رئيس التحرير
عصام كامل

بمناسبة اليوبيل الماسي لمجلس الدولة.. خفاجي: السيسي يقيم وزنًا للمعلومات والتوثيق في حياة الشعوب

المستشار محمد خفاجي
المستشار محمد خفاجي

بمناسبة العيد الماسي لمجلس الدولة أعرق جهاز قضائي في منطقة الشرق الأوسط، وفي دراسة توثيقية تاريخية وحيدة لليوبيل الماسي لمجلس الدولة بمرور (75) عامًا على إنشائه، تفتح الجمهورية الجديدة في عهد الرئيس السيسي كنوز السيادة الوطنية في اليوبيل الماسي لمجلس الدولة، تحكي دوره الوطني الغائب ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم ثورة 1952 للمفكر والمؤرخ القضائي المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة المصري في مؤلفه بعنوان: " الغائب في اليوبيل الماسي لمجلس الدولة تاريخ ومواقف: التراث العظيم للأجداد الأوائل لنشأة مجلس الدولة في السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصري" وهي الدراسة التي حظيت بالاهتمام الوطني للدولة، ونعرض لها لأهميتها التوثيقية المتفردة في حياة الأمة المصرية.

ويشير الجزء الرابع من تلك الدراسة التوثيقية الهامة إلى التالي: 

أولًا: الرئيس السيسى يقيم وزنًا كبيرًا للمعلومات ويقدر أهمية قيمة التوثيق في حياة الشعوب والأمم. 

وقال  الفقيه الدكتور محمد خفاجى أن الرئيس السيسي – بحكم فطرته ونوازع قيادته ونهجه الذي نهله في مدرسة المخابرات المصرية العريقة - يقيم وزنًا كبيرًا للمعلومات ويقدر أهمية قيمة التوثيق فى حياة الشعوب والأمم، وإذا قيل في الميدان السياسي أننا نظلم أنفسنا كما نظلم أنظمتنا السياسية حين نحكم عليها وعلينا على أساس المقارنة مع الأنظمة العريقة المتقدمة فى مجال الديمقراطية بعديد من العقود بل القرون، فإنه على العكس تمامًا نقول أن قضاء مجلس الدولة المصرى ولد منذ البداية عملاقًا فى الفكر القانونى على نحو يضاهي - وأحيانًا يفوق - مجلس الدولة الفرنسي النسخة الأصلية فى العالم لنشأة نظام مجلس الدولة، وهذا العمل التوثيقي الذي قمت به في بيان تاريخ الأجداد الأوائل منذ 75 عاما للحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم ثورة 23 يوليو من الضباط الأحرار من الجيش المصرى هو جهد فردى نابع من حكم الانتماء للوطن ولصرح مجلس الدولة يوضح هذا الدور الغائب عن الأجيال والمجتمع.


ثانيًا: توثيق دور مجلس الدولة في الحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني وتدعيم الضباط الأحرار بالجيش عمل قومى للبلاد، وتوثيق لحق المعرفة. 
وذكر الدكتور محمد خفاجى إن التوثيق documentation‏ للأعمال والأحداث التى عاصرت نشأة مجلس الدولة  خاصة دوره فى الحفاظ على السيادة الوطنية ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم الجيش من خلال الضباط الأحرار هو عمل قومي للبلاد، إنه توثيق لحق المعرفة، وتوفير الأدلة والحيثيات، ولأن مجال تخصصى العلمى هو تاريخ القانون العام الذي يهتم بدراسة تاريخ الشعوب أعلم أهمية فروع علوم التاريخ التي تعني بحفظ المعلومات والأحداث التاريخية للسيطرة على المعلومات من الطمس أو التزييف، بحسبان أن التوثيق ذاكرة الأمة الحصينة التي لا يجب أن يدركها النسيان لتصل حاضر الأمة بماضيها دالة على نضالها الأمة من خلال حركة الزمن.

