رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وأصل المصريين: عصر بداية استعمال المعادن

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

دلت نتائج الحفائر التي ظهرت مؤخرا والتي ترجع إلى عصر بداية المعادن أو عصر ما قبل الأسرات على أن المصري قد وصل إلى درجة جعلت بينه وبين عصر الوحشية هوة سحيقة.


ومهما نظرنا إلى صناعته في أي عهد من عصر بداية المعادن فإنا قد نجده قد وصل إلى مستوى قد يجعله في مصاف المتمدينيين فقد كان في هذا العصر كما كان أجداده في العصور السابقة من أمهر الصناع والفنانين في عمل الظران، وقد كان عصر بداية استعمال المعادن يمتاز باستعمال الظران والنحاس لصنع ألاته وحليه جنبا إلى جنب، وتدل البحوث على أن صناعة الظران كانت سائدة الاستعمال في لبيداري وفي عهد ما قبل الأسرات القديم.

وكان النحاس في هذا العهد لا يزال مادة نادرة الوجود ولا يستعمل إلا في صنع الآلات ذات الحجم الصغير كالدبابيس التي كانت تستعمل في شبك الجلود بعضها ببعض، والإبر والكلاليب، والخطاطيف والمقاشط والمقصات، ولم يكن هذا المعدن يستعمل في حالته النقية بعد، أما الآلات التي كانت تصنع منه فكان يحصل عليها بالطرق، فمنذ هذا التأريخ أخذت صناعة الظران تتقهقر أمام صناعة النحاس، التي بدأت تزداد تدريجيا حتى أصبحت معظم الآلات التي يستعملها الإنسان في حياته اليومية تصنع من هذه المادة، والظران لمن لا يعرفه هو عمل الرماح ذات الرءوس المدببة.

والواقع أن أهم ظاهرة بارزة في مدنية ما قبل الأسرات هي اكتشاف معدن النحاس واستعماله في معدات الإنسان في معظم مرافق الحياة وذلك على الرغم من وجود الذهب والفضة، والفضة كانت نادرة، إلى أن الحديد المطروق كان قد ظهر كذلك في هذا العصر واستعمل في صنع خرز أنبوبي الشكل ولكنه كان نادرا أيضا، ولذلك كانت قيمته عظيمة لدرجة كان ينظم في القلائد الغالية مع حبات الذهب، ولكن النحاس كان في هذا العصر (ملك المعادن)، ولذلك نتساءل من أين أتى هذا؟

و ظهرت بوادر صناعة النسيج في العصر النيوليتي، ولكنها أخذت تنمو وتتقدم في عصر استعمال المعادن، وبقايا الأقمشة التي عثر عليها في مقابر البداري كانت خشنة الصنع ساذجة، ولكنها في الوقت نفسه كانت صلبة منظمة النسيج، وهذه الأقمشة كانت تصنع ملابس، هذا إلى أن صناعة الجلود أخذت في التقدم.

والواقع أن المصريين عرفوا الزجاج في العهد الفرعوني، ولكنهم لم يعرفوا قط صناعته إلا في حالة عجينة مطحونة، ولم يعثر على قطع من الزجاج إلا بعض خرزات، وقطعة واحدة مطحونة يرجع عهدها إلى ما قبل الأسرات، وهذه القطعة عبارة عن دلاية ( بندنتيف) زرقاء اللون تشبه اللازورد، ويرجع عهدها إلى الرقم 41 من التأريخ التتابعي.

وكان للصانع المصري في عهد ما قبل الأسرات بعض الصفات الشخصية التي تميزه فمثلا عندما كان يصنع أوانيه من حجر الديوريت وحجر البرفير، وحجر البرشيه التي كانت تعد من أصلب الأحجار وأعصاها، بقلب فرح متذوقا عمله حتى أنه كان لا ينصرف عن الإنجاز، ويظهر من الصبر درجة تضعه في مصاف مهرة العمال.
الجريدة الرسمية