رئيس التحرير
عصام كامل

كيف تؤثر إصلاحات الأسواق المالية على سوق تداول الذهب

تداول الذهب
تداول الذهب

بعيدًا عن صور الحلي والسبائك اللماعة، صار الذهب اليوم أصلا ماليًا مرنا لا يختلف كثيرًا عن الأسهم والسندات، كيف حصل هذا التحول الجذري؟

 

يعود هذا التحول الجذري أساسًا لجملة إصلاحات السوق المالية التي لا تنفك تغير ملامح أسواق تداول الذهب.لا ينحصر تأثير هذه الإصلاحات في تعديل قواعد التداول فحسب، إذ إنها تهدف أحيانا لإصلاح السوق جذريًا ويجعله أكثر سهولة وشفافية وأمانًا. 

 

عصر جديد من الشفافية

في الماضي القريب، كان تداول الذهب غالبًا ما يكون محاطًا بالسرية. تم تحديد الأسعار خلف أبواب مغلقة، بين مجموعة من الأثرياء وكبار الشركات بعيدًا عن عامة الناس والمتداولين الصغار.

 

الإصلاحات التنظيمية:

 أدى إدخال لوائح أكثر صرامة إلى تغيير قواعد اللعبة. بعد الأزمة المالية عام 2008، قامت الهيئات التنظيمية مثل مجلس الاستقرار المالي (FSB) ولجنة الأوراق المالية والبورصة (SEC) باتخاذ إجراءات صارمة ضد التلاعب في السوق. في عام 2014، قامت جمعية سوق السبائك في لندن (LBMA) بإصلاح نظام تثبيت الذهب في لندن، والانتقال من تحديد الأسعار عبر الهاتف إلى نظام المزاد الإلكتروني. وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز الشفافية والثقة. والآن، مع تحديد الأسعار بواسطة نظام إلكتروني شفاف، أصبح التلاعب بالأسعار شبه مستحيل، مما عزز الثقة في السوق.

 

AML وKYC: 

أصبحت لوائح مكافحة تبييض الأموال (AML) وأنظمة التعرف على العميل (KYC) أكثر صرامة. على سبيل المثال، منذ 2020 بدأ الاتحاد الأوروبي بفرض متطلبات صارمة على تجار الذهب تحتم عليهم ضمان التحقق الدقيق من هويات عملائهم. مع أنّ هذه الإصلاحات تزيد تعقيد الإجراءات الإدارية أحيانا، إلا أنها أمر ضروري لمنع الأنشطة غير القانونية.

 

تسهيل تداول الذهب لعامة الشعب

لم يعد تداول الذهب يقتصر على النخبة فقط. إذ صار بإمكان أي شخص المشاركة بشرط امتلاك اتصال بالإنترنت ورأس المال مهما كان قليلًا. وذلك بفضل الانتشار الواسع لمنصات التداول الإلكترونية، وتقليل حواجز الدخول.

 

منصات التداول الإلكترونية: 

هل تتذكر الصور القديمة للمتداولين وهم يصرخون ويلوحون بالأوراق في الهواء؟ تلك الأيام صارت من الماضي مع ظهور منصات التداول الإلكترونية، أصبح تداول الذهب سهلًا ولا يقتضي سوى بعض النقرات.

 

تقليل حواجز الدخول: 

حواجز الدخول المنخفضة تعني المزيد من المتداولين. لم يعد الأمر مقتصرًا على الأثرياء فقط بعد الآن. مع المنصات التي تسمح باستثمارات منخفضة تصل إلى دولار واحد، أصبح تداول الذهب في متناول الجميع تقريبًا. وأشار مجلس الذهب العالمي إلى أنه في عام 2020، زاد استثمار التجزئة في الذهب بنسبة 29٪، وهو دليل على نجاح الإصلاحات المالية في فتح الأبواب أمام جَمهور أوسع.

 

تعزيز السيولة 

السيولة هي شريان الحياة لأي سوق، وقد ضمنت الإصلاحات المالية ذلك لسوق تداول الذهب.

 

صناعة السوق والمشاركة المؤسسية: 

تشجع الإصلاحات أنشطة صناعة السوق، حيث تسهل دخول المؤسسات الكبرى لسوق التداول، وتيسر التواصل بينها وبين صغار المتداولين، مما يعزز السيولة. وقد لوحظت زيادة معتبرة في عدد المستثمرين المؤسسين خلال السنوات الأخيرة. وفقًا لتقرير عام 2022 الصادر عن شركة Refinitiv، زادت أحجام التداول المؤسسي في الذهب بنسبة 25% خلال السنوات الخمس الماضية، وهي علامة واضحة على أن سوق الذهب أصبح يتمتع بسيولة أكثر من أي وقت مضى.

 

أدوات مالية جديدة: 

لم يعد تداول الذهب يقتصر فقط على شراء السبائك المادية. لقد أحدث إدخال الأدوات المالية مثل الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) ثورة في السوق. تسمح هذه الصناديق للمستثمرين بشراء أسهم تمثل جزءًا صغيرًا من حيازات الذهب المادية. وهذا لا يوفر المرونة فحسب، بل يعزز أيضًا سيولة السوق بشكل كبير.

 

أعادت إصلاحات الأسواق المالية تشكيل تجارة الذهب بطرق تعود بالنفع على الجميع، من المستثمر المتمرس إلى الوافد الجديد. مع تعزيز الشفافية، وزيادة إمكانية الوصول، والسيولة الأعمق، والتكنولوجيا المتقدمة، واكتشاف الأسعار بشكل أكثر كفاءة، أصبح تداول الذهب اليوم بعيدًا كل البعد عن الممارسة السرية والحصرية التي كانت عليها من قبل. لذا، سواء كنت تتطلع لاستكشاف السوق أو بدأ التداول مباشرة فاعلم أن المشهد اليوم أكثر إشراقًا من أي وقت مضى.

الجريدة الرسمية