ويضيف: إن قولنا أن توثيق التاريخ القضائى والإفتائي لنشأة مجلس الدولة منذ عام 1946 بأحداثه هو عمل قومى للبلاد ليس ترفًا، فهو علم أسس إرهاصاته كل من بول أوليت ( 1868- 1944) وهنرى لافونتين (1854-1945)، وكما يقول المؤرخ الأمريكي المعروف "  James Garfield Randall " – وهو الحاصل على درجة الدكتوراه فى التاريخ من جامعة شيكاغو 1912 واشتهر بمنهجيته العلمية وإتقانه للقضايا الدستورية، وانتقد الحرب العالمية الأولى التى خلفت الدمار للبشرية وكان يرى امكانية تجنبها بافتراض أن شيئًا أكثر من الحنكة السياسية والاعتدال والتفاهم، وبشيء أقل من حب الوطن الاحترافي وصنع الشعارات وحفظ ماء الوجه والصخب السياسي والدعاية التى كانت فى كلا الجانبين – يقول:"  إن توثيق الأحداث المختلفة التي يمر بها الإنسان والبلدان ليست مهمة فقط حتى لا ننسى تجاربنا أو نوثق التاريخ لمجرد التوثيق، بل هي مهمة لتحقيق العدالة الاجتماعية في العالم من حولنا، إن الوثائق تحسن من حياة المواطنين وتسيرها للأفضل " كما أن Samuel C. Bradford " " – وهو عالم رياضيات بريطاني، أمين مكتبة وكاتب توثيق في متحف العلوم في لندن وانتخب رئيسًا للاتحاد الدولي للمعلومات والتوثيق (FID) في عام 1945- أصدر كتابًا عام 1948 سمّاه التّوثيق Documentation، نشرت طبعته الثانية في واشنطن أوضح فيه أن التوثيق عمل تقدمى للمجتمعات لجمع المعلومات وتصنيفها وجعلها في متناول العقول، وبهذه المثابة أضحى التوثيق حقًا غير قابل للتبعيض أو التجزئة، وبات من أصول مقومات الدول المدنية الحديثة يحفظ للأوطان تاريخها ومجدها.

ثالثًا: مجلس الدولة المصري اُنشئ عام 1946 كأول مجلس في قارتي أفريقيا وأسيا تعبيرًا عن النضج القومى لمصر المحروسة صاحبة حضارة سبعة اَلاف عام:

يقول الدكتور محمد خفاجى إن صلاح الأمم يتوقف على قضائها الصالح القوى الأمين، ولن يصلح للمجتمعات عيش وتقدم وازدهار، ولن يطيب للمواطنين حياة مستقرة سوى بإنصاف يحوط حياتهم وعدل يورف عليهم يستظلون به حقًا وصدقًا ويقينًا، ولما زادات حاجات الناس وثارت نزاعات بينها وبين جهات الدولة التى تقدم الخدمات إليهم وتشابكت مصالح المرافق العامة وموظفيها، وسائر المواطنين المستفيدين من خدمات الدولة، فبدت الحاجة لإنشاء مجلس الدولة كقاضٍ متخصص فى المنازعات الإدارية المثارة بين الدولة وموظفيها من ناحية ومواطنيها من ناحية أخرى، ليكون موئلًا يهرع إليه كل من مسه ضر إداري، فيرسي دعائم القانون خالية من الهوى والاعتساف، فضلًا عن أنه مستشار الإدارة الأمين، فأضحت الغاية من إنشاء محاكم مجلس الدولة بأول قانون لها رقم 112 لسنة 1946 تبغى فى ساحة العدل إنصاف كل مظلوم، فلا يفتأ من بيده سلطان إدارى خوفًا أو طمعًا إلا جانب الحق والعدل، فَفُتحت أبوابه ولم يوصد فى وجهه طارق، فمن ثم عُد إنشاء مجلس الدولة عام 1946 فى العهد الملكى كأول مجلس فى قارتى أفريقيا وأسيا ولسائر العرب تعبيرًا دقيقًا عن النضج القومى لمصر المحروسة صاحبة حضارة سبعة اَلاف عام.


رابعًا: دور مجلس الدولة فى  الحفاظ على السيادة المصرية ضد الاحتلال البريطانى وترسيخ دعائم الجيش فى ثورة الضباط الأحرار غائب عن الأجيال والمجتمع. 
وأوضح  الدكتور محمد خفاجى لعب مجلس الدولة دورًا عظيمًا فى حياة الامة المصرية منذ نشأته فى  الحفاظ على السيادة المصرية ضد الاحتلال البريطانى ولترسيخ دعائم الجيش فى ثورة الضباط الأحرار، وهذا الدور غائب عن كثير من الأجيال سواء من القضاة او غيرهم ،وكذلك من المجتمع الحالى وكبار المسئولين وكاد يمحوه الزمان فى عطر الحياة، لكنه باق مع الزمن لأنه يمثل عبق الماضى الذى سطره الأجداد من قضاة مجلس الدولة فى رعيله الأول، لذا تبدو أهمية التوثيق في حفظ هذا التراث القضائى  .

