رئيس التحرير
عصام كامل

حكايات‭ ‬أنيس‭ ‬منصور‭ ‬عن‭ ‬الحب.. ‬من‭ ‬الناس‭ ‬الخيرين‭ ‬إلى‭ ‬الزفت‭ ‬والطين‭!‬

حكاوي زمان
حكاوي زمان



احتفلنا أمس‭ ‬بعيد‭ ‬الحب‭ ‬الذى‭ ‬يحمل‭ ‬دعوة‭ ‬للحب‭ ‬أطلقها‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفى‭ ‬مصطفى‭ ‬أمين‭ ‬بتحديد‭ ‬يوم‭ ‬4‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬،‭ ‬ونسترجع‭ ‬مقالا‭ ‬نشره‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفى‭ ‬أنيس‭ ‬منصور‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮ «‬معنى‭ ‬الكلام‮»‬‭ ‬ تحت‭ ‬عنوان ‭ ‬‮«‬حب‭ ‬إيه‭ ‬اللى‭ ‬أنت‭ ‬جاى‭ ‬تقول‭ ‬عليه‭!‬‮»‬ ‬قال‭ ‬فيه‭:‬


صوت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وشعر‭ ‬عبد‭ ‬الوهاب‭ ‬محمد‭ ‬ولحن‭ ‬بليغ‭ ‬حمدى‭ ‬يقول‭ ‬مطلعه‭: ‬حب‭ ‬إيه‭ ‬اللى‭ ‬أنت‭ ‬جاى‭ ‬تقول‭ ‬عليه؟‭ ‬فعلا‭ ‬حب‭ ‬إيه؟‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أحد‭ ‬يتكلم‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬اللى‭ ‬هو‭.. ‬وإنما‭ ‬عن‭ ‬اللذة‭ ‬والمصلحة‭ ‬والتكافؤ‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬والخيانة‭ ‬الضرورية،‭ ‬لأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬زواج‭ ‬بلا‭ ‬حب‭ ‬يكون‭ ‬حبا‭ ‬بلا‭ ‬زواج،‭ ‬ولو‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬الحب‭ ‬القديم‭ ‬كما‭ ‬صورته‭ ‬الحضارة‭ ‬الإغريقية‭ ‬فى‭ ‬ملاحم‭ ‬الإلياذة‭ ‬والأوديسة‭ ‬للشاعر‭ ‬هوميروس‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬شهامة‭ ‬وبطولة‭ ‬ووطنية. ‬ 

 

ولو‭ ‬قرأنا‭ ‬حب‭ ‬أفلاطون‭ ‬لوجدناه‭ ‬حب‭ ‬الناس‭ ‬الخيرين‭ ‬والجميلات‭ ‬طريقا‭ ‬إلى‭ ‬حب‭ ‬الخير‭ ‬والجمال،‭ ‬وعند‭ ‬أرسطو‭ ‬أنه‭ ‬حب‭ ‬الله،‭ ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬فى‭ ‬الكون‭ ‬بسبب‭ ‬حبه‭ ‬لله‭ ‬ينتظم‭ ‬وينضبط،‭ ‬والشاعر‭ ‬الإيطالى‭ ‬دانتى‭ ‬أحب‭ ‬طفلة‭ ‬فى‭ ‬التاسعة‭ ‬وكانت‭ ‬حبه‭ ‬الوحيد،‭ ‬ولما‭ ‬تزوجت‭ ‬غيره‭ ‬لم‭ ‬يتركها،‭ ‬بل‭ ‬جعلها‭ ‬بطلة‭ ‬ملحمته‭ ‬الشهيرة‭ ‬“الكوميديا‭ ‬المقدسة”،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬عالم‭ ‬النفس‭ ‬فرويد‭ ‬فاستخدم‭ ‬الطين‭ ‬والزفت‭ ‬تفسيرا‭ ‬وحيدا‭ ‬لكل‭ ‬أنواع‭ ‬الحب؛‭ ‬حبك‭ ‬لأمك‭ ‬وابنتك‭ ‬وأختك‭ ‬وبلدك،‭ ‬حب‭ ‬عاطفى‭ ‬حتى‭ ‬أصبحنا‭ ‬نخجل‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬حب‭.

 

وقد‭ ‬حدث‭ ‬عندما‭ ‬أجرت‭ ‬مذيعة‭ ‬التليفزيون‭ ‬الأمريكية‭ ‬بربارا‭ ‬والترز‭ ‬حديثا‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬وسألته‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬فى‭ ‬الرئيس‭ ‬كارتر؟‭ ‬فقال: ‬إنى‭ ‬أحبه.. ‬وانزعجت‭ ‬وانزعجنا‭ ‬نحن‭ ‬أيضًا،‭ ‬وحاولنا‭ ‬نحن‭ ‬أن‭ ‬نحذف‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬لكن‭ ‬دون‭ ‬جدوى،‭ ‬لأن‭ ‬الأصح‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬أحترمه‭ ‬وأقدره. ‬ رفضت‭ ‬بربارا‭ ‬وقالت: ‬سينسى‭ ‬الناس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬السادات،‭ ‬ولن‭ ‬يذكروا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يحب‭ ‬الرئيس‭ ‬كارتر. ‬فالسادات‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬إنه‭ ‬يحبه‭ ‬لم‭ ‬يقصد‭ ‬أنه‭ ‬يحبه‭ ‬عاطفيا،‭ ‬وإنما‭ ‬يحترمه‭ ‬كثيرا،‭ ‬لكن‭ ‬الحب‭ ‬هكذا‭ ‬غريب‭ ‬وشاذ‭ ‬أيضًا‭. ‬

