رئيس التحرير
عصام كامل

بعد سقوط إخوان مصر.. حماس تعود لعباءة الملالي الإيراني.. نظريات سيد قطب تدرّس بالحرس الثوري.. 20 مليون دولار شهريا من طهران لحماس.. وإيران تستخدم "الحركة" للضغط على أمريكا

الرئيس المعزول محمد
الرئيس المعزول محمد مرسي

بعد ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان فى مصر، وأدت إلى عزل الرئيس محمد مرسى، عادت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مرة أخرى إلى عباءة ولاية الفقيه فى إيران، ذلك ما جاء فى دراسة قام بها جاسم محمد بمركز "المزماة" للدراسات والبحوث.

وأكدت الدراسة أنه قد اجتمع أعضاء المكتب التنفيذى والشورى لحركة حماس فى الضاحية الجنوبية فى بيروت من أجل إعادة العلاقة مع إيران، فى أعقاب عزل مرسى والإخوان فى مصر 30 يونيو الماضى.

أضافت الدراسة أنه كان للسفارة الإيرانية فى بيروت دورًا رئيسيًا بترتيب تلك اللقاءات، بالإضافة إلى الزيارات غير المعلنة من حماس إلى طهران، فقد أصبحت حماس تعانى من مأزق خسارة إخوان مصر فى 30 يونيو 2013 بعد أن راهنت على التنظيم المركزى للإخوان وفروعه وعلى تركيا، وقد خسرت حماس هويتها الفلسطينية الوطنية لتقاتل بالوكالة مع "محور الممانعة" أو مع الإخوان.

أشارت الدراسة إلى أن العلاقة ما بين التنظيم المركزى للإخوان وولاية الفقيه ليست بجديدة، بل تعود إلى سنوات التأسيس، فمرشد الإخوان ومرشد الثورة الإسلامية فى إيران، فقد كان وصول سيد قطب إلى نظرية الحاكمية متابعة لإرهاصات فكرية عند الندوى وعند المودودى بكتابه الأخير، والمصطلحات الأربعة فى القرآن 1941.

وأكدت الدراسة على وجود تأثرات واضحة بسيد قطب فى كتاب "فلسفتنا" 1959 للسيد محمد باقر الصدر الذى أسس فى ذلك العام حزب الدعوة، وقد تأثرت الشيعة كثيرًا بأفكار وتنظيم الإخوان المسلمين حتى قام الخمينى بترجمة العديد من كتب سيد قطب، ومنهم اشتق اسمه المرشد الأعلى. 

وكان حزب الدعوة العراقى عبارة عن النسخة الشيعية لحركة الإخوان المسلمين، وتأسس للإخوان فرع فى العراق تحت عنوان الحزب الإسلامى العراقى وقد تأسس الحزب الإسلامى بمباركة مراجع شيعة منهم محسن الحكيم.

الدراسة تؤكد أن فلسفة الإخوان وحزب الدعوة الشيعى يقوم كلاهما على الاختباء تحت غطاء المناداة بالحريات وتحقيق العدالة وقمع الظلم ومحاربة الفساد، كما يقوم على الاختباء تحت نظرية المظلومية، وأن أغلب القيادات الرئيسية للإخوان -أى المؤسسة والأمانة- يرتبطون بعلاقة جيدة مع إيران.

وبعد زواج شاه إيران محمد رضا بهلوى بشقيقة الملك فاروق فى الأربعينيات، نشأت حركة فى مصر تزعمها الأزهر للتقريب بين المذاهب، وكان البنا أحد المتحمسين لها، وقد استضاف السيد محمد القمى وهو أحد علماء الشيعة فى المركز العام للإخوان المسلمين فى القاهرة، ثم التقى آية الله الكاشانى فى موسم حج عام 1948، واتفقا على مؤتمر تقريبى بين السنّة والشيعة.

وذكرت الدراسة أنه عند وفاة الخمينى فى 4 حزيران 1989 أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين حامد أبو النصر نعيًا تضمن الكلمات الآتية: "الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخمينى القائد الذى فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة".

وفى عهد على الخامنئى الذى أصبح مرشدًا بعد وفاة الخمينى أصبحت نظريات سيد قطب تدرس فى مدارس الإعداد العقائدى للحرس الثورى الإيرانى، كما برز نفوذ لمرجعيات دينية مثل آية الله مصباح يزدى، وهو الأستاذ الروحى لأحمدى نجاد، لا يخفى إعجابه بسيد قطب وتأثرها به.

واستطاعت إيران تنمية علاقات قوية مع الإخوان المسلمين، لأن ذلك يؤدى إلى اتساع دائرة نفوذها فى العالم العربى مما يمنحها تأثيرًا فى أوساط الراديكاليين العرب أبرزها حماس وحزب الله والقاعدة. 

وعن التحالف الاستراتيحى بين حماس وإيران تقول الدراسة إن الدعم الإيرانى الشيعى لحماس ومدح قيادات الحركة لطهران، يثير الكثير من التساؤلات، فالباحث خليجى من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المتخصص فى الشأن الإيرانى، يشير إلى الهاجس الأمنى المصرى من الاتصال بين إيران الإخوان فى مصر، من خلال حركة حماس التى خرجت من عباءة الجماعة، وانعكس ذلك بالزيارة السرية لقاسم سليمانى قائد فيلق القدس إلى مصر فى الأيام الأولى من عام 2013، والتى التقى خلالها مع قيادات إخوانية غير حكومية.