وحفظ التاريخ لكل أمة وكل دولة من الأعمال الوطنية المنصفة يروي أحداثها ومسيرتها على مدى العصور شاهدًا على ما مرت به مصر من أحداث اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وعسكرية، وقد اَليت على نفسى أن اُسجل الأحداث التى كانت ملازمة لنشأة مجلس الدولة فى تلك الحقبة من بلادنا شديدة التطور والانتقال من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى وما حواه من صعوبات جمة، فقمت بكل موضوعية وتجرد ومصداقية بتصوير الوقائع كما هي بجميع أحداثها وحيثياتها، ليكون توثيق دور مجلس الدولة منذ نشأته وبعد عقود من الزمن غير مشوب بالتأويل أو الاستنتاج، لتصبح مراَة روايات هذا الدور العظيم أمام أعين الأجيال الحديثة دون ما يقوم به الكارهين للوطن من تحريف أو تشويه أو اختزال  بسبب تواتر الأحداث من جيل إلى آخر عبر الزمان.

 

خامسًا: المنتصر يجب أن يكتب التاريخ ونحن نعيش مرحلة قمة الوعي بكل ما جرى فى الماضى ويجرى فى الحاضر وإن لم نكتبه فقد يكتبه غيرنا ويشوه الحقائق ويزيف الوقائع للمناهضين للدولة:
يذكر الدكتور محمد خفاجى إن تاريخ نشأة مجلس الدولة لا بد أن يوثق ويكتب وينشر بكل موضوعية وتجرد وحيادية لتعلم الأجيال الحالية والقادمة ما مرت به البلاد من أحداث جسام وما حققه الأجداد من دور وطنى عظيم – فالدور الوطنى للقاضى يتوازى مع الخطط التنموية للارتقاء بحياة الشعوب – وقد سألت نفسى سؤالًا قد يتبادر إلى ذهن قارئ هذه السطور، لماذا استهوتك رغبة الكتابة عن الأعمال القانونية العظيمة لأجداد مجلس الدولة فى حياة الأمة المصرية ؟ فكانت الإجابة أن مجلس الدولة منذ نشاته وليدًا نشأ عملاقًا وحقق انتصارًا فى ميدان الوطنية الحقة، وأن المنتصر يجب أن  يكتب التاريخ، وإن لم نكتبه اليوم سيما ونحن نعيش مرحلة قمة الوعي بكل ما جرى فى الماضى ويجرى فى الحاضر  ، فقد يكتبه غيرنا بمنظوره الخاص وقد يقوم بتشويه الحقائق ويزيف الوقائع خاصة من الاتجاهات المناهضة للدولة  لتتناسب مع توجهاته وأيديولوجياته الخاصة دون حياد. فيسئ إلى الأمة المصرية التى يتعايش شعبها بمختلف أديانهم وأطيافهم في بلد واحد يحتكم إلى دستور عادل وقوانين حازمة جازمة تسرى على كل فئات المجتمع دون تفرقة أو تمييز.


