رئيس التحرير
عصام كامل

حدث في رمضان.. وفاة السيدة عائشة أم المؤمنين في 16 رمضان

فيتو

حدث في رمضان، توفيت السيد عائشة أم المؤمنين {رضى الله عنها} زوجة النبى مُحَمّد صلى الله عليه وسلم فى السادس عشر من شهر رمضان المُبارك لعام 58هـ للعام الميلادى 678.

وتوفيت السيدة عائشة بعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى بسبعة وأربعين عامًا، ودُفنت فى البقيع، وكان عمرها آنذاك سبعة وستين عامًا.

السيدة عائشة

من هي عائشة رضي الله عنها

كانت من أحب نساء الرسول إليه، وتحكى رضى الله عنها عن ذلك فتقول "فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبى أحب رجاله إليه، وتزوجنى لسبع وبنى بى لتسع "أى دخل بي"، ونزل عذرى من السماء (المقصود حادثة الإفك)، واستأذن النبى صلى الله عليه وسلم نساءه فى مرضه قائلًا: إنى لا أقوى على التردد عليكن، فأذنّ لى أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده فى الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكى، وقبض بين حجرى ونحري، ودفن فى بيتى".

المسجد النبوي

سيرة السيدة عائشة

ولدت السيدة عائشة في مكة بعد بعثة النبي ﷺ، من أبوين مسلمين في بيت مسلم فلم تعرف غير الإسلام دينًا، أبوها أبو بكر الصديق الذي قال عنه المصطفى ﷺ: «ما وطئ الأرض بعد الأنبياء خير من أبي بكر»، صاحب رسول الله ووزيره في حياته وخليفته بعد وفاته، أما أمّها فـ “أم رومان” التي بشّرها النبي ﷺ بالجنة، وكان رسول الله ﷺ كثير التردد على بيتهم.

 

زواج الرسول من عائشة

شبّت عائشة وأنبتها الله نباتًا حسنًا، فكانت تبدو أكبر من عمرها، وبعد وفاة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، جاءت خولة بنت حكيم إلى النبي ﷺ تسأله أن يتزوج، فسألها: «وَمَن؟»، قالت:

 (إِنْ شِئْتَ بِكْرًا، وَإِنْ شِئْتَ ثَيِّبًا)، فقال: «وَمَنِ البِكْرُ وَمَنِ الثَّيِّب؟»، فذكرت له البكر: “عائشة”، والثيّب: “سودة بنت زمعة”، فوافق رسول الله، وتزوّج السيدة سودة بنت زمعة لتربي بناته وترعاهنّ، وتزوّج عائشة رضي الله عنها إكرامًا لأبيها “أبي بكر الصديق” وإظهارًا لمكانته بين الناس.

رأى في منامه جبريل، وقد جاء بها في ثوب من حرير، وقال له: «هَذِهِ امْرَأَتك»، فرد النبي ﷺ بقوله: «إنْ يَكُن هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ يُمضِهِ»، وفي حديث آخر أن جبريل قال: «هَذِهِ زَوْجَتُكَ فِي الدُنيَا وَالآخِرَة»، ثم جاءته خولة كما ذكرنا فمضى للأمر.

رؤيا الأنبياء حقّ ورؤيا الأنبياء وحي، وزواج عائشة -رضي الله عنها- كان بأمرٍ وترتيب من ربّ العالمين.

مسجد الرسول

 

حياة عائشة مع الرسول صلى الله عليه وسلم

عقد رسول الله على السيدة عائشة قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة، ثم بنى بها بعد الهجرة بحوالي سنتين، وكان رسول الله ﷺ يقدرّ صغر سنّها، تروي رضي الله عنها فتقول:

(كان يوم عيد يلعب السودان بالدّرق والحراب، فإما سألت رسول الله ﷺ، وإما قال: «تشتهين أن تنظري؟»، قلت: نعم، فأقامني وراءه، خدّي على خده، وهو يقول: «دونكم، بني أرفدة»، حتى إذا مللتُ قال: «حسبك؟»، قلت: نعم، قال: «فاذهبي».

