رئيس التحرير
عصام كامل

الاقتصاد الإسلامى (2)


الاقتصاد العالمى وضعى تماما ليس له أى علاقه بالاقتصاد الإسلامى، وهو ما يدعو لأن نبحث فى نشأة الاقتصاد الإسلامى، لنجد أنه مجموعة مبادئ وأصول (معاملاتية) تحكم النشاط الاقتصادى "للدولة الإسلامية" وفقاً للآيات والأحاديث.


فهو ليس اقتصاداً بالمعنى الحرفى للكلمة بقدر ماهو أسلوب للحياة والمعاملات الصادقة وحافز للأمانة والصدق، وهو ما لا يعترض عليه أحد"، لكن الاعتراض فى اعتبار هذه المعاملات كعلم يجب أن نعمل به..

فالعلوم تقوم على النظريات والفلسفات وليست مجرد مبادئ أو قضايا اجتماعية، والاقتصاد الإسلامى لا يهتم لقوى العرض والطلب مثلاً بقدر ما يهتم بالمعاملة الحسنة، فلا نجد نظرية إسلامية تفند أو تثبت نظرية "صاى وريكاردو" اللذين قالا إن العرض يخلق الطلب، أو نظرية "كينز" الذى اعترف بأن الطلب هو الأساس الذى يجب أن يتوافر من أجله العرض.. وغيرها.

وإذا أخذنا الاقتصاد الإسلامى كنظرية اقتصادية (وهو غير وارد) سيتوقف عملنا على التجارة فقط (عملا بقول رسول الله تسعة أعشار الربح من التجارة) وهو النشاط القائم فى عهده، أما عهدنا الآن فإننا بحاجة إلى الصناعة والزراعة والتجارة كأنشطة متكاملة لتحقيق التوازن الاقتصادى، وإذا لم نعمل بتلك الأنشطة سوياً وبغض النظر عن إهدار الموارد الطبيعية المتاحة سنجد أنفسنا فى مأزق، حيث الديون الخارجية وعجز الموازنة وميزان المدفوعات، ما سيؤدى بدوره إلى استعمار أجنبى وتدخل فى الشئون الداخلية للدولة.

وفى حالة إيماننا بفرض تطبيق الاقتصاد الإسلامى فى الدول الإسلامية عن طريق البنوك الإسلامية ووضع حلول تجارية تقوم على المبادئ الإسلامية، فإننا سنجد معضلات عدة فى التنفيذ أولها:

أن تلك البنوك التى تدعى الإسلامية تعمل فى ظل نظام عالمى ربوى فى وجهة نظرها، فهى تقترض بنظام البنك المركزى (الربوى) التابعة له، وتُقرض بنظامها الإسلامى وهو تناقض غير مبرر! كما أن استثماراتها ككل البنوك تكون فى المجالات المربحة مثل محطات الغاز فى الكويت ومطار مرسى علم فى مصر واستثمارات الكويت فى القرى السياحية فى أوروبا وغيرها، فهى تبحث عن الربح بغض النظر عن المنفعة العامة للدولة..

والمعضلة الثانية سنجدها فى التطبيق، فنجد أن أحد أسباب رفض الإسلاميين للاقتصاد الماركسى هى حالميته فى المساواة بين البشر فى حين أنه يؤمن بالمساواة وحسن توزيع الدخول! كما أنه يؤمن باقتصاد السوق المفتوح، وهو ما يُعارض المساواة! وهو ما يسمح بالكثير من التلاعب باسمه فهو لا يميل للرأسمالية أو الاشتراكية ويظل محايدا لدرجة تجعل منه ألعوبة فى يد المستفيدين منه، فالاقتصاد الإسلامى لا يحافظ على هوية المسلمين كما يدًعون، بل يعومها لتصبح بلا هوية محددة.

وبنظرة أكثر دقة فإننا لن نجد أن المشكلات المجتمعية تُحل بالشكل المثالى، حيث نجد أن الزكاة أحد أساليب التفقير فهى تجعل من الفقير فقيرا يمد يديه للغير دون اكتفاء حقيقى يوفر له بيئة مناسبة للحياة ومن الغنى غنيا يتصدق ليُحلل لنفسه أمواله ويستمتع بها دون شعور بالذنب فـ 10% من صافى أرباحه لن يؤثر فى دخله شيئاً، وبدون الدور الحقيقى للدولة فى الحد من الفقر والبطالة لن نجد حلولا حقيقية لمشكلات المجتمع.

ونجد أن الأصل فى الإسلام عدم التسعير وأن المُسعر هو الله وحين طُلِب من الرسول تسعير السلع فى المدينة المنورة بعد غلاء الأسعار رفض وقال: "إن الله هو المسعر وأننى أرجو أن ألقى الله تعالى ولا يطلبنى أحد بمظلمة فى مال أو دم"، ويكون التسعير فى حالة الاحتكار القوى الواضح لسلعة واحدة، أما إذا ارتفعت أسعار جميع السلع مرة واحدة فلا قيود يضعها الاقتصاد الإسلامى على الأسواق، وذلك بالطبع لأنه لا يمتلك نظريات وحلولا مالية ونقدية تناسب الاقتصاد الحالى المكثف بعمليات الاستيراد والتصدير والاحتكار وأسواق الأوراق المالية وأسواق الصرف وغيرها.

فى الحقيقه لا ننكر وجود الاقتصاد الإسلامى كمبادئ للتعاملات الاقتصادية، ولكن كونه مبادئ لا يكفى لأن يُصبح نظرية اقتصادية قوية يُعتمد عليها فى ظل التغيرات الاقتصادية العالمية التى نمر بها.

صدق أنجلز حين كتب:
"إن الظروف التى ينشأ البشر تحت ظلها تختلف بين قطر وآخر بل وتختلف فى القطر الواحد، لذا فليس من الممكن أن يكون للأقطار كافة وللأدوار التاريخية جمعاء اقتصاد سياسى واحد".
الجريدة الرسمية