سادسًا: تراث الأجداد الأوائل ضد الاحتلال البريطانى وتدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو غائب عن الأكاديميات الوطنية بسبب أن دراسة توثيق التراث لم تلقى بالًا من رؤساء مجلس الدولة على مدار تاريخها الحديث:
يضيف الدكتور محمد خفاجى إن قصة القاضى الأول لمجلس الدولة فى زمن نِشأته عام 1946 تعني – من وجهة نظرنا – جزءًا من تاريخ مصر، وإن لم يدون التاريخ دوره فى بكل حيثياته وأحداثه فى  الحفاظ على السيادة المصرية ضد الاحتلال البريطانى ولترسيخ دعائم الجيش فى ثورة الضباط الأحرار، فلن تتمكن الأجيال المستقبلية من استيعاب الماضي وفهم أبعاده الوطنية المخلصة ونظرته الواعية لأمور الشأن العام شأن الأمة فى كيانها وجوهرها،وهو دور غائب عن الأكاديميات الوطنية المصرية الحديثة التى لا تعلم عن هذا التراث شيئًا، وهو جزء مهم للغاية كمقدمة حتمية ضرورية لمناهج تدريباتها الوطنية المتنوعة الحديثة، وبالتأكيد السبب لا يرجع إلى تلك الأكاديميات بل لمجلس الدولة ذاته الذى لم يوفر لها هذه الأرضية الوطنية المخلصة للبلاد كقاضٍ مكين ومستشار الدولة الأمين، فلم تلق دراسة توثيق التراث التاريخى لمجلس الدولة بالًا من رؤساء مجلس الدولة على مدار تاريخها الحديث بإستثناء ذلك الدور العرضى الذى قام به المجلس فى عيده الذهبى فى مارس 1997 (1947-1997) فى ولاية رئاسة المرحوم المستشار على الخادم بعرض بعض مقتطفات من الماضى دون تناول أحداثها  بالتأصيل أو الشرح او التفسير.


سابعًا: الأجداد الأوائل منذ 75 عاما أنشأوا فى أحكامهم أصول القانون الإدارى بهدى من ضمائرهم وحققوا للناس رحمة وأمنًا وللبلاد استقرارًا وعدلًا. 
ويختتم الفقيه الدكتور محمد خفاجى بأن الموظفين والوزارات والهئيات والمؤسسات التى ينتمون إليها هم دعامة الحكم وأداة النظام الحاكم، فمن دعائم الإستقرار أن يحيط العدل الإدارى بين الجميع، والرأى عندى أن صياغة التشريعات التى تقوم عليها المجالس النيابية على الرغم من كونها مهمة عظيمة تقتضى تقصى مواطن حاجات المجتمعات والناس لتعبر عنها وتنظم سلوكهم وترتب شئونها  ، إلا أنه يبقى دومًا أهمية دور القاضى فى حسن تطبيق نصوص القوانين والنظر إلى غاياتها وفلسفة وضعها حتى يتحقق العدل للناس فيتقون به الزلل ويأمنون فيه العثار ويجدون فيه الإنصاف والفخار، وهو ما يدعونى أن أسجل بعد مرور (75) عامًا على إنشاء مجلس الدولة لقضاته الأجداد الأوائل العِظام كل التحية لأراوحهم الطاهرة السامية ،وهم الذين أنشأوا فى أحكامهم أصول القانون الإدارى وتطويره بهدى من ضمائرهم ورفعوا للعدل منارة مستجدة  تزهو بها أجيال تعاقبت على هذا الرعيل الأول جيلًا بعد جيل حتى اليوم،  فأعطوا من كيانهم وجودًا حقق للناس رحمة وأمنًا، وأعطى للبلاد استقرارًا وعدلًا.

ويضيف: لقد اَثرت نهج التعرض لتاريخ الرعيل الأول الذى حمل على لوائه مسئولية قيام ونشأة هذا الصرح الذى ولد عظيمًا منذ البداية، لأنه غير موثق وغائب عن الأجيال وذلك من ناحيتين: الأولى دور مجلس الدولة فى الحفاظ على السيادة المصرية ضد الاحتلال البريطانى، والثانية دوره فى تدعيم مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 من الضباط الأحرار بالجيش المصرى، وما تلاها أعقاب نجاحها وسقوط الملكية والمصاعب القانونية الشائكة فى الحياة السياسية والنيابية التى تلت الثورة المباركة ،وسوف نرى أن مجلس الدولة أنه ولد عام 1946 ليكون عونًا للأمة المصرية فى توقيت كانت الدولة فى مسيس الحاجة إلى خبرة خيرة العقول القانونية فى ذلك الحين، لكن المعلومات عنهم شحيحة نساها الزمان، وغابت عن ذاكرة الرجال،  وقد قمت بهذا العمل بدافع وطنى مخلص لبلادى، والذى اقتضى منى الجهد والكلل دون ملل لتوثيق تلك المرحلة فى حياة مجلس الدولة ولتعرف الأجيال الحالية واللاحقة من بعدنا، والمجتمع والمسئولين فى البلاد تاريخ ماضينا الذى بناه الاَباء الأوائل لنشأة مجلس الدولة. 

الجريدة الرسمية