رئيس التحرير
عصام كامل

جنة الملحدين بـ 100 ألف دولار

صوره أرشيفية
صوره أرشيفية

>> "الملاحدة" فشلوا فى تحديد موقفهم من "الفردوس"... وغالبيتهم يبحثون عن تذكرة "مجانية"

عرض رجل أمريكى يصف نفسه بأنه "ملحد"، مكانَه بالجنة للبيع عبر موقع "إى باي" للمزايدات على الإنترنت، معتبرًا أنه ابتعد عن الخطايا وقام بأمور جيدة لحفظ مكانه بالجنة.

وقال أرى مانديل "31 عاماً"، الذى كان يعيش ضمن مجتمع "يهودى محافظ" حتى بلغ 23 من العمر، ويصف نفسه اليوم بـ"الملحد: إنه ابتعد عن الخطايا عبر القيام بأعمال جيدة وعدم "عبادة آلهة مزورة" واتباع نظام غذائى نباتي.

ووعد مانديل بالاستمرار فى اتباع حياة جيدة لضمان بقاء مكانه فى الجنة متوفراً لمن يشتريه منه، حسبما أوردت صحيفة "نيويورك ديلى نيوز".

وافتُتح المزاد على موقع "إى باي" بـ 99 سنتاً، ويقول مانديل إنه وصل إلى 100 ألف دولار. لكن الموقع ألغى العرض، وأبلغ مانديل أن الأغراض غير الملموسة لا يمكن عرضها للبيع.

ما سبق لا يتعدى كونه فحوى خبر تناقلته وسائل الإعلام نهاية يوليو الماضى تحت عنوان "ملحد" يعرض مكانه فى الجنة للبيع فى مزاد على الإنترنت!" وهو الخبر الذى سبقته تصريحات للبابا "فرانسيس" بابا الفاتيكان قال فيها "الرب قد افتدى الجميع بدمائه وليس الكاثوليكيين فحسب، بل الجميع حتى الملحدين يا أبانا؟ أجل الجميع."

وأكمل البابا خطبته قائلاً: "علينا أن نلتقى سويا فى عمل الخير، لكننى لست مؤمنا يا أبتاه أنا ملحد، لا بأس افعل خيرا وسنلتقى سويا فى النعيم".

تصريحات "فرانسيس" قابلتها الجمعيات العلمانية بحالة من الفرح ظهرت فى تصريحات روى سبيكهاردت، مدير إحدى الجمعيات العلمانية الأمريكية، التى قال فيها: البابا يوسع انفتاحه على الاختلافات العقائدية فى العالم، ورغم أن الذين يؤمنون بمركزية الإنسان أكدوا عدم احتياجهم للرب فى حياتهم، إلا أنه من اللطيف سماع مثل هذه الكلمات من قائد الكنيسة الكاثوليكية.

تصريحات الملحدين ورغبتهم فى رفض "حديث الآخرة" لم تكن بدايتها تصريحات "فرانسيس" الذى سبقه إسماعيل أدهم وأعلن فى عام 1937 كفره فى رسالة عنوانها "لماذا أنا ملحد" قال فيها : إن الأسباب التى دعتنى للتخلى عن الإيمان بالله كثيرة منها ما هو علمى بحت ومنها ما هو فلسفى صرف ومنها ما هو بين بين، ومنها ما يرجع لبيئتى وظروفي، ومنها ما يرجع لأسباب سيكولوجية. وليس من شأنى فى هذا البحث أن أستفيض فى ذكر هذه الأسباب، فقد شرعت منذ وقت أضع كتابا عن عقيدتى الدينية والفلسفية ولكن غايتى هنا أن أكتفى بذكر السبب العلمى الذى دعانى للتخلى عن فكرة “الله” وإن كان هذا لا يمنعنى من أعود فى فرصة أخرى (إذا سنحت لي) لبقية الأسباب.

