رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرى وفاة إمام أهل الشام والمغرب والأندلس في زمانه.. لمحات من حياة عبد الرحمن الأوزاعي.. نشأ يتيما بدمشق.. وتوفي بسبب خطأ زوجته

 الإمام عبد الرحمن
الإمام عبد الرحمن الأوزاعي،فيتو

تحل اليوم الثلاثاء ذكرى وفاة الإمام المحدث عبد الرحمن الأوزاعي، الذي يعد عالم أهل الشام  والمغرب والأندلس بلا مخالفة، فهو من كبار تابعي التابعين الذين انعقد الإجماع على إمامته وجلالته وعلوِّ مرتبته وكمال فضيلته،  وكثرت عنه أقاويل السلف في ورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحق وكثرة حديثه وفقهه وفصاحته واتباعه السنة، وترصد “فيتو” خلال السطرو التالية أبرز المحطات في حياته على النحو التالي: 

 

نشأة الإمام عبد الرحمن الأوزاعي

ولد الإمام والفقيه، عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، بمدينة بعلبك في عام 88 هـ، لقب بالأوزاعي نسبة إلى محلة "الأوزاع"، وهى قرية خارج باب الفراديس من قرى دمشق، وتعود أصوله إلى همدان.


نشأ الأوزاعي بالبقاع يتيما في حجر أمه التي كانت تنتقل به من بلد إلى بلد وترعرع في وسكن العقيبة الصغيرة بدمشق ثم سكن بيروت مرابطا إلى أن مات فيها، وسمع جماعات من التابعين، كعطاء بن أبي رباح، وقتادة، ونافع مولى ابن عمر، ومحمد بن المنكدر، والزهري.

 


الرحلة العلمية للإمام عبد الرحمن الأوزاعي
 

زار الأوزاعي العراق، حيث سمع في البصرة من قتادة وسمع في الكوفة من عامر الشعبي، وانتقل إلى الحجاز حيث سمع في مكة من عطاء بن أبي رباح وسمع في المدينة من ابن شهاب الزهري ومن نافع المدني، وفي دمشق أخذ عن مكحول الشامي، واتصل بالإمام مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك وغيرهم.


كان الأوزاعي إماما لزمانهِ، ومحدثا مشهورا متصلًا ببعض العلماء الذين رووا عنه وروى عنهم أمثال الإمام مالك في الموطأ، والثوري، وقتادة، والزهري، وابن المبارك، وأبو إسحق الفزاري، وغيرهم، وكذلك روى الأوزاعي عن أصحاب كتب السنن المعتبرة، ومنهم البخاري في صحيحه، ومسلم القشيري النيسابوري وأصحاب السنن الأربعة المنوه بهم، والدارقطني، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن الحسن الشيباني صاحب أبو حنيفة النعمان، ومحمد ابن جرير الطبري، وداود الظاهري، وصاحبهُ ابن حزم الأندلسي.


 

مذهب الأوزاعي فى الفقه

وأما مذهبه في الفقه فهو صاحب مذهب مندثر، كمذهب الليث بن سعد في مصر، ولا خلاف بين المؤرخين والفقهاء على أن هذا الإمام كان صاحب مذهب فقهي، ولم يكن محدث فحسب كما قال بعضهم، إلا أن علمه لم يجمعه تلاميذه في الكتب كما كان من أتباع أبي حنيفة النعمان وغيرهم فحافظوا على مذاهب معلميهم، وأنشأ مذهبًا مستقلًا مشهورًا عمل به مدة عند فقهاء أهل الشام والأندلس ثم اندرس، ولكن ما زالت له بعض المسائل الفقهية في أمهات الكتب.


علاقة الأوزاعي بالحكام

وكان الأوزاعي رحمه الله في علاقته بولاة الأمور على منهج أئمة الهدى: لا يأتيهم، ولا ينازعهم ملكهم، ولا يستغلُّ مكانته الدينية للشَّغب عليهم، ولكن: إذا لقيهم، أو دخل عليهم واجههم بالنصيحة الخالصة: قويةٌ صريحةٌ، فيعلمون أنه لا يريد بها إلا وجه الله والدار الآخرة، فيهابونه ويكرمونه.


