لماذا غضب دوستويفسكي من المصريين؟
مات الرفيق دوستويفسكي قبل أكثر من قرن -وشوية فكة- من تدشين شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك، فلم يشهد الرجل أجيالًا حولت نتاجه الأدبي العامر إلى مجرد posts يعاد نشرها ليل نهار على آلاف الصفحات يوميًا. فضلا عن مئات الأقوال المكسورة –وليست المأسورة– التي تنسب زورا وبهتانا للرجل، الذي لم يعد بإمكانه تكذيبها، والتبرؤ منها على طريقة أقسم بالله ما كلامي!
وهكذا تحول فيودور ميخايلوفيتش دوستويفسكي من أحد أعظم كتاب الرواية والقصة القصيرة في روسيا والعالم كله إلى بائع حكم مواعظ بالتجزئة.. يعني قطاعي مش حتى جملة. قطعا هو أمر حميد أن تنهمر كلماتك كالشلالات على ألسنة الناس حول العالم، لكن الرجل الذي مات دون الستين من عمره كان همه الأكبر أن يقرأ الناس ما يكتبه من روايات وقصص لوكشة واحدة حتى تصل رسالته، التي من أجلها ذاق الأمرين.
أعظم الكتاب الروس
فحياة دوستويفسكي لم تكن مفروشة بالورود، بل اضطر للتسول في فترة من حياته من أجل الحصول على ما يسد به رمقه. وفي العام 1849 أُلقيَ القبض عليه بتهمة الانتماء لرابطة بيتراشيفسكي وهى مجموعةٌ أدبية سريّة تُناقِش الكتب الممنوعة التي تنتقد النظام الحاكِم في روسيا. وعلى إثر ذلك حُكِم علي دوستويفسكي بالإعدام، لكن ربنا ستر وخفف الحُكم قبيل لحظات من تنفيذه، فقضى نحو أربع سنوات في الأعمال الشاقّة ثم ست سنوات أخرى من الخدمة العسكرية القسرية في المنفى.
ورغم قسوة الحياة، إلا أن دوستويفسكي الأديب ذائع الصيت مات وقد أصبح واحدًا من أعظم الكُتّاب الروس وأكثرهم تقديرا واحتراما حول العالم وليس في بلده فقط، بينما تُرجِمت مؤلفاته لأكثر من 170 لغة ولسان. وإنني أتصور –حلوة الداخلة دي– وإنني أتصور عمنا الكبير دوستويفسكي غاضبا الآن من تحويل وجباته الدسمة إلى مجرد سندوتشات كبده وسجق يلوكها الناس سريعا وهم في طريقهم إلى العمل أو خلال البريك..
لهذا أوصيك ونفسي بقراءة ولو كتاب واحد من مؤلفات الرجل بدلا من الاكتفاء بنقل اقتباسات من أعماله رغبة في التباهي وإظهار المثقف الزائف بداخلك. فقد رأيت بالأمس في ما يرى النائم الحاج دوستويفسكي مرتديا أسود في أسود، يجلس على صخرة في واد مظلم، كاشفا شعره، وقد راح يحسبن علينا، كما الأرملة التي انقطع عنها معاش المرحوم.
ولحسن الحظ أن ل دوستويفسكي عدد من الرويات القصيرة، يمكن لأصحاب النفس القصير قراءتها، وكذلك قصصه القصيرة التي لن تأخذ من وقت سيادتك سوى دقائق.. أما لهواة الوجبات الدسمة، فإن مطعم الحاج ديستويفسكي العامر يقدم لنا الإخوة كارامازوف والجريمة والعقاب والشياطين والإنسان الصرصار وغيرها وغيرها وغيرها.. وسع كده.. وغيرها وغيرها.
