رئيس التحرير
عصام كامل

الإنسان والمشاعر الإنسانية


الإنسان دائماً في حالة مخاض لمشاعره، هذه المشاعر هي التي تمنحه صفته الإنسانية وطريقة تفكيره وشكل سلوكه، كما أيضا تمنحه هذه المشاعر طريقته وأسلوبه في التعامل مع ذاته ومع الآخرين من حوله.


وقد تفرض عليه أيضا هذه المشاعر تفسيرات وأحاسيس وأفكارا وتصورات معينة حول ما يمر به من تحولات ومواقف وعواطف، فالمشاعر التي تموج في أعماق الإنسان كاشفة لأعماقه ولانفعالاته العميقة مهما حاول إخفاءها أو التحايل عليها.

فهناك من يستطيع أن يتحدث عن مشاعره بصوت عال وهناك من يحاول إخفاءها خوفا من عدم قدرته على ترجمتها في سلوكه وأفعاله وتوجهاته وهناك من يقتل مشاعره بنفسه ويقمع مشاعره الإنسانية وتصبح هذه هى طبيعة مجتمعه تحت غطاء الإنسانية.

لذلك كان لا بد أن نتساءل كيف يكون عليه الإنسان الذي يحيا في مجتمع يقمع مشاعره الإنسانية الحرة والحقيقية والطبيعية وخانقا لأحاسيسه وعواطفه ألا ينفجر غضبا واعتراضا واحتجاجا؟

ألا يجد في هذا القمع والسحق تعديا فاضحا على إنسانيته وعلى مشاعره وإدراكها والتعبير عنها ؟ ألا يجد في ذلك القمع قسوة بالغة على مشاعره التي يجب أن تقابل بالاحترام والعطف والدفء والحنان؟ أليس فيما سبق كله احتقار وإهانةً لمشاعره الإنسانية؟

أستطيع القول إن مشاعر الإنسان تتأسس عبر تجربة ما يخوضها كاملة وبكل كيانه مع الذات والطبيعة والحياة والجمال والأفكار والآخر، إنها تجربته التي يخوضها بتعلق شديد مع طبيعته ومن حوله ويمارسها بعمق وشفافية لكي تفسح الطريق أمام إبداعاته الفكرية والعاطفية وتمنحه رقيا في المشاعر.

فمشاعر الإنسان في تبنيها للقيم الإنسانية الرفيعة في الأخلاق والحب والجمال والحرية هي انعكاس فعلي لحالته ومستواه الإنساني في وجوده وتفاعله مع الآخرين، في هذه الحالة يستدعي بجدارة مكونات ذاته المتعلقة مع الآخر ومع الوجود وفقا لمشاعره التي تأسست بعمق عبر تجربته الذاتية مع الآخر مع جماليات المشترك الإنساني.

وبما أن المشاعر عادة ما تتأسس عبر تجربة شخصية يخوضها الإنسان بتفاعلاته مع كل ما حوله، نستطيع أن نقول تبعاً لذلك إن المشاعر أيضا هي التي تمنح ذات الإنسان ملامحها المميزة والتي تتجسد في عواطفه وأحاسيسه وانطباعاته وأفكاره ونظراته وحتى في هواجسه وتحدد المشاعر بطريقة أو بأخرى ملامح وتفاصيل وجوده وتفاعله في الحياة.

وتدفعه نحو طريقين إما الاستمرار والتواصل في تبني التواجد الإنساني الخلاق واحترام قيمة الإنسان والقدرة على إصلاح العيب في الآخر أو طريق آخر قائم على احتقار الآخر وإظهار مشاعر الكراهية والعنف.

فبرقي هذه المشاعر أو انحطاطها يصنع الإنسان مستقبله، فالإنسان هو مستقبله بمشاعره وتصرفاته وليس القدر. فإن أراد السعادة لنفسه وللآخرين يستطيع ويكون دائما الله في عونه وإن أراد الغدر والشر أيضا يستطيع ولكن هنا الشيطان هو من يكون في عونه.

أيها الإنسان قدرتك أن تصنع واقعك ذلك يعني أنك قادر على صناعة ذاتك الحرة بطريقتك وإرادتك دون المساس بمشاعر الآخر، فالصانعون لذواتهم هم صانعون ببراعة لواقعهم والصانعون لواقعهم هم من يتحدون القدر والظروف إن كان فيها من يهتك إنسانيتنا وينتهك مشاعرنا، فالإنسان الحق يجد نفسه في واقع يصنعه بإرادته ملتمسا حياة له ولغيره، حياة تجري في عروقه دافقة بالحيوية والتجديد ويصنع تاريخا جديدا لنفسه ولإنسانيته فالإنسان الحق لا يفترض الشر في كل آخر بل يجب أن يفترض الخير فالإنسان الحر يعرف أنه رسول للإنسانية وما يحققه في حياته انتصارا لذاته وواقعه ومستقبله.
الجريدة الرسمية