رئيس التحرير
عصام كامل

محمد كان يجيد القراءة والكتابة

فيتو

>>مستشرقون ومفكرون مسلمون ينكرون أمية النبى صلى الله عليه وسلم


هل كان النبى «صلى الله عليه وسلم» يجيد القراءة والكتابة على عكس المتعارف عليه من أنه كان أميا؟ ما مدى صحة ما يزعمه المستشرقون من أنه كان أميا فى مكة وتعلم فى المدينة؟ وما قصة تأليف القرآن؟ ولماذا يسايرهم بعض المفكرين الإسلاميين؟.. فى هذا الموضوع نحقق فى هذه الشبهة بالتفصيل:

>> محمود علوان

حاول المستشرقون منذ عهد بعيد، التشكيك فى الأمية القرائية للنبى صلى الله عليه وسلم، ومع الانفتاح على أوروبا فى القرن الثامن عشر الميلادى، بدأت كتابات المستشرقين تلقى صدى لها من بعض الباحثين المصريين والعرب، حول "أمية" النبى، وظهر فريقان، الأول ينكر الأمية القرائية لسيد الخلق، والثانى يدافع عن عدم معرفة النبى للقراءة والكتابة دفاعا مستميتا، وبين هذا وذاك ظهر فريق ثالث يقول بأن النبى كان لا يعرف القراءة والكتابة، وهو فى مكة ثم عندما انتقل إلى المدينة تعلمهما.

المستشرق الفرنسى "م. سفارى" من أقدم المستشرقين الذين طعنوا فى أمية النبى، حيث يرفض فى مؤلفه "مختصر حياة محمد" الذى ألفه كمقدمة لترجمته للقرآن الكريم باللغة الفرنسية، الاعتقاد بأمية النبى صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعرف القراءة والكتابة، وأنه استغل تلك المعرفة فى تأليف القرآن وحبكه بالاستعانة بكتب الشرائع السماوية، وكتب التاريخ القديم، معتمدا فى ذلك على بلاغته وفصاحته.

المستشرق الفرنسى ذكر فى كتابه: "يسكت التاريخ عن ذكر شيء فى هذه المرحلة، ويخيم السكون على خمسة عشر عاما من حياة محمد" قاصدا بذلك الأعوام التى سبقت الرسالة، والتى كان النبى يذهب فيها إلى التعبد فى الغار، ويسترسل فى كلامه قائلا: "فالجهل مطبق بكل ما فعل فى حياته من الخامسة والعشرين إلى الأربعين، ولكن أبا الفداء –وحده- يقول كلمة، وكأنها ومضة من النور يلقيها على التاريخ: "أن الله ألهمه حب الخلاء، فعاش معتكفا، وكان يقضى كل عام شهرا فى غار بجبل حراء".

يذهب "سفارى" إلى أن النبى أنفق تلك المدة، وهى خمسة عشر سنة كاملة فى إرساء نظامه الدينى، وعمل خلالها على إخفاء اليد التى تربط مصائر الناس بالسماء، وتظاهر بأنه لا يعرف القراءة والكتابة، واعتمد على فصاحته الطبيعية، وعلى مواهبه المتدفقة التى لم تخنه أبدا، وتصنع لهجة النبى المؤثرة.

ويبلغ السخف بالمستشرق الفرنسى أن يشبه علاقة النبى بأمين الوحى جبريل، بعلاقة "إجيرى" فى الأسطورة القديمة، بالملك الأسطورى "نوما" ملك الروم، حيث كانت ملهمته بحسب الأسطورة، ليقول ما نصه: «فقد كانت» إجيرى هى التى تقوم بإلهام الملك الأسطورى "نوما" ملك الروم فاختار محمد الملك "جبريل" معلما له.