ودخل "عبد الله بن علي" عمُّ السفاح إلى دمشق، وأجلى بني أُمية عن الشام، وأزال الله دولتهم على يديه، وطلبَ الأوزاعيَّ، فتغيَّب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه، فقال: يا أوزاعيُّ، أيعدُّ مقامنا هذا ومسيرنا رباطا؟ قال: فتفكَّرتُ، ثم قلت: لأَصْدُقَنَّه، واستبسَلتُ للموت، ثم رويت له عن يحيى بن سعيد حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، وبيده قضيب ينكثُ به.


ثم قال: يا أبا عبد الرحمن ما تقول في قتل أهل هذا البيت يعني: بني أمية؟ قلتُ: حدثني محمد بن مروان، عن مطرِّف بن الشِّخير، عن عائشة، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "لا يحلُّ قتل المسلم إلا في ثلاثٍ:... الحديث"، فقال: أخبرني عن الخلافة: وصيةٌ لنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: لو كانت وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك عليٌّ رضي الله عنه يتقدَّمه، قال: فما تقول في أموال بني أمية؟ قلت: إن كانت لهم حلالًا، فهي عليك حرام، إن كانت عليهم حراما، فهى عليك أحرمُ، فأمرني، فأُخرجت.


وقال الإمام الذهبي "رحمه الله": قد كان عبد الله بن عليّ ملكا جبارا، سفاكا للدماء، صعب المراس، ومع هذا فالإمام الأوزاعيُّ يصدعه بمرِّ الحق كما ترى، لا كخَلْقٍ من علماء السُّوء، الذين يحسِّنُون للأمراء ما يقتحمون به من الظلم والعَسْف، ويَقْلِبُونَ لهم الباطل حقًّا قوى أو يسكتون مع القدرة على بيان الحقِّ.

 

من مناقب الإمام الأوزاعي 


وانعقد الإجماع على إمامته وجلالته وعلوِّ مرتبته وكمال فضيلته، وأقاويل السَّلف كثيرة مشهورة في ورعه وزهده وعبادته وقيامه بالحقِّ وكثرة حديثه وفقهه وفصاحته واتِّباعه السُّنَّة، واعتراف أعيان أئمَّة زمانه من جميع الأقطار له بمزيَّته. ورُوي من غير وجه أنَّه أفتى في سبعين ألف مسألة، وروى عن كبار التَّابعين، وروى عنه قتادة والزُّهريّ ويحيى بن أبي كثير. لم يكن في أبناء الملوك والخلفاء والوزراء والتجار والعلماء وغيرهم أعقل منه ولا أكثر أدباًَ ولا أورع ولا أعلم ولا أفصح ولا أوقر ولا أحلم ولا أكثر صمتًا منه، وما تكلم بكلمة إلا تعين على السامع من جلسائه أن يكتبها عنه من حسنها.

روى الحافظ أبو نُعيم في "حلية الأولياء" أنَّ أبا جعفر المنصور قد بعث إلى الإمام الجليل الأوزاعي، فلما دخل عليه قال المنصور: ما الذي أبطأ بك عنا يا أوزاعي؟ قال: وما الذي يريده أمير المؤمنين؟ قال المنصور: أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم، قال الإمام: انظر لا تجهل شيئًا مما أقول، قال المنصور: كيف أجهله وأنا أسألك عنه وقد وجهت فيه إليك؟ قال: أن تسمعه ولا تعمل به.

 

مشايخ الإمام الأوزاعي 


نشأ في بلدة الكرك من البقاع في لبنان حيث تلقى مبادئ العلوم وحفظ القرءان الكريم وحظًا من اللغة، ثم توجه إلى دمشق حيث لازم مكحولًا الذي كان فقيه الشام آنذاك وواحدًا من حفاظ الحديث، فأخذ عنه الكثير وقرأ عليه حتى عُدَّ مكحول معلم الأوزاعي.

ثم رحل إلى اليمامة حيث أخذ عن يحيى بن أبي كثير، كما كان له صلة بآل البيت كالإمام زيد بن علي زين العابدين والإمام محمد الباقر، والإمام جعفر الصادق رضوان الله عليهم وغيرهم، وتلقى الحديث والفقه عن عطاء بن أبي رباح أحد أعلام التابعين، وغيره كثير، حيث استوطن بيروت مع زوجه وأولاده.

