رئيس التحرير
عصام كامل

الأديب يوسف إدريس يكتب: ماذا فعلنا برمضان؟

الدكتور يوسف ادريس
الدكتور يوسف ادريس
18 حجم الخط

تحت عنوان " ماذا فعلنا برمضان " كتب الأديب الراحل الدكتور يوسف ادريس فصلا فى كتابه "فقر الفكر وفكر الفقر "عن شهر رمضان وما أصابه من تغييرات وعادات خرجت به عن معناه يقول فيه: لا أستطيع أن أقول: ماذا فعل شهر رمضان بنا، فرمضان شهر عبادة وصيام، ومراجعة للنفس وتبتل، شهر السهارى لا لكى يأكلوا إلى آخر ثانية إمساك، ولكن ليعيدوا توازنهم النفسي ويراجعوا ما كان من حياتهم وعامهم وحتى يومهم، ويتبينوا الخيط الأبيض من الخيط الأسود في علاقتهم بالمولى سبحانه وتعالى. 


لقد جاءت فكرة الصيام ذاتها من الامتناع عن الاستجابة للحاجات الجسدية اليومية من طعام وشراب ومتع وشهوات حتى لا ينشغل الجسد بالجرى وراء تلك المتع، ويتفرغ الجسد والعقل لما هو أليق بالإنسان، الإحساس الشامل بالطهر والرغبة الخالصة فى السمو بالذات عبر متطلبات الحياة اليومية والتواصل مع الحق والعدل والحقيقة الاسلامية الكبرى وجوهرها، ذلك هو رمضان، وذلك هو الصيام.

مواكب الفوانيس والزينات 


لكن يبدو أننا نحن المصريين دائما ما نلوى أعناق الأشياء لتلائم مزاجنا وأهواءنا، جاء الفاطميون وأنشأوا القاهرة والأزهر الشريف وجاءوا ومعهم بالمذهب الشيعي. وجاءوا ايضا بكثير من الطقوس والمهرجانات التى تصاحب المواسم والاعياد الاسلامية مثل مواكب الفوانيس فى رمضان والتواشيح والزينات والكنافة والقطايف والكعك وعروسة المولد واستيراد الياميش والأكل إلى حد التخمة وغيرها.. وكلها طقوس تتعلق بالأكل والشرب والسهر والسمر ولا علاقة لها بالمناسبة التى جاءت من أجلها. 

الدكتور يوسف ادريس وسط مجموعة ادباء الاهرام احسان ومحفوظ والحكيم 
الدكتور يوسف ادريس وسط مجموعة ادباء الاهرام احسان ومحفوظ والحكيم 


وحين انتهى الحكم الفاطمى انسحب معه المذهب الشيعي تماما من مصر ولم يترك أثرا يذكر، إلا فى المساجد الكبرى التى أقيمت لآل البيت، وانسحبت مع الحكم والمذهب كل المظاهر الحضارية التى جاءت مع الغزو الفاطمى ماعدا الأزهر الذى تحول إلى جامعة كبرى أصبحت منارة للمسلمين فى عصور التمزق والتخلف التى حاقت بالأمة الإسلامية والعربية.

مظاهر الرفاهية الفاطمية 


لكن الشيء الوحيد الذى ترسخ في الحياة المصرية هو مظاهر الرفاهية الفاطمية التى كانت تصاحب حلول شهر رمضان والمواسم والأعياد، مظاهر تتعلق بالطعام والشراب والأنس والسهر، فالمصريون مثلا ليلة الإسراء والمعراج يعتبرونها موسما بوجبة طعام فاخرة من البط والأوز بالرغم من أن معجزة الإسراء ليس لها علاقة بالطعام لكن هكذا أراد المصريون والمولد النبوى تعد له حلوى المولد وعرائس المولد وحصان المولد وحلقات الذكر ووجبة طعام فاخرة أيضا.

