "إنقاذ وطنى"، وتطلب منه التأكيد على أنه ليس رئيسًا لفصيل سياسى واحد، بل رئيس لكل المصريين، ثم يصر الرئيس على رفض جميع مطالب المعارضة، فإن الأمر يتخطى فكرة أن الرئيس عنيد، وعندما يقف الرئيس متفرجًا على أحداث بورسعيد ويحيى الشرطة على قتلها المصريين، ويفضل حلول النظام السابق الأمنية التى كان ينتقدها، دون معرفة المسئول عمن قتل ما يزيد عن ثلاثين شخصًا فى بورسعيد، ولا سيما وقد قالت الشرطة إنها ألقت القبض على البلطجية المتورطين, وعندما لا يدرك الرئيس حجم الانهيار الذى تتعرض له مصر، فإن الأمر يدعو إلى دراسة مدى ضعف "الذكاء السياسى" لدى الرئيس، أو قراءة قرارته فى إطار دراسة "الغباء السياسى".

وقبل أن يشب البعض مكشرًا ومتحفزًا للدفاع عن مؤسسة الرئاسة، وحتى لا يعبر البعض عن استنكاره أو حتى امتعاضه، فإن "الغباء" ليس "صفة"، ولكنه "عدم القدرة" على التعاطى، ومعالجة الأمور بشكل سيئ ومتكرر، يقدم "جيمس والس"، مؤلف كتاب "قوة الغباء"، تعريفًا للغباء فيقول: "إن الغباء هو التصرف بأسوأ طريقة ممكنة، باختيار الشخص ودون ضغط، مع تكرار التصرفات نفسها، وبخاصة عندما تكون التصرفات لمواجهة معلومات أو ظروف جديدة". فى حين يحدد المؤرخ والاقتصادى "كارلو ماريا سيبولا" فى مجموعة مقالاته عن "الغباء الإنسانى" خمسة قوانين للغباء، من بين هذه القوانين "أن يتسبب الشخص فى إلحاق الأذى بمجموعة من الناس دون أن يستفيد من ذلك، ودون أن يعرف أنه يؤذى نفسه فى الوقت ذاته".
ويرى الكاتب محمد توفيق فى كتابه "الغباء السياسى" والذى نشرته دار المصرى للنشر والتوزيع عام 2012، أن الرئيس السابق دفع ثمن غبائه السياسى فى تعامله مع الثورة، حيث ظهرت خطاباته وكأنه خارج الزمن، أو كأنه غير مدرك لما يحدث، فضلًا عن الغباء الأمنى الذى لم يعرف أثناء الثورة سوى الغاز والرصاص فى التعامل مع المظاهرات والاحتجاجات. ويتطرق الكاتب محمد توفيق إلى الإعلام "الغبى"، فيصفه بأنه يسعى لتزييف الوعى وتشكيل وعى الجمهور لكى يقبل منظومة السلطة وتوجهاتها.
طريقة تعاطى الرئيس محمد مرسى مع الأحداث فى مصر منذ إصداره الإعلان الدستورى الذى عطل فيه المحكمة الدستورية، وفرضه لدستور قال إنه لن يطرحه للاستفتاء دون اتفاق جميع الأطياف السياسية عليه، ثم مواصلته لخطاباته الكارثية التى لا يتوقف فيها عن استخدام أصابعه بالتهديد والوعيد، وكشف "المستخبيين" و"المزنوقين"، بل وإعادة إنتاج إجراءات الطوارئ التى طالما طالب هو بنفسه وجماعة الإخوان المسلمين بإلغائها فى ظل النظام السابق، شوهت – إن لم تكن قد دمرت بالفعل – أية ملامح متبقية جيدة للصورة الذهنية الخاصة بالرئيس لدى القوى الثورية وشباب الثورة، بل وقطاعات كبيرة ممن انتخبوه، فهل كان الدكتور مرسى يقصد الإساءة إلى صورته كرئيس لكل المصريين؟ الإجابة المنطقية هى النفى، فالرئيس لم يكن يقصد ذلك.
هناك تفسيران محتملان "للغباء السياسى" الذى تتسم به قرارات الرئيس؛ التفسير الأول يقول بأن الرئيس لا يحكم؛ لأنه محكوم بجماعة الإخوان المسلمين ومرشدها، وبالتالى فالرئيس لا يعرف أن الجماعة تجبره على تكرار الأخطاء نفسها، يتفق هذا التفسير ورؤية "أفيتال رونل"، أستاذة الفلسفة ومؤلفة كتاب "الغباء"، حيث ترى أن "الشخص الذى يتصرف بغباء قد لا يعرف أنه يتصرف بغباء".
أما التفسير الثانى فيقدمه "ألبرت نوربرج"، مخرج فيلم "الغباء" الوثائقى، والذى أنتجته قناة الـ "بى بى سى"، حيث يقول: إن "من يتصرف بغباء يظن أنه أكثر ذكاء من الآخرين". فهل يظن الرئيس أنه أذكى من الآخرين؟ أم أنه لا يعرف أنه يعالج الأمور بطريقة لا علاقة لها بالذكاء السياسى من قريب أو بعيد؟

الجريدة الرسمية