رئيس التحرير
عصام كامل

المؤامرة الأمريكية حية تسعى!


هذرا وثرثرة وسخافة صرفة هى أبرز ما يميز الصورة السياسية في مصر الآن.. وكلها نتيجة طبيعية لتصورات البعض عن الحرب ضد الإرهاب.. بعضنا يتصورها نزهة وآخرون يعتقدون أنها فيلم سينمائي، يجب أن تكون نهايته سريعة وسعيدة، وقليلون من يدركون حجم المؤامرة.. قديما كانت المؤامرات تحاك بليل والآن تحاك على الهواء مباشرة وقديما كان يكفي أن تعبر عن العدو بكلمات بسيطة يدركها الناس ويتعاملون معها بحرص شديد.

الآن نحاول وهما أن نتحرك شرقا، ونغلف تحركاتنا بالقول، إننا لا نريد أن نستبدل أمريكا بروسيا، ندرك أننا نعيش عصر المؤامرة الكبرى ولكن تختلط علينا الصور، فالخيانة أضحت وجهة نظر يُحترم أصحابها ويخرجون علينا في وسائل إعلام رسمية وأخرى غير رسمية.

بعضنا ظن أن المؤامرة الأمريكية الغربية لتقسيم المنطقة العربية انتهت في مصر وعشنا وهما أن أمريكا هزمت هنا على أسوار القاهرة وتوهمنا أيضا أن العم سام اقتنع بهزيمته وعاد إلى رشده.. باختصار حققنا النصر الأعظم.. سحقنا أمريكا وحلفاءها من الغرب.. أصبحنا الآن في مأمن من غدر واشنطن وأصبحنا دولة مستقلة.. هذا ما يظنه الواهمون.

ليس صحيحا أن أمريكا استسلمت وليس صحيحا أن قادة الشر بها قد ركنوا إلى هزيمتهم، الحرب لا تزال في جولتها الأولى وأنصار أمريكا وجنودها في القاهرة كثر منهم من هو في موقع اتخاذ القرار ومنهم كبار وبعضهم من علية القوم ومصالح المرتبطين بأمريكا أهم من مصر في عرفهم، لا يهمهم تجربة ديمقراطية حقيقية وإنما يخترقوننا بمصطلحاتها ليس إلا.

الإخوان ليسوا إلا أدوات.. مجرد أدوات تساق إلى حيث ترغب واشنطن، وللأمريكان أدوات أخرى أكثر خطرا لأنهم يتكلمون مثلما نتكلم ويضعون السم في العسل وكلنا أسرى "الحرية".. كلنا مندوهون بالديمقراطية.. نتغنى بالمصطلحات دون أن نوقن أن الحرية تعنى الاستقلال وأن الاستقلال لن ينطلق ماردا قويا من داخل سفارة أمريكا بجاردن سيتى.

يد البطش الأمريكى أقرب إلينا مما نتصور.. تعبث في سيناء وتلعب في قناة السويس وتمارس نشاطها بكثافة في أوساط المثقفين وتعلي صوتها داخل لجنة الخمسين.. أمريكا ممثلة في الوزارة وجزء لا يتجزأ من الرئاسة ولاعب أساسي في مناقشات الشارع.
مصر لم تعبر بعد منطقة الخطر ولن تعبرها بسهولة.. مصر في دائرة النار.. تغلى بنيران أمريكية.. آذان أمريكا في كل مكان. 

صوت أمريكا لا يزال هو الأعلى.. مفاهيمها التي زرعتها على مدى سنوات طويلة تطاول سماء البلاد الآن.. أصبحت جزءا من مفاهيم وطنية.. مختلطة بها.. ممزوجة.. قطرات ماء في ماء، فصلها أصعب من دمجها والخلاص منها لا يكون بغير إرادة وطنية حقيقية في زمن اختلط فيه مفهوم الوطنية.

لسنا في فسحة من الوقت لكى ندور في جدل عميق ولسنا في براح يسمح لنا بنزهة في الأفكار.. للحروب قواعدها وللأزمات منهاج عمل وبلادنا تحيا أزمة عميقة، الخروج منها أشبه بالاستفاقة من غياهب التخدير، إما أن نعود للحياة مرة أخرى أو أن نسقط في دائرة الموت الدماغي.

الجريدة الرسمية