رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرى تولي عبد الرحمن الناصر الحكم.. المؤسس الثاني لدولة الأمويين بالأندلس.. حكم 50 عاما وهذا سر تحويل إمارته لخلافة

عبد الرحمن الناصر،
عبد الرحمن الناصر، فيتو

تحل اليوم الخميس الموافق 23 مايو الجاري، ذكرى تولي الأمير عبد الرحمن الناصر، حكم دولة المسلمين في الأندلس، حيث يعد ثامن أمراء الأمويين في دولتهم بالأندلس، والتي تأسست على يد صقر قريش عبد الرحمن الداخل بعد سقوط حكمهم في المشرق على يد العباسيين.

 

من هو عبد الرحمن الناصر ونشأته

وُلد عبد الرحمن في قرطبة في 22 رمضان 277 هجريا الموافق 890 ميلاديا، وأبيه هو "محمد" ابن الأمير عبد الله بن محمد سابع أمراء الأمويين في الأندلس، وولد لأم مسيحية أوروبية تدعى مزنة أو "ماريا"، كما تشير الروايات الأجنبية. 
كان والد عبد الرحمن أكبر أبناء الأمير عبد الله وولي عهده، إلا أنه قُتل بعد ولادة "عبد الرحمن" بنحو عشرين يوما. 
بعد مقتل محمد أبي عبد الرحمن، كفل الأمير عبد الله حفيده وأسكنه في قصره، فنشأ مقرّبًا إلى جده الذي آثره وأولاه عنايته، وعني بتربيته وتعليمه، فتعلم القرآن والسنة.
كما درس الشعر والتاريخ والنحو، وعلّمه فنون الحرب والفروسية، فكان محل ثقة جده الذي أوكل إليه القيام بالعديد من المهام، بل وندبه للجلوس مكانه في بعض المناسبات والأعياد لتسلّم الجند عليه.
وحين اشتد المرض على جده فوض إليه خاتمه إشارة منه باستخلافه.

عبد الرحمن الناصر أميرا على الأندلس

توفي الأمير عبد الله في غرة ربيع الأول من عام 300 هجريًّا، وما أن رحل حتى أُخذت البيعة لحفيده عبد الرحمن بن محمد في قصر قرطبة، فبايعه أعمامه؛ "أبان والعاص وعبد الرحمن ومحمد وأحمد".
 

وكانت بيعة عبد الرحمن حينئذ أمرًا غير معهود، فقد كانت العادة أن ينتقل الأمر من الآباء إلى الأبناء أو إلى الإخوة، وهو ما لم يحدث رغم وجود عدد من أبناء الأمير عبد الله وإخوته على قيد الحياة عند وفاة الأمير.


ووفقا لما ذكره بعض المؤرخين، فإن أعمام عبد الرحمن الناصر قد انتابهم الخوف من تولي الحكم في فترة كانت تضج بها الأندلس بالانقسامات والصراعات وحركات التمرد في مختلف المدن الأندلسية، حتى وصل الأمر أن تتقلص سلطة الأمير على قرطبة العاصمة فقط.

الناصر يقضي على الثورات والانقسامات

منذ تولي عبد الرحمن الناصر الإمارة عمد على القضاء على كافة الثورات والاضطرابات التي سادت الأندلس، واستخدم ذكاءه وما تعلمه من جده من فنون الحكم والسياسة.

وعن ذلك ما ذكر في كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي: "ولم يزل عبد الرحمن يغزو حتى أقام العوج، ومهد البلاد، ووضع العدل، وكثر الأمن، ثم بعث جيشا إلى المغرب فغزا برغواطة بناحية سلا، ولم تزل كلمته نافذة، وسجلماسة وجميع بلاد القبلة، وقتل ابن حفصون. 

وصارت الأندلس أقوى ما كانت وأحسنها حالا.. وتفرغ للروم  وشن الغارات على العدو، وغزا بنفسه بلاد الروم اثنتي عشرة غزوة.. ووضع عليهم الخراج، ودانت له ملوكها". 

المؤسس الثاني لدولة الأمويين في الأندلس

ويصف بعض المؤرخين عبد الرحمن الناصر بكونه المؤسس الثاني لدولة الأمويين في الأندلس بعدما انتشلها من الصراعات والانقسامات التي كادت تعجل بنهايتها، أما المؤسس الأول فهو صقر قريش عبد الرحمن الداخل.

تأسيس عبد الرحمن الناصر للزهراء وتوسيع دولته  

بعد ذلك شرع الناصر في تأسيس مركزا لحكمه في قرطبة عاصمة الأمويين بالأندلس وفي تاسيسه يذكر الذهبي في كتابه: "أقام الزهراء لسكناه على فرسخ من قرطبة.. وساق إليها أنهارا، ونقب لها الجبل، وأنشأها مدورة، وعدة أبراجها ثلاث مائة برج، وشرفاتها من حجر واحد، وقسمها أثلاثا: فالثلث المسند إلى الجبل قصوره، والثلث الثاني دور المماليك والخدم، وكانوا اثني عشر ألفا بمناطق الذهب، يركبون لركوبه، والثلث الثالث بساتين تحت القصور. 
ونتابع: "عمل مجلسا مشرفا على البساتين، صفح عمده بالذهب، ورصعه بالياقوت والزمرد واللؤلؤ، وفرشه بمنقوش الرخام، وصنع قدامه بحرة مستديرة ملأها زئبقا، فكان النور ينعكس منه إلى المجلس، فدخل عليه قاضيه منذر بن سعيد البلوطي، فوقف وقرأ: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة الآيتين.. فقال: وعظت أبا الحكم، ثم قام عن المجلس، وأمر بنزع الذهب والجواهر".
ويقال إن بناء الزهراء أكمل في اثنتي عشرة سنة بألف بناء في اليوم. 
ويقول عبد الواحد المراكشي في كتابه عن الأندلس: "اتسعت مملكة الناصر وحكم على أقطار الأندلس وملك طنجة وسبتة، وغيرهما من بلاد العدوة (يقصد بلاد المغرب).. وكانت أيامه كلها حروبا.. وعاش المسلمون في آثاره الحميدة آمنين برهة". 
ويضيف الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء عن عبد الرحمن الناصر: "كان لا يمل من الغزو، فيه سؤدد وحزم وإقدام، وسجايا حميدة".

