رئيس التحرير
عصام كامل

مصر وصندوق النقد.. تاريخ من المضايقات والمناكفات السياسية والاجتماعية.. ورفض تمويل بناء السد العالي الأبرز

مصر وصندوق النقد
مصر وصندوق النقد

تملك مصر تاريخا حافلا مع صندوق النقد الدولي، وتعد من الدولة المؤسسة له، لكن منذ الخمسينيات والعلاقة بين شد وجذب وصراع وصدام أحيانا وفقا لرغبات القوى المهيمنة على قراره، أو حسب المد السياسي والاجتماعي في مصر، وقرب صاحب القرار أو ابتعاده من الرأسمالية بتطبيقاتها الصلبة أو الناعمة. وحاليا العلاقة «مهنية» يسيطر عليها التفاهمات الاقتصادية والمفاوضات على المصلحة حسب وجهات نظر كل الأطراف.


ووصلت مصر إلى مفاوضات متقدمة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بعد انتهاء جولة من المشاورات والمباحثات الفنية بين بعثة الصندوق والحكومة، التي كانت قد نجحت فى الحصول على موافقة الصندوق فى عام 2016 بالحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار أمريكي على ستة شرائح خلال ثلاث سنوات.


كما وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي في يونيو 2021 على صرف الشريحة الأخيرة من قرض الاستعداد الائتماني لمصر بقيمة نحو 1.7 مليار دولار من إجمالي قرض تصل قيمته إلى نحو 5.4 مليار دولار، وبصرف الشريحة الأخيرة من القرض وصلت قيمة ما حصلت عليه مصر من صندوق النقد إلى نحو 20.2 مليار دولار خلال آخر 5 سنوات من خلال 3 قروض مختلفة منها قرض التسهيل الائتمانى الممتد بقيمة 12 مليار دولار على 6 شرائح على مدار 3 سنوات تزامنا مع برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي بدأت مصر تنفيذه في 2016.


وبهذه المناسبة نستعرض تاريخ مصر مع صندوق النقد الدولي منذ تمتع الدولة المصرية بعضويته فى أربعينيات القرن الماضى، مرورا بأول قرض حصلت عليه مصر، حتى وصلت للمفاوضات الأخيرة التي تجريها الحكومة مع الصندوق خلال الوقت الحالي.


عضوية الصندوق
تتمتع مصر بعضوية الصندوق منذ عام 1945، وكان أول اختبار حقيقى لتلك العلاقة فى خمسينيات القرن الماضى، والتى بدأت، بمحاولات الدولة المصرية للحصول على أول قرض للمساعدة فى تمويل بناء السد العالى إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل، بسبب التحولات فى الاعتبارات السياسية والاجتماعية التى حالت دون الاتفاق حول الحصول على القرض.


وفى مايو 1962 قررت مصر توقيع أول اتفاق مع الصندوق للتثبيت للحصول على أول قرض لكن المفاوضات تم تجميدها فترة من الزمان، وبعد ذلك قررت مصر استئناف المفاوضات فى النصف الثانى من السبعينيات، ووقعت برنامج للتثبيت الاقتصادي مع صندوق النقد خلال الفترة 1977-1981، لمساعدتها فى مواجهة الأزمات التى تتعلق بالعجز فى ميزان المدفوعات.


وظهرت العديد من المبررات حول قرار الحصول على القرض، وهذا فى الوقت الذي عانى فيه الاقتصاد المصرى من عدة أزمات بعد حرب أكتوبر 1973، فخلال الفترة بين 1973 و1977 تم عقد برنامج التثبيت الاقتصادي.


وخلال ذلك العام، كان تمويل الجزء الأكبر من الواردات المختلفة يتم عن طريق التسهيلات المصرفية التى بلغت حوالى 1.21 مليار دولار، وساعدت هذه التسهيلات فى تحقيق قفزة كبيرة فى الاعتماد على هذا النوع من الديون، كما بلغت نسبة عجز الميزان التجارى إلى الناتج المحلى الإجمالى 10.2%، وارتفع معدل الدين إلى 39.8%، وهو أعلى معدل سجلته الإحصائيات الدولية بين مجموعة الدول المتخلفة فى هذا العام، وهذا بسبب زيادة الاعتماد المصرى على القروض الخارجية قصيرة الأجل.


ولجأت مصر للاقتراض من الخارج لأول مرة فى تاريخها عام 1977 فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات بقرض قيمته 185.7 مليون دولار لحل أزمة المدفوعات الخارجية المتأخرة بجانب زيادة التضخم، وبعد الاتفاق حول الحصول على القرض والموافقة على شروط صندوق النقد الدولى، خرج رئيس المجموعة الاقتصادية لحكومة السادات عبد المنعم القيسونى، فى 17 يناير 1977 ليعلن أمام مجلس الشعب عن قيام الحكومة باتخاذ مجموعة من القرارات الاقتصادية التى وصفها آنذاك بـ«الضرورية والحاسمة»، وتسببت فى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والبنزين والبوتاجاز والسكر والأرز وغيرها من السلع بزيادة تتراوح من 30 إلى 50%.


