رئيس التحرير
عصام كامل

هم شعب ونحن شعب؟


الأغاني الثورية هي شكل من أشكال التعبير لكسر قيد الاحتلال أو القمع أو حتى القيد الاجتماعي.. "في اللحظات العصيبة التي عرفتها الشعوب، هناك شكلان من التعبير: البعض يعود إلى الألحان الفولكلورية، والبعض يلجأ إلى الحنجرة".


من شوارع عربية عاشت الربيع العربي انطلقت أصوات غنائية للغناء للثورة ومستقبلها الواعد في تغيير مسار البلد.. من ميادين عربية كثيرة انطلقت حناجر هادرة وعفوية وأخرى مدربة تنشد للثورة وتغني لمستقبل بلا ظالمين، وأثرى عشرات المطربين مستلهمين نبض الشوارع تجاربهم بأغان جديدة من رحم الثورة.. في حين شق آخرون طريقا جديدا ضمن مسار الأغنية الوطنية أو الثورية التي عادت للظهور بقوة في السنتين الأخيرتين متأرجحة بين الالتزام الحقيقي وركوب الموجة.

وإذا كانت بعض الأصوات المكرسة قد التقطت اللحظة الثورية ورافقتها بأصواتها وموسيقاها، فإن الشاب المصريّ العشريني رامي عصام لم يكن يعرف أن هتافاته في ميدان التحرير مع بداية الثورة المصرية ستتحوّل إلى نشيد للاحتجاجات التي تمكنت من إسقاط نظام حسني مبارك والتأسيس لمرحلة جديدة في تاريخ بلاده.

التحق عازف الجيتار الآتي من بيئة فقيرة من إحدى مدن مصر الصغيرة المحاصرة بأحزمة البؤس بالثوار في ميدان التحرير، وخيّم معهم لتصبح أغنيته "ارحل" صرخة مدوّية في وجه الرئيس المصري المخلوع إلى حين رحيله في فبراير 2011.. وليصبح عصام "مغنّي الثورة" خاصة بعد اعتقاله وتعرضه للضرب.

"مغنّي الثورة" ركب موجة فنّية جديدة.. وإن كانت الأغاني الثورية تراثا وطنيا قديما وغير مستجدّ بدلالتها الثقافية والأيديولوجية.. وبكونها فنا شعبيا يعبّر عن الناس.. ولكن كثافة الإنتاج التي برزت مع استمرار ما يسمى الربيع العربي حملت بين طياتها أسئلة كثيرة عن مصداقيتها وتوجهها فعلا إلى الثوار في معاناتهم ونضالهم في سبيل الحرية.


أنا أحترم الفنان المصري يسري سلام في تصنيف أغاني الثورة إلى ثلاثة أقسام: الأغاني التي تنتج بشكل تلقائي وحقيقي، والأغاني التي يتم تسجيلها بشكل غير محترف وتطوّعي، أما النوع الثالث فهو الفن الذي تحوّل إلى صناعة جديدة تبغي الربح وتحوّل الأغاني إلى علامة مسجّلة ومادّة إعلانية لتفقد جوهرها الأساسي.

إن أغنية على الحجار هم شعب.. واحنا شعب.. لكم رب.. ولنا ربنا.. نزلت من الأغنية الثورية لأقصى حطيط وتنافت مع هدف الأغنية الثورية التي تندرج في نفس منطق الأغنية الوطنية باعتبار أن الغاية منها هي الشحن السياسي لتبني فكرة ما.
لم أستسغ أغنيه تقسم المجتمع إلى: "نحن وهم".. وإلى طوائف دينية وقومية وإلى إمارات طائفية..هذا الغناء غير المسئول سيؤدى إلى حرب أهلية لا سمح الله.. لأنه يعزز قيم الكراهية والحقد الثقافي لفئات مجتمعية تختلف معنا سياسيا أو أيديولوجيا ولكنها تتقاسم معنا الوطنية والدفاع عن هذا الوطن.

كنا جميعا قبل الثورة ضد شعار الإخوان إبان العهد البائد مبارك أن الإسلام هو الحل وقلنا للإخوان كباحثين ومتتبعين لا يعقل أن تهمشوا الإخوان القبطيين كمسيحيين وعددهم يفوق 8 ملايين وشركاء بالوطن.

إن غيرتنا على مصر قلبنا النابض وعمقنا العربي.. يدفعنا لمواجهة أي فن كيفما كان نوعه يزرع بذور التفرقة والعنصرية بين أبناء الوطن الواحد.. الفن بمصر كان ينبوع المحبة والتسامح الديني والثقافي وجعل من مصر هوليوود الشرق، ليكن أفقنا الفني أكبر من الأزمات التي تمر بها مصر.. وأن يكون سفر العبور لبناء مشروع الثورة الذي سقته دماء شهداء ثورة 25 يناير الأبرار.

الجريدة الرسمية