إدارة بوتين تشيطن الأفكار الليبرالية.. مكايدة للغرب أم مغازلة للمسلمين والشارع الروسي؟

في كلمة لإدارة بوتين، حملت دلالات عدة أمام مجموعة «روسيا ـ العالم الإسلامي» وبحضور سفراء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، شن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف هجوما شرسًا على «القيم الليبرالية» مؤكدا أن الغرب يحاول فرضها على العالم، بينما ترفضها عددًا من البلدان والثقافات على رأسها روسيا والعالم الإسلامي.  

موقف الروس والمسلمين  من القيم الليبرالية 

يعرف الوزير المخضرم سيرجي لافروف جيدا أن العرب والمسلمين تجمعهم علاقة مرتبكة بالمفاهيم الليبرالية، إذ لوثتها تيارات الإسلام السياسي على مدار عقود مضت، وأصبحت الكلمة وقيمها ترتبط في ذهن الغالبية، تارة بالإلحاد، وتارة أخرى بتشجيع المجتمع على الإباحية وهدم ثوابت الدين. 

دون تقديم المزيد عن الأسباب الحقيقية خلف رفض الليبرالية في روسيا، استعان لافرورف مجددا بكلمات تغازل العاطفة الدينية للحضور، وعبر عن حرص بلاده على تطوير مجالات العمل الإنساني والاقتصادي مع الدول الإسلامية، مشددا على وقوف موسكو مع تشكيل عالم متعدد الأقطاب وعادل، يستند على مبادئ وميثاق الأمم المتحدة.

الأسئلة التي تطرح نفسها وفقا لخطاب وزير خارجية روسيا: هل نظام فلاديمير بوتين يرفض الليبرالية من أجل عالم متنوع، أم أن الأسباب روسية بامتياز، والموانع أمام هضم القيم الليبرالية «سياسية ـ ثقافية ـ اجتماعية ـ تاريخية» ولن تكون مستقبلا كما أصبح الحال لأغلب دول الكتلة الشرقية القديمة، التي كانت تقف مع روسيا تحت مظلة الاتحاد السوفيتي، والآن أصبحت من ألد أعدائها، وهل الشارع الروسي يؤيد نظامه السياسي في العداء للقيم الليبرالية، أم يتمنى الانتقال إلى جنة الحياة الغربية ! 

يكره الروس الليبراليين.. بينما لا يكرهون الليبرالية ـ فاليري سولوفي مؤرخ سياسي روسي

 في 2019 قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن الليبرالية لاتناسب مصالح الروس، وبرهن على ذلك بأن مواطني بلاده أداروا ظهورهم لليبرالية كحركة سياسية، بينما لم يستطع الرئيس الروسي الإنكار أن مؤسسات بلاده تعمل منذ انهيار الاتحاد السوفيتي على «تروس» ليبرالية.   

ويعرف من يتابع النظام السياسي الروسي أنه يستمد قواعده الحاكمة من الأفكار الليبرالية، فالقضاء مستقل، والانتخابات تنافسية، ويوجد بالبلاد تعددية حزبية، وحقوق مدنية وحريات، وحقوق للأقليات، وحرية في التعبير، وصحافة مستقلة، وكلها منتجات ليبرالية بالأساس.

المشكلة الأساسية التي تجعل الرئيس فلاديمير بوتين يؤيد شكل النظام اليبرالي ويرفض قيمه، النتائج التي ستترتب على ذلك، سواء في شكل الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية المفضلة للروس، أو أحلام بلاده القيصرية. يقول بول روبنسون، الأستاذ في كلية الدراسات العليا للشؤون العامة والدولية بجامعة أوتاو الكندية.

التوجهات الثقافية والاجتماعية للروس تدعم بوتين 

 لا يقف بوتين في عداءه للقيم الليبرالية منفردا، بل يشاركه أغلبية الروس. تكشف دراسة استقصائية أجريت عام 2017 أن أكثر ما يقلق أبناء المجتمع الروسي، صحتهم وعائلاتهم وأمنهم الشخصي والبنية التحتية الاجتماعية، الطرق والمتاجر والرعاية الصحية، بينما لم يهتم في الشريحة التي أجري عليها الدراسة أكثر من 8% بأولوية المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية باعتبارها شأنا مصيريا للديمقراطية. 