وكشفت تفاصيل القرض أن اتفاق مصر مع الصندوق على عقد للاستعداد الائتمانى بقيمة 250 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (تعادل 400.2 مليون دولار أمريكى بأسعار الصرف فى نهاية مايو 2011)، وذلك للمساعدة فى حل مشكلة المدفوعات الخارجية المتأخرة وأوجه الضعف الهيكلى التى انعكست فى شكل تضخم محلى متزايد، وفى ظل هذا البرنامج، حصلت مصر على 116 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (تعادل 185.7 مليون دولار أمريكى بأسعار الصرف فى نهاية مايو 2011).

عصر مبارك
وعادت مصر للاقتراض من صندوق النقد الدولى للمرة الثانية عام 1991 فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وكانت هذه المرة بقيمة 375 مليون دولار، حيث فرض هذا القرض على مصر اتباع سياسة الخصخصة وبيع القطاع العام الذى جاء ضمن شروط الصندوق لإعطاء القروض، وعقد وقتها اتفاق استعداد ائتمانى مع مصر بقيمة 234.4 مليون وحدة حقوق سحب خاصة (تعادل 375.2 مليون دولار أمريكى بأسعار الصرف فى نهاية مايو 2011).
واستطاع وقتها رئيس وزراء مصر الراحل، عاطف صدقى، استغلال هذا القرض لعمل إصلاح اقتصادى حقيقى فى البلاد وقام بتحرير سعر الصرف وإفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص، ليتمكن من خلاله إنعاش سوق المال والبورصة وتعديل القوانين المنظمة للاقتصاد وتقليص دور القطاع العام، مما ساعد على زيادة الاحتياطى النقدى وانخفاض معدل التضخم واستقرار أسعار السلع.


وقررت الحكومة فى عهد مبارك، خلال عام 1996 طلب قرض آخر بقيمة 434.4 مليون دولار ولكن تم إلغاؤه، بجانب إلغاء 50% من الديون المستحقة لمصر لدى دول نادى باريس، وتسببت الاضطرابات السياسية والاقتصادية، التى خلفتها ثورة 2011 إلى تراجع النشاط التجارى والاقتصادى، وهو ما أدى إلى لجوء مصر من جديد إلى صندوق النقد الدولى حيث طلبت مصر قرض جديد من الصندوق فى عهد المجلس العسكرى.


وفى نهاية العام 2012، عادت مرة أخرى لطلب القرض فى عهد المعزول محمد مرسى، ووقعت مصر مع الصندوق اتفاقا مبدئيا للحصول على قرض بقيمة 4.8 مليارات دولار على أن يترافق ذلك مع إصلاحات اقتصادية، وبالرغم من ذلك توقفت المناقشات بعد أشهر بسبب عدم الاستقرار السياسى الذى شهدته البلاد حتى تم عزل محمد مرسى وتعيين المستشار عدلى منصور رئيسًا للبلاد لفترة انتقالية، ومنذ ذلك الحين قدمت الدول الخليجية مساعدات بمليارات الدولارات لمصر لتوفير السيولة اللازمة وهو ما أدى إلى عدم وجود حاجة للاقتراض من الصندوق.


وفى عام 2016، قررت الحكومة المصرية برئاسة شريف إسماعيل، انتهاج برنامج الإصلاح الاقتصادى، والذى يستهدف ضبط أداء سوق صرف العملات الأجنبية، وتخفيض عجز الموازنة والدين الحكومى، وتعزيز التنمية الاقتصادية لخلق المزيد من فرص العمل، وحماية محدودى الدخل أثناء عملية الإصلاح.
وأشاد صندوق النقد الدولى، بقوة وصلابة الاقتصاد المصرى ومواصلته النمو رغم جائحة كورونا، وواصل النمو، حيث كانت مصر من الاقتصادات الصاعدة القليلة التى حققت معدل نمو موجبا فى 2020، بفضل القرارات القوية والسريعة التى اتخذتها الحكومة وبرنامج الإصلاح الاقتصادى، حيث شهدت الاقتصاد المصرى عددا من التوقعات حول معدلات النمو منذ عام 2020 وحتى توقعات عام 2023.


ولذلك توقع صندوق النقد الدولى بلوغ النمو 2.8% فى السنة المالية 2020/2021، بينما سجلت توقعات معدل نمو الاقتصاد الوطنى 5.2% خلال العام المالى 2021/2022، وجاءت آخر توقعات الصندوق لمعدلات نمو الاقتصاد بنسبة 5.6% خلال العام المالى 2023/2022.

 

نقلًا عن العدد الورقي..،

الجريدة الرسمية