لنا فى الرسول أسوة حسنة 


وشهر رمضان هو شهر التقوى والامتناع عن الشهوات إلا من الحد الأدنى من الطعام، فقد كان المسلم البدوى فى صدر الإسلام وفجره وضحاه يصوم اليوم كله ولا يفطر الا على قليل من التمر وبعض اللبن المخضوض إن وجد، ولنا فى رسول الله أسوة حسنة فكان يفطر على تمرات وكان المسلم إذا ذبح شاة قام بتوزيع لحمها على الأهل والفقراء إلا أن شهر رمضان فى مصر هو  شهر الطعام لا شهر الصيام، وأدهش عندما اقرأ فى الصحف قبل مجيء رمضان عن استيراد 100 الف طن من اللحوم بمناسبة شهر رمضان، وتوفير كذ ألف طن من الياميش بمناسبة شهر رمضان، أو إعلان من وزارة التموين عن توفير كميات من السلع الغذائية وتزداد إعلانات السمن والبقالة وأجهزة الراديو وغيرها. 

الدكتور يوسف ادريس 
الدكتور يوسف ادريس 


وبعد شهر رمضان تعلن الوزارة عن زيادة  فى الاستهلاك فى الشهور العادية، رغم أنه كان المفروض أن يقول إن الفائض فى شهر رمضان كذا ألف طن لحم بسبب الصيام، أو أنه توفر كذا مليون عملة صعبة قيمة ما كان مفروضا استيراده من المأكولات والأطعمة. 


فلم اعد ادهش من عناوين وزارة التموين واحصائيات الاستهلاك اليومى والشهرى لـ شهر رمضان بعد أن تحول الشهر من شهر تبتل وصيام إلى شهر جشع والتهام للطعام، وادخل اى بيت مصري مهما تواضع دخله وانظر كم ونوع الاحتفال بوجبة الإفطار والتفنن في عمل السطات والمشويات والمحبشات والرز بالخلطة والزبيب والبندق والطعام يكفى عشرة وأحيانا عشرين ويفطر الصائمون والمفطرون الذين يكتفون احتفالا بالشهر الكريم التنازل عن وجبة الغداء حتى يفطروا مع الصائمين فتمتلئ الكروش ويتكرع الواحد منهم تكريعة نكراء ويقول أما كانت حتة اكلة.

شهر كسل واضراب عن العمل 


ولو اقتصر الأمر في حدود الطعام لهانت الكارثة إذ حولنا شهر الطعام والعبادة إلى شهر كسل وإضراب عن العمل والإنتاج وتأجيل كل شيء إلى ما بعد رمضان، ويعود الرجل من عمله سريعا إلى بيته طلبا للقيلولة إلى ما قبل الإفطار والزوجة فى المطبخ تقلى وتحمر وشعرها منكوش، وهى تلعن الطبيخ وتنابلة السلطان النايمين نومة اهل الكهف فى انتظار المدفع. 

فوازير فطوطة 
فوازير فطوطة 


وحتى قبل أن ينطلق مدفع الإفطار تكون وجبة رمضان الاذاعية والتليفزيونية قد بدأت ثماني مسلسلات أو أكثر وتمسك المسلسل تجد موضوعات سخيفة ومؤلفه عبقرى في السخافة موضوعات مفتعلة وكوميديا لا ضحك فيها وكله تسالى صيام يملأ بها التليفزيون الفراغ العقلى الذى أحدثه الصوم بمزيد من الفراغ العقلى الذى تحدثه المسلسلات والفوازير بتفاهتها وسطحية البرامج والمسابقات، وأراهنك ان تجلس الى التليفزيون تسع ساعات وان تخرج بشئ يهزك حقا او على الأقل يجعل عقلك يفكر في التحرك لكن كل شيء يدعوك ان تسطح مخك.

الصيام حجة المجتهد 


أيضا تشارك صحافتنا فى عملية هدم الروحانيات وتسطيح عقل الصائم فالصفحات الدينية تتحدث عن رمضان وكأنه أول رمضان يصوم فيه المصريون وتنسى فى موادها أننا شعب مسلم له تاريخ عريق فى الإسلام، لكل هذا يضيع المعنى الكلى للشهر الكريم ويضيع من عمر الإنسان شهرا لم يكسب فيه عبادة وإنما أدى فيه فريضة وبشق الأنفس بالرغم من أنه شهر عبادة مع أن الصيام حجة المجتهد والعمل عبادة، فأى رمضان وأى صيام أيها الناس؟ 
 

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا

تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجريدة الرسمية