رئيس التحرير
عصام كامل

من دولة يوليو إلى عصر السيسي.. فترة ثورة يناير وحكم الإخوان.. أخطر محطات الأزمة الاقتصادية وجنون الدولار.. الثورة خلقت حالة من الاضطراب السياسى والأمنى وانعكست بنتائج سلبية على الاقتصاد

الدولار مقابل الجنيه
الدولار مقابل الجنيه المصري،فيتو

لا حديث يعلو فى مصر على حديث الدولار، الشبح الذى يقف خلف كل الأزمات المعيشية الصعبة التى يحياها المصريون، بعدما وضعهم ربما لأول مرة منذ عقود طويلة أمام ضائقة مالية لا تنتهي، اضطر معها الغالبية العظمى منهم إلى تغيير خطط الحياة ونمط المعيشة، تعاظمت الضغوط الاقتصادية على مصر بشكل حاد منذ أوائل العام الماضي، طغى شح العملة الصعبة وانعكساتها -ولاسيما ارتفاع الأسعار- على الإصلاحات وإجراءات التقشف التى اتخذتها الدولة، بما يطرح الثقة فى السياسة المالية والاقتصادية التى تتبعها الحكومة الحالية منذ تصدرها للمشهد فى البلاد، وجعل المؤيد قبل المعارض لها يطالب برحيلها واليوم قبل الأمس.

Advertisements

سنوات من الاقتراض حمّلت حكومة مدبولى مصر فاتورة ديون ثقيلة، هى السبب الرئيسى فى نقص الدولار.

الأشهر القليلة الماضية انخفضت فيها العملة الوطنية (الجنيه) بشكل كبير، وأصبح سعر الصرف فى السوق السوداء يتجاوز ضعف السوق الرسمى 31 جنيها، يحدث ذلك ومصر تواجه هذا العام أصعب تحد لها، إذ تبلغ أقساط الديون المستحقة للدفع  42.26 مليار دولار على الأقل، وفقًا لبيانات البنك المركزي!

«فيتو» تفتح ملف الدولار وإشكالياته وتحدياته فى مصر من دولة يوليو إلى عصر الرئيس السيسى.

 

شهد الاقتصاد المصرى على مر السنوات العديد من الأزمات التى أثرت على كافة القطاعات والمجالات، لكن لم تكن هناك فترة أصعب على اقتصادنا المحلى خلال الألفينات من تلك التى شهدناها خلال ثورة يناير 2011، التى خلقت حالة من الاضطراب السياسى والأمنى، وانعكست بنتائج سلبية على الوضع الاقتصادى الذى تدهور بشكل كبير، حيث توقفت قطاعات كثيرة عن العمل والإنتاج وأغلقت العديد من المصانع والشركات وتم تسريح ألاف العمال، ليس هذا فحسب بل تراجعت معدلات النمو إلى ادنى مستوياتها وارتفاع الدين العام وعجز الموازنة، وغيرها من الأضرار التى لحقت بالاقتصاد المصرى بعد الثورة إلى أن تولى المجلس العسكرى حكم البلاد، وأعقب ذلك مجيء الإخوان فى الفترة من 30 يونيو 2012 وحتى 3 يوليو 2013.

ووفقًا للأرقام فإن الاقتصاد المصرى قبل ثورة 25 يناير 2011 شهد قفزة كبيرة، حيث بلغت معدلات النمو حتى نهاية ديسمبر 2010 أكثر من 7 بالمئة، ولكن خلال 3 سنوات ماضية انهارت معدلات النمو وهبطت إلى أدنى مستوياتها مسجلةً نسبة أقل من 1.5 بالمئة خلال الربع الأول من 2014.

وكانت مصر وفقًا للأرقام المعلنة من البنك المركزى تمتلك 36 مليار دولار هى قيمة الاحتياطى النقدى الأجنبى حتى نهاية 2010 ولكن هذا الرقم تراجع ليصل حتى عام 2014 إلى حوالى 17.7 مليار دولار، مدعومًا بالمساعدات والمنح العربية التى تدفقت إلى مصر فى أعقاب 30 يونيو وسقوط حكم الإخوان، كما زادت نسبة التضخم إلى 10.2 بالمئة وارتفعت معدلات الفقر إلى 26.5 بالمئة، وارتفعت نسبة البطالة إلى 13.4 بالمئة بسبب إغلاق عدد كبير من المصانع والشركات وتسريح العمالة فيها ووقف تدفق الاستثمارات إلى السوق المصري.

ولم يستمر حكم الإخوان إلا عامًا واحدًا، اختمرت فيه ثورة أخرى أدت لإسقاطه فى 30 يونيو 2013 بسبب عدم استقرار الأحوال على كافة الأصعدة خلال هذه الفترة، ليتم تكليف الرئيس الأسبق عدلى منصور بحكم البلاد فى الفترة من 4 يوليو 2013 وحتى 7 يونيو 2014، لتنتهى مدته بتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الجمهورية فى 8 يونيو 2014.

وعلى مدار هذه السنوات شهد الاقتصاد المصرى تقلبات وأزمات عديدة، سواء فيما يتعلق بحجم الديون الخارجية، أو سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار، وكذلك الاحتياطى الدولارى.