عمارة الأندلس ونهضتها في عهد الناصر 

أصبحت قرطبة في عهد الناصر واحدة من أعظم مدن العالم ونافست بغداد فخامتها، واتسعت حتى بلغ عدد سكانها في عهد عبد الرحمن الناصر نحو نصف مليون نسمة، واحتوت على 3,837 مسجد، ومائة وثلاثة عشر ألف دار، ونحو ثلاثمائة حمام عام، وأرباضها ثمانية وعشرين ربضًا حول المدينة، ولها سبعة أبواب.
كما كثرت بها القصور والمتنزهات الفخمة، فبلغت شهرة قرطبة حينئذ الآفاق، وقد اهتم عبد الرحمن الناصر بالعمارة والبناء أيما اهتمام حتى أنه خصص ثلث الخراج كل عام لهذا الشأن.
بعد أن استطاع الناصر أن يصل بالبلاد إلى حالة من الاستقرار والأمن، انتعش الاقتصاد الأندلسي، وتحسنت أحوال البلاد الزراعية والصناعية، حتى بلغت جباية الأندلس من الكور والقرى في عهد عبد الرحمن الناصر خمسة ملايين وأربعمائة وثمانين ألف دينار، ومن ضريبة الأسواق سبعمائة وخمس وستين ألف دينار، بالإضافة إلى ما كان يدخل خزائن الدولة من أخماس الأغنام.
واتخذ عبد الرحمن الناصر سياسة مالية في التعامل مع تلك الأموال، بأن خصص ثلثًا أموال الجباية لنفقات الجيش والأسطول وثلثًا للبناء والتعمير والثلث الأخير فقد كان يدخره لنوائب الدهر.

عبد الرحمن الناصر يعلن تحويل إمارة الأندلس لـ خلافة  

في نفس الوقت كان هناك خطر آخر يهدد عبد الرحمن الناصر في ملكه، وهو ظهور واتساع دولة الفاطميين “شيعية المذهب” في شمال أفريقيا والتوسع شرقا ليضموا مصر وغربًا حتى المغرب، بل وأعلنوا قيام خلافة جديدة أساسها المذهب الشيعي تحت اسم الخلافة الفاطمية.

خطر الفاطميين

الأمر الذي مثل تهديدًا عسكريًا ودينيًا للأمويين “السنة” بصفة خاصة والأندلس بصفة عامة.
وأمام التهديد العسكري الذي شكله الفاطميون في مواجهة عبد الرحمن ودعوتهم لنشر المذهب الشيعي في ظل ضعف الخلافة العباسية في بغداد وانحصار سلطتها في دائرة صغيرة حول بغداد، اعتبر عبد الرحمن الناصر نفسه الأحق والأجدر بالخلافة من العباسيين "الضعفاء" والفاطميين “الشيعة”.

الخلافة الأموية في الأندلس 

وفي يوم الجمعة الثاني من ذي الحجة من عام 316 هجريا، أمر عبد الرحمن بأن يُخاطب بصفة رسمية بلقب أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر لدين الله القائم بأمر الله ثم اقتصر على الناصر لدين الله.
ودعى له القاضي "أحمد بن مخلد" على منبر المسجد الجامع في قرطبة بذلك، وأمر عبد الرحمن ولاته وقادته في المدن والكور بأن يعلنوا ذلك المرسوم، ومنذ ذاك الحين ضربت ألقاب الخلافة على النقود.
وبذلك تتحول دولة الأمويين في الأندلس منذ تأسيسها على يد عبد الرحمن الداخل من إمارة إسلامية إلى خلافة، ويصبح عبد الرحمن الناصر أول خليفة أموي في الأندلس.

وفاة عبد الرحمن الناصر بعد 50 عام في الحكم 

 توفي عبد الرحمن الناصر في الثاني من رمضان من عام 350 هجريًّا، بعد أن أمضى خمسين عامًا في حكم الأندلس استطاع خلالها بحزمه وصرامته أن يعيد توحيد البلاد تحت سلطة فعلية للأمير.

وأصبحت الأندلس في عصره دولة قوية يخشاها ملوك أوروبا، وخلفه من بعده ابنه الحكم الملقب بالخليفة المستنصر بالله.

14 يوم راحة في 50 سنة حكم 

يشار إلى أن عبد الرحمن الناصر قد ترك تأريخا وجد بعد وفاته بخط يده كتب فيه: "أيام السرور التي صفت لي دون تكدير في مدة سلطاني، يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا" فعدت تلك الأيام فوجدت أربعة عشر يومًا". 
 

 ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.

الجريدة الرسمية