يفضل الروس «الدولة الأبوية» ويرفضون أفكار السوق الحر التي تنص عليها الليبرالية الكلاسيكية ـ كما هو حال الحياة لدى العدو التقليدي أمريكا ـ والتي تترك المواطن وشأنه في معركة الحياة، مقابل حرية غير محدودة، ونظام قانوني صارم، وتكافؤ مذهل في الفرص على جميع المستويات. 

حسب الدراسة، أنصار التوجه الليبرالي الكلاسيكي في روسيا 7 % فقط، بينما يؤيد أكثر من 60 % وفق آخر استطلاع حكومي عام 2020، التزام الدولة بتزويد المواطنين بما يحتاجون إليه للبقاء في حيز الحياة الكريمة، كما أيد 49 % من الشعب الروسي الحاجة إلى «يد قوية» في السلطة، و31 %  فوضوا الدولة في وضع قواعد اللعبة. 

في استطلاع آخر عام 2021، أقر 49 % من الروس أنهم يفضلون النظام السوفيت، كما كان حتى التسعينيات، بينما أيد 18 % فقط النظام الحالي، ولم يثق أكثر من 16 % في "الديمقراطية وفقًا للنموذج الغربي. 

على مستوى النهج الاقتصادي، فضل 67 % نظامًا سياسًا، يعتمد على تخطيط الدولة وتوزيعها، بينما لم يؤيد نظام الملكية الخاصة أكثر من 24 % فقط.

على المستوى الاجتماعي والثقافي، أظهر استطلاع رأي عام 2020 أن الروس أكثر تسامحًا مع الأقليات الجنسية والدينية، لكنهم أقل تسامحًا مع الطوائف والتيارات الدينية، وهو نفس نهج الإدارة الروسية مع تيارات الإسلام السياسي على وجه التحديد، إذ يدافع بوتين عن الإسلام بشدة ضد الإساءة له بداعي الحريات، ويكره الإسلاميين ويعاديهم ويرفضهم بشكل قاطع، ويصنف الإخوان حركة إرهابية. 

حقوق الإنسان وفق المفاهيم السوفيتية 

يرغب الروس بشدة في استعادة العمل بالمفاهيم السوفيتية، فالأولى لهم في الحقوق، الحق في الحياة والرعاية الطبية، والمحاكمة العادلة، والضمان الاجتماعي، والتعليم، والحصول على خدمات مجانية. 

يؤكد هذه النزعة استطلاعات الرأي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ لم يكشف عن ليبرايتهم على النهج الغربي في روسيا أكثر من 12 %، بينما اعتبر 28 % أنفسهم "ديمقراطيين اشتراكيين" و16 في المائة" قوميين"، وعارض 58 % من المستطلعين أن تدرج روسيا أصلا ضمن الدول الأوربية، كما عارض 80 % المثلية الجنسية، التي تضغط أوروبا على دول العالم لاعتبارها من حقوق الإنسان. 

ما تقدمه الاستطلاعات الجماهيرية يترجم على أرض الواقع السياسي في روسيا،  إذ أصبحت الأحزاب الليبرالية الروسية في وضع مأساوي، وأكبر حزب فيها ـ الشعب الجديد ـ فاز في عام 2021 بما يزيد قليلًا عن 5٪ من المقاعد، مع أن الحزب يبتعد عن الحديث بشكل علني عن أفكاره القريبة من الغرب، ويفضل الحديث عن الديمقراطية أكثر من الليبرالية.  

غزو أوكرانيا، هزيمة الليبرالية في روسيا 

يؤكد عدد من الخبراء أن غزو أوكرانيا، نقطة تحول تاريخية وحاسمة، فالآن انفصلت روسيا عن الغرب مرة واحدة وإلى الأبد، وقد لا يكون هناك عودة، ولهذا يؤيد الروس اتجاه بلادهم للشرق، خاصة مع صعود الصين الذي غير معادلة القوة والتوازن في العالم.

لا حاجة للروس الآن بجاذبية الليبرالية الغربية، بل إن الحديث داخل روسيا عن أي شكل من أشكال التقارب الفكري أو الثقافي مع الغرب أصبح وصمة الخيانة للأبد. 

نقدم لكم من خلال موقع "فيتو"، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم، أسعار الدولار، أسعار اليورو، أسعار العملات، أخبار الرياضة، أخبار مصر، أخبار الاقتصاد، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوادث، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل: الدوري الإنجليزي، الدوري الإيطالي، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا، دوري أبطال أفريقيا، دوري أبطال آسيا، والأحداث الهامة والسياسة الخارجية والداخلية، بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.