مزاح السيدة عائشة مع رسول الله

قالت عَائِشَةَ ـرضي الله عنهاـ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ بِخَزِيرَةٍ -نوع من أنواع الطعام- قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِنَّ، أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَطَلَيْتُ وَجْهَهَا، فَضَحِكَ النَّبِيُّ، فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا، وَقَالَ لَهَا: «الْطَخِي وَجْهَهَا»، فَمَرَّ عُمَرُ، فَقَالَ: (يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ)، فَظَنَّ أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: «قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: (فَمَا زِلْتُ أَهَابُ عُمَرَ لِهَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ).

وعن عائشةَ، رضيَ اللَّهُ عنها، أنَّها كانَت معَ النَّبيِّ ﷺ في سفَرٍ قالت: (فسابقتُهُ فسبقتُهُ على رجليَّ، فلمَّا حَملتُ اللَّحمَ سابقتُهُ فسبقَني، فقالَ: «هذِهِ بتلكَ»).

ويقول الأسود بن يزيد: سُئلت عائشة -رضى الله عنها-: ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟، قالت: (كان يكون في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة).

كما كان رسول الله يجلس ويحادث عائشة ويستمع إلى كلامها، من ذلك: حديثها له عن نسوة اجتمعنّ يذكرن حال أزواجهنّ، فتصف كلُّ واحدة ما بزوجها من خصال، وكأنت آخرهنّ أم زرع التي وصفت زوجها بأحسن الأخلاق، ثمّ جاءت فتاة وأخذته منها فطلّقها، ثم تزوجت أم زرع رجل آخر جعلها تتحسَّرُ على فراق أبي زرع وتحن إليه، فقال رسول الله ﷺ لعائشة ملاطفًا: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع، إلا أنه طلّقها وإني لا أطلقك».

يقول رسول الله لعائشة: «إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ»، قالَتْ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ»، قالَتْ: (أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ).

مسجد

غيرة زوجات رسول الله من السيدة عائشة

كانت الوحيدة التي تزوجها رسول الله ﷺ وهي بكر، أما بقية زوجاته فكنّ قد تزوّجنَ سابقًا والزواج من المطلقات والأرامل أمرٌ طبيعي في المجتمع الإسلامي.

 

كان النبي ﷺ يقسِمُ بين نسائهِ فيعدلُ، ويقولُ: «اللَّهمَّ هذا قَسمي فيما أملِكُ، فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ»، يعني أن ما لا يملكه هو ميل القلب، فقد كان يحبّ عائشة رضي الله عنها، وكانَ النّاسُ يَتَحَرّوْنَ بهَدَايَاهُمْ يَومَ عَائِشَةَ، فَاجْتَمعت زوجات رسول الله وطلبن من رسول الله أنْ يَأْمُرَ النّاسَ أنْ يُهْدُوا إلَيْهِ حَيْثُ ما كَانَ، فَذَكَرَتْ ذلكَ أُمّ سَلَمَةَ للنبيّ ﷺ، فأعْرَضَ عَنّها، وفي المرة الثالثة، َقالَ: «يا أُمّ سَلَمَةَ لا تُؤْذِينِي في عَائِشَةَ، فإنّه واللّهِ ما نَزَلَ عَلَيّ الوَحْيُ وأَنَا في لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنّ غيرِهَا».

أرسلن يومًا إليه فاطمة الزهراء -أحبّ بناته-، وكان في بيت عائشة لتقول له: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ)، فقال لها: «أَيْ بُنَيَّةُ أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ»، فقالت: «بَلَى»، فقال: «فَأَحِبِّي هَذِهِ».

سأل سيدنا عمرو بن العاص فقال: يا رسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ أحبُّ إليكَ؟، قالَ: «عائشةُ»، قال: (فمِنَ الرِّجالِ)، قالَ: «أبوها».

لقد عاشت السيدة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لتصحيح رأى الناس فى المرأة العربية، فقد جمعت (رضى الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية، فهى السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة، وكما ذكرنا سابقًا فهى التى قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء.

كما أن عروة بن الزبير قال فيها:"ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة"، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبد البر: "إن عائشة كانت وحيدة بعصرها فى ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر".

فالسيدة عائشة اعتبرت نبراسًا منيرًا يضىء على أهل العلم وطلابه، وكانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتى أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامى، فهى بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله.

وبرأها الله من حادثة الإفك بقرآن كريم يتلى ليوم الدين {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة النور:11] (العشر الآيات كلها).

وتوفيت السيدة عائشة زمن خلافة سيدنا معاوية، عام 58هـ وعمرها 66عامًا، ودفنت في البقيع.

الجريدة الرسمية