رئيس التحرير
عصام كامل

"أم سليم".. أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها وبشّرها الرسول بالجنة


أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام، وتُلقَّب بالغميصاء أو الرميصاء، وأسلمت مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار.

قبل مجيء الإسلام تزوجت مالك بن النضر، فلما جاء الله بالإسلام، واستجابت وفود من الأنصار أسلمت مع السابقين إلى الإسلام، وعرضت الإسلام على زوجها مالك بن النضر، رفض؛ ولأن المدينة صارت دار إسلام، خرج إلى الشام فهلك هناك.


ولم تكن المرأة قبيل مجيء الإسلام تساوي شيئًا، فكون أم سليم أخذت هذا القرار من الانفصال بسبب الإسلام عن زوجها الذي في نظرها يعتبر كل شيء في ذلك الوقت، فيه دلالة على ما تمتاز به هذه المرأة المسلمة من الثبات على المبدأ مهما كلفها من متاعب.

- زواجها في الإسلام:
أما زواجها في الإسلام فذاك هو العجب بعينه، ولم يتكرر في التاريخ مثله فعن أنس قال: "خطب أبو طلحة أم سليم، رضي الله عنها، قبل أن يسلم فقالت: أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسأل غيره.. فأسلم وتزوجها أبو طلحة".

فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، فصارت سببًا في دخول أبي طلحة في الإسلام، فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من أن يكون لك حُمْر النَّعَم».

وكانت، رضي الله عنها، من عقلاء النساء، وموقفها مع زوجها أبي طلحة يوم وفاة ولدها يدل على ذلك، فعن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه مات له ابن، فقالت أم سليم رضي الله عنها: لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا أخبره. فسجَّت عليه ثوبًا، فلما جاء أبو طلحة رضي الله عنه وضعت بين يديه طعامًا فأكل، ثم تطيّبت له فأصاب منها فتلقت بغلام.

فقالت له: يا أبا طلحة، إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا بعاريتنا، فأبوا أن يردوها. فقال أبو طلحة: ليس لهم ذلك، إن العارية مؤداة إلى أهلها. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله، وإن الله قد قبضه فاسْتَرْجِعْ. قال أنس: فأُخبر النبي، فقال: «بارك الله لهما في ليلتهما».

كانت أم سليم تغزو مع رسول الله، ولها قصص مشهورة، منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم، رضي الله عنها، اتخذت خنجرًا يوم حنين، فقال أبو طلحة: يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر.. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا هَذَا الْخَنْجَرُ؟». قالت: "اتخذتُهُ إن دنا مني أحد من المشركين بقرتُ به بطنه".

ومما يدل على وفاء أم سليم بالعهد، ما روته أم عطية، رضي الله عنها، قالت: «أخذ علينا النبي عند البيعة ألا ننوح، فما وفت منا غير خمس نسوة: أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى».

- من مواقفها مع الرسول:
جاءت أم سليم، رضي الله عنها، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له، وعائشة عنده: يا رسول الله، المرأة التي ترى ما يرى الرجل في المنام، فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت عائشة: يا أم سليم، فَضَحْتِ النساءَ، تربت يمينك، فقال لعائشة: «بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ، نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا رَأَتْ ذَاكِ».

وقالت أم سليم، رضي الله عنها، إنها سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلاَّ أَدْخَلَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ».

- أم سليم وبشارتها بالجنة:
فقد روى البخاري من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي: «رَأَيْتُنِى دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ». فقال عمر: بأبي وأمي يا رسول الله، أعليك أغار؟!

وتوفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية رضي الله عنه، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها.
الجريدة الرسمية