رئيس التحرير
عصام كامل

عبد الحميد شتا.. وقائع ما جري في المحروسة!

قبل مضي سنوات قليلة علي احتراف الصحافة استدعينا علي عجل لمناقشة كيف نتابع ونغطي ونعالج حادث خطير.. شاب متفوق كان مدهشا لاساتذته ولكل من يعرفه.. يحكون عن نبوغه وارادته الحديدية.. نشأ في ميت الفرماوي التابعة لميت غمر بالدقهلية.. حصل علي الثانوية العامة بتفوق ومنها إلي الكلية التي حلم بها وهي الاقتصاد والعلوم السياسية.. وفيها استكمل تفوقه لينهي دراسته بها بتقدير جيد جدا.. ورغم ذلك يقدم أوراقه بعد أسابيع من النتيحة منطلقا نحو الحصول علي الماجستير مع دراسات مكثفة لأكثر من لغة في معاهد شهيرة ليتحدثها ويكتبها بطلاقة!


إعلان صغير في إحدي الصحف بفتح باب التقدم لاختبارات وظيفة ملحق دبلوماسي بوزارة الخارجية.. تقدم الرجل.. ومن غيره يتقدم؟ وتأتي أيام الأختبارات.. أكثر من أربعين متقدما يتفوق عليهم جميعا ويحتل في مكانه المفضل الذي تعود عليه الأول!

الانفتاح والبنيان الاجتماعي


بدأ شتا في الإستعداد للوظيفة الجديدة.. وكيف سيتلقي التهاني وكيف ستتلقي أسرته التهاني وكيف سيكون حال والداه في محيطهم وكيف سيرفع رؤوسهم ويشرفهم وكيف سيعترف بفضل أصحاب الفضل عليه وألف كيف وكيف.. أحلام كبيرة تحولت إلي كابوس قاس أيقظه من غفوته وغفلته عما جري في بلادنا.. نتيجة الامتحان الشفوي ظهرت: عبد الحميد.. أنت مرفوض.. ليه؟ لانك غير لائق اجتماعيا! ازاي؟ أنا ابن رجل فقير لكن شريف.. أهو كده! بس ده مكانش قبل سنوات؟! خلاص بقي.. كل ده إنتهي بعد ثورة يوليو وبقينا زي بعض طالما شرفاء وسمعتنا كويسة؟ إحنا أصلا خلصنا علي ثورة يوليو بتاعتك دي!


وبالقرب من مبني الوزارة.. إعتقد عبد الحميد شتا أنه سيريح الدنيا منه.. لا يمكن أن يعود لوالده يقول له ذلك.. ولا يمكن أن يعود لأخوته يقول لهم ذلك.. ولا يمكن أن يبقي ليري من لا يستحق وقد أخد مكانه لمجرد أن الظروف شاءت أن أسرته أغني منه! حتي بغض النظر عن سبب هذا الثراء الذي من المؤكد لا دخل للأبناء فيه!

 
إحتضن عبد الحميد شتا صفحة النيل.. وإختفى في دوامات مياهه الطاهرة.. وإرتضى أن يختصر الطريق للآخرة فربما.. بل من المؤكد سيجد العدل هناك! كان ذلك في ٢٠٠٣ وكانت الخارجية تفخر بأسماء كبيرة وعظيمة من أسر متوسطة لكنها الشرف ذاته.. كافح أبنائها وتفوقوا.. وحصلوا علي شرف تمثيل بلادهم ومثلوها علي أروع ما يكون.. وعلي خير ما يكون.. نموذجيا علي أفضل ما يكون.. لا وساطة ولا محسوبية!


عبد الحميد شتا وقد درس السياسة لم يستوعب تغيرات المجتمع وما جري فيه.. في ٢٠٠٣ كان قبل عام واحد من ثلاثين عاما مرت علي الانفتاح! وفي كتابه الأروع "محاوراتي مع السادات" يروي الكاتب الأكبر أحمد بهاء الدين كيف رصد - ويدهشك الرصد-  للرئيس السادات متغيرات خطرة تحدث في مصر تخص البنيان الاجتماعي وبعد عام واحد فقط من الانفتاح!

 


في ٢٠٠٣ وما قبله وما بعده.. كانت أن احتكرت فئات معينة بعض الوظائف المهمة.. إن لم تنلها بالنفوذ نالتها بوسائل أخري ومعاك قرش تسوي قرش (قبل عامين ضبطت الرقابة الادارية وفي ضربة موجعة عصابة لتوظيف البعض بمقابل مادي!)  ليس المهم الكفاءة. ليس المهم -حتي- في بعض الأحيان السمعة.. ولذلك لا تندهشوا إن ضبط بعض هؤلاء في جرائم للقتل.. أو ضبطوا في جرائم للرشوة أو للمخدرات! فيضيع الحق معهم.. ويضيع الحق بهم.. ويضيع الحق فينا! 
فتش في الجذور وجذور الجذور.. إذ أن فهم ما جري.. أول خطوات علاجه كله!

الجريدة الرسمية