رئيس التحرير
عصام كامل

الذكرى 85 لميلاد "صاحب شخصية مصر"

الراحل جمال حمدان
الراحل جمال حمدان

فى الذكرى الخامسة والثمانين لمولد المثقف الوطنى والمفكر الاستراتيجى الراحل جمال حمدان، الذى يعد أحد أكبر وأعظم علماء الجغرافيا فى القرن العشرين، وهو محطة من محطات الشرف العربى، التى تلتقى فيها كل نوازع الحرية والكبرياء مع أساسيات العلم والمعرفة، التى تحفظ الحق وتصون الأمانة، عاش حياته زاهدًا فى الدنيا، مبتعدًا عن أضوائها ومباهجها، واهبًا حياته للعلم، ثم فارقَ الدنيا تاركًا وراءَه لغزًا لم يستطِع أحد التوصل إلى حله حتَّى اليوم.


ولد المفكر الكبير جمال حمدان، فى 4 فبراير بمحافظة القليوبية عام 1928م، وحصل "حمدان" على التوجيهية عام 1944م، وكان ترتيبه السادس على القطر المصرى، ثم التحق بكلية الآداب- قسم الجغرافيا، وتخرَّج منها عام 1948م، ثم سافر إلى بريطانيا فى بعثةٍ حصلَ خلالها على الدكتوراه عام 1953م، من جامعة "ريدنج" البريطانية، وكان موضوعها: (سكان الدلتا قديمًا وحديثًا)؛ مما يؤكد أنه لم ينسَ وطنه إطلاقًا حتى لو ابتعد عنه بجسده.

وبعد عودته من البعثة عمل مدرسًا بجامعة القاهرة، ولفتت دراساته الأنظار، خاصةً كتاباه (دراسات عن العالم العربى) و(جغرافيا المدن)، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عام 1959م وعمره لم يتجاوز31 سنة، إلا أن الحادث الأهم فى حياة الدكتور "جمال حمدان"- والذى دفعه إلى الانعزال عن المجتمع فى شقته بـ(الدقى)، التى تتكون من غرفة واحدة حتى مات فيها محروقًا- حين تقدم لنَيل درجة أستاذ مساعد، وأقرت اللجنة العلمية هذا الترشيح مع أستاذ جامعى آخر، حيث كانت هناك درجتان تقدَّم لهما أربعة من العاملين بالتدريس بالجامعة، ورأى "حمدان" أن مساواته بزميله إهانة له ولإنتاجه، وأنه كان يجب أن تقوم اللجنة بوضع ترتيب بين المرشحين يوضِّح أهمية أبحاث ودراسات كل منهما.

تقدم باستقالته التى لم تقبلها الجامعة إلا بعد عامين كان خلالهما مسئولو قسم الجغرافيا يحاولون إثناء "حمدان" عن قراره دون جدوى، ومنذ ذلك الحين فرض "حمدان" على نفسه عزلةً اختياريةً عن الناس، حيث لم يكن يستقبل أحدًا فى منزله، وتفرَّغ لدراساته وأبحاثه، حتى جاء يوم 16 إبريل 1993م حين احترق داخل شقته، ويشير البعض إلى أن السبب هو تسرُّب الغاز من أنبوبة البوتاجاز خلال إعداده للطعام، لكنَّ دراسات وأبحاث "حمدان" التى كانت تفضح الصهانية، وعدم توصل التحقيقات إلى نتيجةٍ محددةٍ فى أسباب موت "حمدان" كل هذا يشير إلى الأصابع الخفية التى كانت حريصةً على اختفاء "حمدان" عن الساحة، ووقف قلمه عن التأكيد على الحق الثابت للعرب فى فلسطين.

وعن رؤياه للمستقبل هذه القدرة واضحة أيضًا، فى توقع جمال حمدان لسعى الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء ضد العالم الإسلامى، حيث أكد أنه  بعد سقوط الشيوعية وزوال الاتحاد السوفيتى، أصبح العالم الإسلامى هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد‏.‏ وإلى هنا لا جديد.

ومن الرؤية المستقبلية التى طرحها جمال حمدان، وتبدو فى طريقها إلى التحقيق، تلك النبوءة الخاصة بانهيار الولايات المتحدة، حيث كتب حمدان فى بداية التسعينيات يقول: "‏أصبح من الواضح تمامًا أن العالم كله وأمريكا يتـبادلان الحقد والكراهيـة علنًا، والعالم الذى لا يخفى كـرهه لها ينتظر بفارغ الصبر لحظة الشماتة العظمى فيها حين تسقط وتتدحرج، وعندئذ ستتصرف أمريكـا ضد العالم كالحيوان الكاسر الجريح ‏"‏، ومضى مضيفًا" ‏"‏لقد صار بين أمريكا والعالم ‏"‏تار بايت‏"‏ أمريكا الآن فى حـالة ‏"‏سعار قوة‏"‏ سعار سياسى مجنون، شبه جنون القوة، وجنون العظمة، وقد تسجل مزيدًا من الانتصارات العسكرية، فى مناطق مختلفة من العالم عبر السنوات القادمة، ولكن هذا السعار سيكون مقتلها فى النهاية‏".
الجريدة الرسمية