يقول الدكتور محمود السعيد عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابق بجامعة القاهرة نائب رئيس الجامعة لشئون الدراسات العليا والبحوث، إن ثورة يناير 2011 انعكست بشكل سلبى على الجنيه المصرى، إذ تأثرت كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى وحجم الإنتاج المحلى، خاصة أن الاقتصاد المصرى حجم الواردات فيه أكبر من الصادرات، بسبب زيادة الاستهلاك عن الإنتاج.

وأوضح خلال تصريحات خاصة لـ«فيتو» أن عام 2016 شهد محاولة إصلاح اقتصادى شاملة، تضمنت المشكلات الهيكلية بالاقتصاد المصرى، وتحسين منظومة الدعم المشوهة فى ذلك الوقت، وتحويل الدعم من عينى إلى نقدى، لإعادة المؤشرات الاقتصادية إلى مستوياتها المطلوبة، وتراجع الدولار إلى معدلاته الطبيعية بعد زيادته عن 6 جنيهات أمام الجنيه المصرى.

وأضاف السعيد، أن عام 2019 شهد أفضل نتائج لعملية الإصلاح الاقتصادى، حيث زادت فيه حجم الاستثمارات بالسوق المحلى، وتراجعت معدلات التضخم والبطالة، واستقر الجنيه المصرى عند 15 جنيهًا أمام الدولار نظرًا للظروف الاقتصادية التى شهدها العالم مع بدء حاجة كورونا، مما أدى إلى نقص المعروض من الدولار فى ظل تزايد الطلب عليه، وعجز البنوك عن توفيره الأمر الذى أدى إلى ظهور السوق السوداء وزيادة تأثيرها وتحكمها فى سعر الدولار، خاصة خلال السنوات الأخيرة منذ بدء الجائحة.

وأشار إلى أن أفضل وقت وصلت فيه معدلات الدين الخارجى إلى أدنى مستوياته كان أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، أثناء مشاركة مصر فى حرب تحرير الكويت، حيث قامت العديد من دول الخليج حينها بجدولة معظم الديون المصرية والإعفاء عن الجزء الآخر، فيما وصل حجم الدين الخارجى المصرى إلى أعلى مستوياته خلال العام الجارى، بسبب الأوضاع الاقتصادية التى يمر بها العالم فى ظل الأحداث الجيوسياسية، وارتفاع معدلات التضخم عن النسب المطلوبة، مما أثر على مؤشرات النمو المستهدفة، وزيادة التوقعات بمزيد من الفجوات الدولارية خلال العام القادم.

من جانبه، أوضح الدكتور على الإدريسى الخبير الاقتصادى، إن سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار فترة ما قبل ثورة 25 يناير 2011 كان يتراوح بين 5 إلى 6 جنيهات، ثم قفز خلال فترة الثورة إلى 7 جنيهات بسبب حالة عدم الاستقرار التى كانت تمر بها البلاد ذلك الوقت، ومنذ عام 2021 وصل سعر صرف الجنيه المصرى أمام الدولار 15.5 جنيه بعد قرار التعويم، ليستمر فى الصعود منذ ذلك الحين ليكسر حاجز الـ30 جنيهًا خلال الوقت الحالى.

ونوه إلى أن الاحتياطى من النقد الأجنبى تراجع خلال عام 2011 ليتراوح من 16 إلى 17 مليار دولار، بسبب استنفاد احتياطى دعم العملة، ويعتبر شهر فبراير من عام 2020 أعلى فترة لتكوين الاحتياطى الأجنبى ووصوله لأعلى مستوى له، حيث وصل الاحتياطى إلى 45.5 مليار دولار، ليتراجع إلى 36 مليار دولار مع بدء جائحة كورونا مرورًا بالأحداث الجيوسياسية، والتى بدأت منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع الفلسطينى الإسرائيلى، إضافة إلى المستجدات التى نشهدها يوما بعد الآخر حتى وقتنا الحالى.

وبالنسبة لمعدلات الدين الخارجى، لفت إلى أنها وصلت فى الفترة من 2011 وحتى عام 2018 إلى حوالى 40 مليار دولار، لترتفع خلال عام 2018 إلى 92 مليار دولار، وصولًا إلى 164 مليار دولار خلال وقتنا الحالى، لتكون قد وصلت إلى أعلى مستوى لها بهذه النسب.

وتابع الإدريسى: إن القرارات المتخذة بشأن الإصلاحات الاقتصادية خلال فترة ثورة يناير 2011 لم تكن تجدى نفعا، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية المضطربة آنذاك، إضافة إلى تغيير الحكومات بشكل مستمر، الأمر الذى أدى إلى خلق نوعًا من عدم الاستقرار، واستنفاد العوائد والموارد التى كانت موجودة قبل فترة الثورة.

ولفت إلى أنه منذ بداية عام 2015 بدء الاستقرار النسبى فى مختلف الأصعدة، إلا أن التأثر الذى نشهده بسبب العديد من الأحداث مثل الحرب التجارية بين أمريكا والصين خلال عامى 2017-2018، والتى تسببت فى أزمة السوق العالمى خاصة بالنسبة للدول الناشئة ثم ظهور جائحة كورونا، وبعدها الأحداث الجيوسياسية التى يشهدها العالم حتى يومنا الحالى.

الجريدة الرسمية