الحب والعشق

وفى‭ ‬عصور‭ ‬الرومانسية‭ ‬تحول‭ ‬الحب‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الواقع،‭ ‬فالحب‭ ‬والعشق‭ ‬والهيام‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬الفنانين‭ ‬والشعراء‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بالواقع،‭ ‬اقرأ‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬ربيعة‭ ‬ومجنون‭ ‬ليلى،‭ ‬وأخيرا‭ ‬كامل‭ ‬الشناوى‭ ‬فيلسوف‭ ‬الحب‭ ‬الذى‭ ‬تحطم‭ ‬قلبه،‭ ‬ويقول‭ ‬كامل‭ ‬الشناوى: ‬حطمتنى‭ ‬مثلما‭ ‬حطمتها.. ‬فهى‭ ‬منى‭ ‬وأنا‭ ‬منها‭ ‬شظايا.. ‬كونى‭ ‬كما‭ ‬تبغين‭ ‬لكن‭ ‬لن‭ ‬تكونى‭.. ‬فأنا‭ ‬صنعتك‭ ‬من‭ ‬هوايا‭ ‬ومن‭ ‬جنونى‭.. ‬وقد‭ ‬برئت‭ ‬من‭ ‬الهوى‭ ‬ومن‭ ‬الجنون‭. ‬

 

فالمرأة‭ ‬وجمالها‭ ‬ودلالها‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬العاشق،‭ ‬فلا‭ ‬هى‭ ‬جميلة‭ ‬ولا‭ ‬هى‭ ‬رقيقة‭ ‬ولا‭ ‬هى‭ ‬لطيفة،‭ ‬وإنما‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خيال‭ ‬الشاعر‭ ‬الذى‭ ‬يريدها‭ ‬كذلك. ‬والحب‭ ‬صناعة‭ ‬أدبية‭ ‬فنية،‭ ‬الحب‭ ‬والمحبوبة‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الشاعر‭ ‬كامل‭ ‬الشناوى،‭ ‬أو‭ ‬مجنون‭ ‬ليلى‭ ‬أو‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬أبى‭ ‬ربيعة،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬كامل‭ ‬الشناوى‭ ‬أو‭ ‬أى‭ ‬شاعر‭ ‬رومانسى‭ ‬مثل‭ ‬إبراهيم‭ ‬ناجى‭ ‬أو‭ ‬صالح‭ ‬جودت‭ ‬قد‭ ‬شفى‭ ‬من‭ ‬الهوى‭ ‬ومن‭ ‬الجنون‭ ‬فليس‭ ‬صحيحا،‭ ‬وإنما‭ ‬هواه‭ ‬وهم،‭ ‬وحلم‭ ‬من‭ ‬أحلام‭ ‬الشاعر،‭ ‬فالحب‭ ‬قد‭ ‬خلق‭ ‬لنا‭ ‬عالما‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬وإنما‭ ‬يحاول‭ ‬الشعراء‭ ‬أن‭ ‬يحشرونا‭ ‬فيه..‭ ‬

 

أما‭ ‬الحب‭ ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬حب‭ ‬الأم‭ ‬والزوجة‭ ‬والابنة،‭ ‬وحب‭ ‬الجمال‭ ‬والخير،‭ ‬وحب‭ ‬الحياة‭ ‬وحب‭ ‬الوطن‭ ‬وحب‭ ‬الحقيقة،‭ ‬فكلها‭ ‬مشاعر‭ ‬حقيقية‭ ‬وصادقة‭ ‬وعميقة،‭ ‬وقد‭ ‬ذهب‭ ‬الرومانسيون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وراءها‭ ‬وفوقها.. ‬حب‭ ‬إيه‭ ‬اللى‭ ‬أنت‭ ‬جاى‭ ‬تقول‭ ‬عليه‭.. ‬إنت‭ ‬عارف‭ ‬معنى‭ ‬الحب‭ ‬إيه.. ‬ لما‭ ‬تتكلم‭ ‬عليه! ‬والله‭ ‬يا‭ ‬ست‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نعرف‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬شيء‭ ‬تتكلمين،‭ ‬فالحب‭ ‬فى‭ ‬زماننا‭ ‬هو‭ ‬نقصان‭ ‬الكراهية،‭ ‬والكراهية‭ ‬هى‭ ‬انعدام‭ ‬الحب‭ ‬وبس‭.‬

الجريدة الرسمية