فى ترجمته للقرآن الكريم التى قدمها باللغة الفرنسية، كتب المستشرق البولندى كازيميرسكى مقدمة عن «الذين يتبعون الرسول النبى الأمى» تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم أنكر فيها أن النبى كان أميا يوحى إليه القرآن الكريم، وقال: «لقد اقتبس محمد فقرات من الكتاب المقدس ضمنها القرآن وأوردها مشوهة إذ أن بعضها يخالف التوراة» ويقول أيضا: «ربما فعل ذلك ليظهر أمام قومه على أنه موحى إليه من السماء».

يذهب الباحثون فى السيرة النبوية إلى أن مخالفة القرآن الكريم لنصوص الكتاب المقدس فى بعض الفقرات راجع إلى التحريف الذى أصاب الكتاب المقدس عبر القرون، وينكرون على كازيميرسكى إدعاءه فى هذا الجانب، معتبرين أنه لو كان النبى صلى الله عليه وسلم نقل القرآن من خلال مخالطته للنصارى واليهود، فى عهده كما ذكر المستشرق البولندى، لما وقع الخلاف بين الكتابين، موضحين أن ما اعتبره "كازيميرسكى" تشويها إنما يؤكد عدم التلاقى البشرى بين النبى واليهود والنصارى من معاصريه.

ويدلل الباحثون فى السيرة النبوية على الأمية القرائية للنبى بالعديد من الآيات القرآنية التى نصت على لفظ "الأمية" صراحة مثل قوله تعالى «الذِينَ يَتبِعُونَ الرسُولَ النبِى الأُمى الذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبا عِنْدَهُمْ فِى التوْرَاةِ وَالإنجِيلِ» (الأعراف 157)، وقوله «هُوَ الذِى بَعَثَ فِى الأميينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ...» (الجمعة 2).

من جهته يعتقد الفيلسوف والمفكر المغربى «الراحل» الدكتور محمد عابد الجابرى أن "أمية" النبى التى وردت فى الآيات القرآنية ليس المقصود بها الأمية القرائية، ولكن مقصود بها أنه كان من أمة لم يكن لها كتاب يقرأ مثل اليهود والنصارى، ويقول فى أحد مقالاته: "تمدنا المعاجم العربية بما تعتبره المعنى الأول الأصل للفظ "أمى"، فنقرأ فيها: "الأمى، الذى علـى خِلْقَة الأُمةِ، لم يَتَعَلم الكِتاب فهو على جِبِلة أمه، أى لا يَكتُبُ... فكأَنه نُسِب إلى ما يُولد عليه أى على ما وَلَدتْه أُمهُ عليه". وبهذا الاعتبار: قيل للعرب: الأُميون، لأن الكِتابة كانت فـيهم عَزيزة أو عَدِيمة". وقيل أيضا: والأُمي: العَيِى الجِلْف الجافى القَلـيلُ الكلام؛ قيل له أُمى لأنه على ما وَلَدَتْه أُمه عليه من قِلة الكلام وعُجْمَة اللسان".

ويؤكد أن لفظ الأميين يعنى الذين ليس لهم كتاب دينى سماوى، فهم إذن فى مقابل "أهل الكتاب"، وبالتحديد اليهود أصحاب التوراة والنصارى أصحاب الإنجيل.

ذكر الراغب الإصبهانى نقلا عن الفرا: الأميون: "هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب"، وفى هذا المعنى يقول الشهرستاني: “وأهل الكتاب‏ كانوا ينصرون دين الأسباط ويذهبون مذهب بنى إسرائيل، والأميون كانوا ينصرون دين القبائل ويذهبون مذهب بنى إسماعيل”، ليخرج فى النهاية بنتيجة أن كونه صلى الله عليه وسلم “نبيا أميا” معناها من أمة لا كتاب لها، لا يعنى بالضرورة أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة، كما أن وصف القرآن للعرب بكونهم “أميين” لا يفيد بالضرورة أنهم كانوا لا يقرأون ولا يكتبون.