صفاته وأخلاقه 


لقد كان الإمام إلى جانب علمه رجلًا زاهدًا تقيًا كثير العبادة قليل الكلام، فقد ورد عن الوليد بن مسلم أنَّه قال عنه: ما رأيت أحدًا أكثر اجتهادًا من الأوزاعي في العبادة، وكان إذا صلى الصبح جلس يذكر الله تعالى إلى طلوع الشمس.

أما ابن عساكر فقد قال عنه: كان الأوزاعي كثير العبادة حسن الصلاة، ورعًا، طويل الصمت، كثير البكاء، ولم يُرَ قط ضاحكًا يقهقه بل كان غاية ذلك أن يبتسم، وقال ابن عساكر: كان الأوزاعي يقول: من أطال القيام في صلاة الليل هون الله عليه طول القيام يوم القيامة.

قال الوليد بن مسلم: ما رأيت أحدًا أشد اجتهادًا من الأوزاعي في العبادة وكان من شدة الخشوع كأَّنه أعمى، وقال: دخلت امرأة على امرأة الأوزاعي فرأت الحصير الذي يصلي عليه مبلولًا فقالت لها: لعل صبيًا بال هنا؟! قالت: هذه دموع الشيخ من بكائه في سجوده، هكذا يصبح كل يوم.

 

ثناء العلماء عليه


وقد كان العلماء والأئمة يكبرونه ويجلونه أيما إجلال فيما بينهم.

قال مالك: كان الأوزاعي إمامًا يقتدى به، وقال سفيان بن عيينة: كان الأوزاعي إمام أهل زمانه، وقد حج مرة فدخل مكة وسفيان الثوري آخذ بزمام جمله ومالك بن أنس يسوق به، والثوري يقول: افسحوا للشيخ، حتى أجلساه عند الكعبة، وجلسا بين يديه يأخذان عنه.

وقال إسماعيل بن عياش: سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون: الأوزاعي اليوم عالم الأمة.

وقال يحيى بن معين: العلماء أربعة: الثوري وأبو حنيفة ومالك والأوزاعي.  وأما ابن سعد فقد قال عنه: كان الأوزاعي ثقة مأمونًا فاضلًا خيرًا كثير الحديث والعلم والفقه.

وفاته رحمه الله


روى عقبة بن علقمة البيروتي في سبب وفاة الإمام الأوزاعي أنه دخل حمام منزله في يوم شديد البرودة، فأدخلت زوجته له موقدًا فيه فحم وقاية له من البرد، وأغلقت باب الحمام فمات بسبب الفحم، وتوفي مستقبلًا القبلة متوسدًا يمينه وكان ذلك يوم الأحد يوم الأحد 28 من صفر سنة 157هـ - 16 يناير 774م، وهو دون السبعين بسنة واحدة وهو في التاسعة والستين من عمره.

وقال ابن مُسْهِرِ: لم تكن امرأته عامدة، فأمرها قاضي بيروت سعيد بن عبد العزيز بعتق رقبة وكان يومًا مشهودًا حضره أعداد لا تكاد تحصى من المسلمين وغيرهم، ودفن الإمام رحمه الله خارج بيروت قرب شاطئ البحر. 

دفن الأوزاعي في قرية «حنتوس» جنوب بيروت، وشُيِّد على قبره مقام ومسجد عُرف بِمسجد الإمام الأوزاعي، ومع مُرور السنوات تغيَّر اسم القرية حتَّى أصبحت تُعرف بـ«الأوزاعي»، وشكَّلت جُزءا من بيروت الكُبرى مع مرور الزمن.

وتقديرًا لإنجازات الإمام الأوزاعي ورمزيَّته في بيروت، أُنشأت كُليَّة لِلدراسات الإسلاميَّة في المدينة وسُميت باسمه: كُليَّة الإمام الأوزاعي لِلدراسات الإسلاميَّة، وأُصدر طابع بريدي تذكاري سنة 2009م عن وزارة الاتصالات في لُبنان بعد موافقة مجلس الوزراء.

وتبنَّت بلديَّة بيروت اقتراح المؤرخ الدكتور حسان حلاق بتسمية ساحة سوق الطويلة في وسط بيروت التجاري بساحة الإمام الأوزاعي، وبإعادة ترميم زاويته القائمة في ذات الساحة منذ عصره حتَّى اليوم.

ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.


 

الجريدة الرسمية