فالعلاقة بين إيران وحماس لا يمكن تفسيرها فقط فى الجانب السياسى، وإنما يجب البحث عن شيء أعمق من ذلك -حسبما جاء بالدراسة- كما أن لهجة جماعة الإخوان المسلمين فى سوريا تجاه إيران وحتى فى فترة الأزمات تظل أقل حدة من كثير من العلمانيين السوريين المعارضين، وقد التقت إيران مع المعارضة السورية فى طهران عام 2012. 

وأكدت حماس أنها حليف استراتيجى لإيران فى أعقاب تلك التطورات، ويذكر أن إيران كانت تقدم لـحماس ما يصل إلى 20 مليون دولار شهريًا لمساعدتها فى دفع رواتب نحو نصف الموظفين الحكوميين فى غزة وعددهم 50 ألفًا.

وأكدت الدراسة أن وقوف حماس مع التنظيمات الجهادية فى سوريا ضد نظام الأسد، يمثل خسارتها لإيران وللدعم المالى، حيث احتشدت مع تنظيم الإخوان المركزى وفرع سوريا وفقًا لمبدأ السمع والطاعة وتعليمات التنظيم الدولى، وهذه العلاقة وضعت حماس فى مأزق بعد رحيل إخوان مصر فى ثورة 30 يونيو 2013. 

التقارير أشارت إلى أن إيران خفضت الدعم ولم تقطعه، ضمن استراتيجية عدم قطع العلاقة مع قيادات حماس، والتى تمنح طهران بوابة على الحدود مع إسرائيل، وأن ملالى إيران يستخدم حماس كجناح عسكرى وورقة ضغط على السياسة الخارجية الأمريكية مقابل الملف النووى.

كما أن إيران تستخدم أوراق ضغط فى مفاوضاتها السرية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربى بالمساومة من أجل ضمان الاستمرار بملفها النووى، وهذا ما كشفته مفاوضات كازاخستان، فاستراتيجية ملالى إيران تنص على تمسكها بتنظيمات راديكالية لتنفيذ سياستها.

وكذلك فإن التطورات الأخيرة فى مصر مثلت ضربة كبيرة لحركة حماس ودفعت ثمن ارتباطها ودعمها لها، ويعتبر المراقبون ذلك مأخذا سياسيا على حماس يمكن أن يفقد مصداقيتها، وفى نفس الوقت أثبتت حماس أنها تنظيم إخوانى أكثر من أن تقوى على إدارة حكومة، وهو ذات المأخذ والمُشكل الذى وقع فيه إخوان مصر ضمن منهج أخونة المجتمع والدولة.

وأشارت الدراسة إلى أن حماس الآن فى وضع صعب جدًا، فقد خسرت دمشق وطهران وحزب الله، وها هى الآن تخسر مصر، ومعها العديد من الدول العربية الرافضة لحركة الإخوان المسلمين، والمشكلة أن حماس لا تستفيد من أخطائها ولا تراجع مواقفها ليكون التعنت والرهان على الآخرين أكثر من الرهان على نفسها، وهذا ما ينعكس سلبًا على المواطن الفلسطينى، الذى أصبح لا خيار له إلا اتباع تعاليم جماعة حماس كتنظيم أكثر من إدارة دولة.

لذا فاليوم تدفع حماس ثمن تفردها وإقصاء الآخرين فلا تجد من يقف بجانبها، حتى مواطنيها من الممكن أن يتخلوا عنها، وهذه الصعوبات من شأنها أن تحدث انشقاقات داخل الحركة بين الخط المعتدل والمتشدد، فهى بالفعل تتعرض إلى اهتزاز تنظيمى وسياسى.

وعن لقاءات الإخوان وملالى إيران تؤكد الدراسة أنه فى أعقاب سقوط إخوان مصر 30 يونيو 2013 كانت هنالك جملة من اللقاءات بين مسئولين من حماس ومسئولين من حزب الله وإيران بعضها سرى وبعضها علنى، تمهيدًا لعودة حماس إلى المحور الإيرانى، فقد بذلت حماس جهودًا للعودة إلى حضن ملالى إيران فى أعقاب سقوط الإخوان فى مصر من أجل الحصول على الدعم المالى الإيرانى.

وكشف أحمد يوسف القيادى فى الحركة أن لقاءً هامًا عقد خلال شهر يوليو 2013 بين قياديين بارزين فى حماس والمسئولين الإيرانيين وبمشاركة قادة من حزب الله، تم خلالها بحث العلاقات المشتركة الاستراتيجية بين الحركة وإيران.

وأضاف يوسف أن الجانبين شددا على حرصهما ورغبتهما بمواصلة العلاقة الطيبة والتنسيق المشترك، وتم التأكيد على أن حماس شريك استراتيجى لإيران، وأن عضوين فى المكتب السياسى للحركة من قيادة حماس فى الخارج هما اللذان عقدا اللقاء مع المسئولين فى إيران وحزب الله.

وتشير التقديرات إلى أن الهوة بين الطرفين، حماس وإيران ستبقى كبيرة، خاصة أنها تتركز حول موقف الطرفين من الأزمة فى سوريا، التى تتشابك بها سياسات إقليمية ودولية، وشهدت تغييرًا فى قوانين اللعبة لأكثر من مرة.
الجريدة الرسمية