رئيس التحرير
عصام كامل

المقاطعة.. ما لها وما عليها!

بداية وقبل كل شيء أؤيد وبكل ما أملك من مشاعر وأحاسيس أية حملات لمقاطعة أي سلعة أو خدمة ترتفع أسعارها بلا مبرر واضح، وبأهداف انتهازية واستغلالية واضحة. وأؤيد كذلك مساعي أهالي المدينة الباسلة بورسعيد في تنظيم حملة مقاطعة تناول الأسماك التي تضاعفت أسعارها بشكل جنوني هناك.. 

رغم أنها من المدن المفترض أن تتوافر فيها الأسماك بمختلف أنواعها وبأسعار معقولة للغاية، وأرحب في الوقت ذاته، ولكن بحذر، بالنتائج التي حققتها الحملة في تقليل أسعار غالبية أنواع الأسماك بنسبة تجاوزت ال 200 %!
 

أما الحذر الذي أبديه حيال نتائج حملة المقاطعة مبعثه سؤال، لا أزعم أن أحدا يملك إجابة له حتي الأن على الأقل، وهو ما مدي استمرارية أو ضمان إنخفاض أسعار الأسماك بشكل شبه دائم، خاصة وأن الزيادات المبالغ فيها في الأسعار، وكذا الانخفاضات الكبيرة في الأسعار، هذه وتلك تمت لأسباب لا علاقة لها بأسس التسعير واقتصاديات هذه التجارة!

 

كذلك من ذا الذي يضمن أن هذه التخفيضات الرهيبة قررها التجار هناك لإنقاذ من يمكن إنقاذه من الأسماك، التي لا يمكن بحال من الأحوال أن تظل بصلاحية تامة في ظل حملة المقاطعة والامتناع عن استخدامها، حتي ولو تم اتخاذ كافة إجراءات التخزين اللازمة للحفاظ على الجودة والصلاحية للاستهلاك الآدمي! 


أظن أن عملية التسعير في عالم تجارة الأسماك، بيعا وشراء، تتم بشكل واحد كما تجري عليه الأمور في مختلف مجالات بيع وشراء السلع وتقديم الخدمات، فكل فئة من الفئات المشار إليها، تضع ما تشاء من قواعد وأسس وخاصة في عمليات البيع والشراء، بشكل لا يراعي إلا تحقيق المكاسب المالية التي يرضاها أصحاب كل فئة من هذه الفئات من ناحية.. 

 

ومن ناحية أخري يحقق الفارق في التكلفة كما يفترضها أصحاب كل فئة نتيجة زيادة سعر صرف العملات الحرة، سواء في السوق الرسمية أو الموازية، وبصرف النظر عن إرتباط الخدمة أو السلعة بالعملات الأجنبية بشكل مباشر!


الحادث بالفعل أن الجميع وتحت لافتة نظام الإقتصاد الحر، يفعل ما يريد بزعم أن هذه النظام لا يتضمن ضوابط ولا رقابة ولا مرجعية ولا قدرة لأي جهة وخاصة الجهات التابعة للحكومة على مراجعة أومراقبة عملية تسعير السلع والخدمات، والمثير للاستغراب أن الأجهزة الحكومية ومنذ عقود باتت تعتقد ذات الاعتقاد الخاطئ السائد عن عمد في السوق، وأن لا دخل لها كحكومة في متابعة السوق وخاصة أسعار السلع والخدمات!


الحقيقة أن مقولة عدم أحقية الحكومة في مراجعة ومراقبة الأسعار في ظل نظام الاقتصاد الحر أو المفتوح، هي حق يراد بها باطل! وذلك لآن الحكومة بالفعل لا تستطيع مثلا تنظيم حملات على الأسواق لضبط المخالفات في الأسعار، كما كان يحدث من أجهزة مباحث التموين والرقابة التموينية أيام نظام الاقتصاد الموجه!


نعم هذا صحيح.. ولكن غير الصحيح بالمطلق هو الإدعاء بأن الحكومة وأجهزتها ليست لديها صلاحيات وأليات لمراقبة وضبط الأداء وخاصة في مجال تحديد أسعار السلع والخدمات، فالحكومة مطالبة وبمقتضي الآليات والأسس التي تقوم عليها أركان النظام الاقتصادي المفتوح أو الحر، ليس في مصر فحسب ولكن في شتي بلدان العالم التي اتجهت إلى نظام الاقتصاد الحر.. 

أهم هذه الاليات هي حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ليس بالشعارات ولا بالتصريحات الإعلامية، ولكن بتفعيل عمل جهازين من بين أجهزة هذه الحكومة، وهما جهازي حملية المنافسة ومنع الإحتكار والممارسات الاحتكارية وجهاز حماية المستهلك.. 

 

هذه الأجهزة منشأة منذ أن تحولت مصر إلى الاقتصاد الحر في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ومنذ هذا التاريخ وهذه الأجهزة، لا تفعل كافة أدواتها كي تضمن أن عمليات تسعير السلع والخدمات تتم وفق آليات العرض والطلب وهما أساس الحياة الاقتصادية في ظل نظام السوق الحر.


أطالب هذه الأجهزة، بتفعيل دورها في متابعة عمليات إستيراد المواد الداخلة في إنتاج السلع والخدمات، والتدقيق في شهادات المنشأ لضبط التكاليف والصلاحية الخاصة بالمواد الداخلة في تصنيع السلع والخدمات، وعلى هذه الأجهزة أيضا أن تمارس دورها الإسترشادي في تحديد هوامش الربح التي تحددها الجهات المنتجة أو المستوردة للسلع، وبالطبع هذا التأكد يحقق ضمانة للمنافسة الحقيقية بين الجميع بما يفيد المستهلك.

 


أخيرا وليس آخرا.. أنه يتعين على الأجهزة الحكومية أن تدرك أن نظام الاقتصاد الحر يتيح لها حماية السوق الحر والمنافسة ووفق أحكام العرض والطلب وأن تتدخل كأجهزة حكومية في بعض الأحيان بتوفير سلع معينة وبأسعار معقولة وبهوامش أرباح مناسبة كبديل قوي يجبر أي مستغل ان يراجع نفسه عند الاستئثار بوضع أسعار سلع وخدمات بدوافع انتهازية!
مقاطعة السلع التي تتضاعف أسعارها بلا مبرر أمر هام.. ولكن المقاطعة بمفردها لن تحقق نتائج مفيدة للمستهلك على الدوام.

الجريدة الرسمية