وقبل أن أعرض الأسباب لا بد لى من الاستطراد لموضوع إلحادي. فأنا ملحد ونفسى ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه، فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف فى إيمانه. نعم لقد كان إلحادى بداءة ذى بدء مجرد فكرة تساورنى ومع الزمن خضعت لها مشاعرى فاستولت عليها وانتهت من كونها فكرة إلى كونها عقيدة. ولى أن أتساءل: ما معنى الإلحاد؟

يجيبك لودفيج بخنر زعيم ملاحدة القرن التاسع عشر :“الإلحاد هو الجحود بالله، وعدم الإيمان بالخلود والإرادة الحرة”.. والواقع أن هذا التعريف سلبى محض، ومن هنا لا أجد بدا من رفضه. والتعريف الذى أستصوبه وأراه يعبر عن عقيدتى كملحد هو:“الإلحاد هو الإيمان بأن سبب الكون يتضمنه الكون فى ذاته وأن ثمة لا شيء وراء هذا العالم”.

ومن مزايا هذا التعريف أن شقه الأول إيجابى محض، بينما لو أخذت وجهته السلبية لقام دليلا على عدم وجود الله، وشقه الثانى سلبى يتضمن كل ما فى تعريف بخنر من معاني.

وبعيدا عن تصريحات "فرانسيس" ورسالة "إسماعيل أدهم" فإن موقف الملحد من الجنة لم يتضح كاملا ، فعدد منهم يتعامل مع الأمر برمته كونه "والعدم سواء" ، والبقية الباقية تأخذ من "الإلحاد" ورفض كل شيء متعلق بالسماء مبدأ وأسلوب حياة، وهو أمر أكدته المتابعة الدقيقة لما يكتبه الملحدون أنفسهم فيما يتعلق بامور الجنة، وجميعها كتابات لا تخرج عن نطاق "السخرية" من أنهار الجنة وطعام الجنة والحساب واليوم الآخر، ولم يقدم واحد منهم رؤية واضحة لموقفهم النهائى من وجود الجنة ، اللهم إلا مزيدا من الأسئلة الخاصة بكيفية الحساب لرجل لا يصلى ولا يصوم ولا يزكي، وفى الوقت ذاته لا يسرق ولا يزنى ولا يكذب ولا يقترف خطيئة واحدة، فكيف يحاسبه الله؟ وهل سيدخل الجنة؟، أم أن الإيمان بالله شرط الدخول؟.

الدراسات المتعلقة بموقف الملحدين من "الثواب والعقاب" و"الجنة والنار" لم تكن هى الأخرى بالقدر الكافى الذى يقدم رؤية واضحة وشاملة لما يعتقده الملحدون ، وهو أمر أرجعه المتخصصون لحالة الإنكار والخوف التى تلازم الملحد طوال مراحل عمره، وخشيته أيضا من أن يفتضح أمره ، ويقابل بعقاب مجتمعى.

الحديث عن موقف الملحدين والعلمانيين من الجنة والإيمان بالآخرة قال عنه أحمد سامر مؤسس حركة "علمانيون" :الجنة هى أن يعيش الإنسان حياة الرفاهية على الأرض ويترك ما بعد الموت جانبا لأننا لا نعرف ما فيه ولا يجب أن نتحدث عنه، مشيرا إلى أن الجنة بشكل عام تتعلق بالطموح فى الوصول إلى الرفاهية وتحقيقها على الأرض وهى فكرة لا تتعلق بالجنة فيما بعد الموت –إن وجدت-.

وأكمل "سامر" بقوله: الملحدون يركزون على حياتهم على الأرض خاصة وأن الأديان نفسها اختلفت فى وصف الجنة بعضهم يعتبرها روحية وآخر يعتبرها حسية وبالتالى فهذا الاختلاف يدفعنا إلى التفكير فى حياتنا على الأرض بدلا من أن نشغل أنفسنا بالغيبيات التى قد لا تحدث.

فى السياق ذاته قالت رباب كمال المتحدث الرسمى باسم حركة علمانيون: "معركتنا على الأرض وليست فى السماء" ، ونحن نهدف إلى خلق مجتمع علمانى تتوفر فيه حرية العقيدة أما الجنة فإنها أمر متروك لكل فرد يحدده ويفكر فيه كيفما يشاء خاصة وأن معظم الملحدين يؤمنون بالفناء.
الجريدة الرسمية