رئيس التحرير
عصام كامل

الزعيم جمال عبد الناصر هبة مصر الخالدة


من الصعب ملامسة شخصية تاريخية كالرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وإعطائه مكانته في التاريخ المعاصر.. دون الرجوع لإنجازات هذا الرجل مقارنة بأخطائه القليلة.


نستحضر اليوم بحب وثنى، قصيدة "الرجل ذو الظل الأخضر " للشاعر العالمي محمود درويش عند وفاة الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر.. وبدأها بـ: «نعيش معك/ نسير معك/ نجوع معك/ وحين تموت/ نحاول ألا نموت معك!/ ولكن، لماذا تموت بعيدًا عن الماء/ والنيل ملء يديك؟/ لماذا تموت بعيدا عن البرق/ والبرق في شفتيك؟/ وأنت وعدت القبائل/ برحلة صيف من الجاهليةْ/ وأنت وعدت السلاسل/ بنار الزنود القويةْ/ وأنت وعدت المقاتل/ بمعركة.. ترجع القادسيةْ".

هذا الاحتفال الشعبي للذكرى الثالثة والأربعين لرحيل زعيم الأمة الراحل جمال عبد الناصر على كل المستويات الرسمية والشعبية، لم يكن حدثا احتفاليا مجانيا لمغازلة فترة من تاريخ مصر الحديث بل هو تعبير صادق عن لحظة وجدانية في آخر النفق لمعانقة نبوءة المستقبل التي رسمها الراحل عبد الناصر، التي جمعت الماضي والحاضر والمستقبل على أرض المحروسة المبللة بدموع وكفاح فلاحين وعمال مصر البسطاء.

ناصر تميز باتساع الأفق وقدرته على اتخاذ رؤية أفقية عريضة ترى مستقبل مصر في محيطها العربي والإقليمي والدولي، تحدد وبقوة علامات المستقبل، فلم تكن خطاباته مجرد شعارات ولكنه استطاع أن يحولها إلى إنجازات.

الهرم الرابع الذي كان يجسد الأحلام الوطنية المصرية، أن تحكم من ابن فلاح مصري بسيط ملك خجل الفلاحين وحياء الرجال العظماء.. استطاع بجدارة أن يرسم مفهوما جديدا للوحدة العربية في مواجهة العدو الصهيوني.. وبإنجازات محلية كالسد العالي وتحويل الأزهر إلى جامعة عريقة تدرس التعاليم السمحة للدين الإسلامي وتتضمن لمصر دعاة غير متعصبين ومتطرفين.

وعلى يده وبرعاية منه ولدت "منظمة التحرير الفلسطينية".. وما زلنا نذكر ما قاله عن محاولات الكيان الصهيوني الوقيعة بينه وبين الشعب الفلسطيني: " نرى الآن محاولات العدو وعدوانه للوقيعة بين رفاق المعركة الواحدة، الشركاء في الواقع الواحد والمصير الواحد، ولكننا في نفس الوقت ندرك أن إخواننا يرون في ذلك نفس ما نرى، أن وعيهم لضرورات الموقف أعمق وأشمل مما نتصور، ولهم القدرة على تطويق كل هذه المحاولات وحصرها".

عاش عبد الناصر ومات يدافع عن حرية فلسطين، وأحبه الشعب الفلسطيني والعربي، كقائد وزعيم للأمة العربية، وهو الذي قال: المقاومة وجدت لتبقى وستبقى، وأن تصفية القضية الفلسطينية تمر بتصفية الشعب الفلسطيني، لتؤكد مواقفه على رابط خاص بينه وبين هذا الشعب العربي الأصيل.

كان وسيطا نزيها في كل النزاعات الأفريقية والأسيوية، كان إلى جانب تيتو وسوكارنو ونهرو من الحكماء الذين غيروا العالم بفكرة عدم الانحياز.. واستقلالية قرار العالم الثالث بعيدا عن التبعية الأمريكية.

لم يهمل في حياته الفن والثقافة ودورهما في صياغة الرأي العام المصري والعربي.. واحتفظ بعلاقة طيبة مع النخبة الأدبية والفنية في مصر وقتها، فالعصر الذي جمع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم تناغم مع أدب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والدكتور طه حسين.. والعمل على دعم القطاع العام في السينما المصرية.

وهذا اليوم ترد له الجميل بعد وفاته بأفلام متميزة  مثل "ناصر 56" من أداء الفنان الرحل أحمد زكي.. وأفلام أخرى تسترجع هذا الماضي الغني الذي شرف الأمة العربية وأعاد لها كرامتها المهدرة أمام الدول.
الجريدة الرسمية