أما الكاتب إبراهيم الإبيارى فقد استدل على أمية النبى صلى الله عليه وسلم فى كتابه “ تاريخ القرآن” بأربعة أدلة تاريخية، وهى : استخدامه “صلى الله عليه وسلم” لكتاب للوحى مثل أبى بكر الصديق، والأرقم بن أبى الأرقم، وشرحبيل، بن حسنة، وعبد الله بن الأرقم، وخالد بن الوليد، ومعاوية بن أبى سفيان، وعلى بن أبى طالب، وخالد بن الوليد” معتبرا أنه لو كان كاتبا يجيد تلك الصنعة لما احتاج لمن يكتب عنه”، والدليل الثانى عند الإبيارى يتمثل فى موقفه “صلى الله عليه وسلم” من خطاب العباس بن عبد المطلب، الذى أرسله إليه، فى غزوة أحد مع رجل من بنى غفار، ما دفع النبى إلى استقدام أبى بن كعب ليقرأ عليه الخطاب، ولما انتهى أبى من قراءاته طلب منه النبى أن يكتم الخبر الذى جاء بالخطاب، ولو كان يعرف القراءة لكان أولى به ألا يطلع أحدا على سره، والدليل الثالث يتمثل فى موقف النبى من وفد بنى “ثقيف “ فى عام الوفود عندما جاءوا إليه ليبايعوه طالبين إليه أن يكتب لهم كتابا به شروط تريحهم، فقال لهم: اكتبوا ما بدا لكم ثم أئتونى به، فذهبوا لعلى بن أبى طالب يطلبون منه أن يكتب لهم كتابا يبيح لهم الربا والزنى، فرفض، فذهبوا إلى سعيد بن العاص فكتب لهم ما أرادوا تاركا للنبى حرية التصرف، ولما رجعوا للنبى قرأ عليه الكتاب، ولما وصل القارئ إلى كلمة الربا طلب النبى منه أن يضع يده عليها، وأمر بمحوها، وطلب إعادة نسخ الكتاب بعد تعديله”، يدلل الإبيارى أيضا على “ أمية النبى” بأن الكتابة فى زمانه لم تكن منتشرة بصورة كبيرة، ويؤكد أن المدينة لم يكن فيها فيها سوى بضعة عشر كاتبا، ولو كان النبى يعلم الكتابة والقراءة لما غفل العرب المخالطون له ذلك، ولأنكروا دعوى القرآن بأنه “ أمى” .

يعلق الدكتور محمدعبد المتعال - الباحث فى السيرة النبوية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة- على كلام منكرى الأمية” القرائية للنبى بقوله: « من الغريب حقا أن نجد من يقول هذا الكلام فى العصر الحديث عن أمية النبى، مشيرا إلى أن من يطلق تلك العبارة فى العصر الحاضر، أى بعد مضى 14 قرنا من الزمان على الرسالة المحمدية، ينسى أن القرآن الكريم تحدث عن النبى فوصفه “ بالأمى” ولم يرد عن العرب من المعادين للدعوة الإسلامية المعاصرين للنبى أى انتقاد للقرآن فى هذا الوصف، رغم أنهم كانوا أشد الناس حرصا وقتها على تصيد الأخطاء، لأنهم كانوا يتخذون موقف العناد والتحدى، ومع ذلك تلقوا نبأ أميته بمنتهى السهولة، لأنهم يعرفونه أميا كما يعرفون أنفسهم، معتبرا أن هذه الفرية اتهام يدحضه إجماع الخصوم قبل الأصحاب منذ مئات السنين».

> المصادر :

مختصر حياة محمد للمستشرق الفر نسى “كلود إتين سفارى” - ترجمة محمد عبد العظيم على - الطبعة الأولى دار الدعوة

الجزء الأول من المختصر فى أخبار البشر لأحمد بن يوسف المعروف بأبى الفداء- نشرة دار الطباعة العامرة بالقسطنطينية

تاريخ القرآن لإبراهيم الإبيارى طبعة دار الأرقم

>> إبراهيم الإبيارى : 4 أدلة تاريخية تؤكد أمية الرسول صلى الله عليه وسلم

>> د. محمد عبد المتعال: القرآن الكريم وصف النبى بالأمى.. والعرب لم ينتقدوا هذا الوصف
الجريدة الرسمية