رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا أصبحت الدراما في مقدمة الصفوف؟!

ظني أنه لا يمكن لمجتمع أن ينهض بدوره في معركة الوعي المستهدف دائمًا دون أن تكون الدراما في مقدمة الصفوف تحارب الفكر الضال؛ فثلاثون حلقة من العمل الدرامي يمكنها أن تصحح مفاهيم مغلوطة رسختها جماعات العنف والإرهاب على عقود، ناهيك عن أن الأعمال الفنية لاسيما الدرامية تخاطب قاعدة جماهيرية أكبر بكثير من تلك التي تتأثر بخطاب الإرهاب وفكر التطرف.


ورغم أن الأحداث التي يعالجها مسلسل الاختيار عاصر كثير من المصريين أحداثها وعايشوها لحظة بلحظة لكن الاختيار كشف حجم جرائم الإخوان في حق مصر ودور أجهزة الأمن لحماية الدولة من خطر تلك الجماعة وأشياعها وقد نجحت تلك الأجهزة في الخروج بمصر إلى بر الأمان.


الحلقات الأخيرة من الاختيار خصصت مشاهد كاملة لتسريبات قيادات جماعة الإخوان وهي تسريبات أظهرت دون مواربة نياتهم الحقيقية نحو قادة الجيش والشرطة والقضاء، كما فضحت دور ما سُمي بمكتب الإرشاد في إدارة دولة بحجم مصر من وراء الكواليس في عام الإخوان الذين حاولوا بشتى الطرق أخونة مصر والتكويش على كل المناصب والمواقع القيادية والسيطرة على مفاصل الدولة وأجهزتها الأمنية والقضاء والإعلام.. لكنها محاولات باءت بالفشل وتحطمت على صخرة الوعي الشعبي.

الفن وبناء الوعي


الاختيار توليفة فنية مختلفة جمعت بين المعالجة الدرامية والتوثيق والتسجيل السريع للتاريخ، فجاء بمثابة وثيقة تاريخية لأحداث سياسية شهدتها مصر.. ولعل تسليط الضوء على التجربة كان مفيدًا خلافًا لما يقوله البعض.. وليس الاختيار فقط من لعب دوره بكفاءة واقتدر بل جاء مسلسل العائدون ليكشف مخططات تنظيم داعش الإرهابي ودور أجهزة الأمن في التصدي لخطره داخل الحدود وخارجها، واقترب المسلسل من أفكار التنظيم وجرائمه وخلفياته النفسية التي تتحكم في قياداته..

 

وعلى الخطى ذاتها سار مسلسل بطلوع الروح وحكى بسلاسة وبساطة كيف تقوم تنظيمات الإرهاب بتجنيد أعضاء جدد وهو ما يعد امتدادًا لأعمال سابقة مثل هجمة مرتدة والقاهرة كابول.
 

نجاح تلك الأعمال الفنية وغيرها يثبت أن ابتعاث الدراما الوطنية بمعناها الواسع أمر مهم؛ فهي أكثر ارتباطًا بالوجدان الشعبي وأكثر التصاقًا بالذاكرة الوطنية ومن ثم تعلو مكانتها بحسبانها جزءًا أصيلًا من نضال شعبنا وعلامة فارقة في تاريخنا وقوة ناعمة عابرة للعصور لا يستهان بها وهو ما يصنع لها الخلود ويبقيها حية في الذاكرة الوطنية.


ويبقى أن الفن الراقي سواء كان دراميًا أو غنائيًا أهم وأخطر وسائل تغيير الفكر وبناء الوعي في مواجهة محاولات احتلال العقل الذي هو أهم غايات الحروب الحديثة التي تستهدف تشويه التاريخ وتشويه الرموز وتغييب العقول ليسهل إسقاط الدول في براثن الفوضى والتفكك بأيدي بنيها..

 

 

ومن ثم فإن الدول التي تهمش الفن وتحارب أعماله الهادفة تشارك دون أن تدري في تدمير أوطانها تمامًا كما تفعل الأعمال الهابطة التي تضرب قيم المجتمع وأخلاقياته وهي أيضًا شريك رئيسي في جريمة إسقاط الدول.. الفن سلاح اليوم ووسيلتنا الناجحة لدرء مخاطر وسموم الشائعات واستهداف العقول.. فهل آن الأوان لكي نصنع دراما تليق بمصر وشعبها وتاريخها.. وكفانا ما فعلته الأعمال الهابطة من تغييب للعقول وسوء الأخلاق وتدهور السلوك.

الجريدة الرسمية