رئيس التحرير
عصام كامل

حرب الموانئ.. روسيا تسعى لتحويل أوكرانيا إلى "دولة حبيسة" من خلال السيطرة على "ماريوبول" و"أوديسا"

الحرب بين روسيا وأوكرانيا
الحرب بين روسيا وأوكرانيا

تحتدم المعركة بين روسيا وأوكرانيا فى مدينة ماريوبول، والتى تحاصرها القوات الروسية منذ بداية الحرب فى الـ24 من شهر فبراير الماضى، بهدف السيطرة عليها، وتزامنا مع اقترابها فى الوقت الحالى من السيطرة عليها بشكل كامل، برزت تساؤلات عن الأسباب التى تدفع موسكو لمحاولة السيطرة على أهم الموانئ الأوكرانية؟

 

حرب موانئ

ويرى العديد من الخبراء والمحللين أن هناك عدة أسباب وراء سعى موسكو للسيطرة على أهم الموانئ الأوكرانية، والتى من بينها ماريوبول وأوديسا، الأهداف القادمة للقوات الروسية، ومن بين هذه الأسباب: سعى موسكو للسيطرة على بحر أزوف، وهو الأمر الذى لا يمكن أن يحدث إلا من خلال الاستيلاء على ميناء ماريوبول، لذا تمنع كييف من الوصول إلى هذا البحر، ويمكن أيضًا لموسكو أن تستخدم هذا الميناء لإدخال الإمدادات العسكرية إلى قواتها فى أوكرانيا، كما يعد مرسًى مهمًّا جدًّا بالنسبة للقطع البحرية الروسية.

ولكن يبقى التساؤل الأكبر هنا: ما هو مستقبل الصادرات الأوكرانية التى تمر عبر تلك الموانئ؟ ولعل أهمها الصادرات الغذائية وهى الأكثر أهمية للعالم، حيث خلفت الحرب الروسية الأوكرانية أزمة غذائية عالمية، نتيجة تراجع تلك الصادرات، خاصة أن أوكرانيا تعتبر من أكبر دول العالم فى صادرات المواد الغذائية، والتى يرعى البعض أنها "سلة الغذاء" العالمى.

السفير أسامة توفيق بدر، مساعد وزير الخارجية الأسبق، وسفير مصر السابق فى كييف، قال إن أوكرانيا تقع على البحرين (الأسود وأزوف)، وبسيطرة روسيا على ميناء ماريوبول ستصبح لها السيطرة الكاملة على بحر أزوف، وبالتالى يصبح بحرا روسيا مغلقا، وهذا يعنى أيضًا سيطرتها على جزأ من البحر الأسود الذى يطل عليه ميناء ماريوبول، ولن يتبقى لكييف منفذ على البحر الأسود إلا من خلال ميناء أوديسا، والذى ستقوم موسكو بتنفيذ عملية عسكرية عليه أو محاصرته كما فعلت فى ماريوبول، وبالتالى تتحول أوكرانيا إلى دولة حبيسة.

وعن موعد العملية العسكرية التى قد تشنها روسيا للسيطرة على ميناء أوديسا البحرى، أوضح السفير أسامة بدر، أنه من المتوقع أن يكون ذلك بعد العملية العسكرية التى تشنها موسكو فى شرق أوكرانيا، وبالتحديد إقليم "الدونباس"، وذلك بهدف توسيع جمهوريتى دونيتسك ولوجانسيك، المعترف بهما مؤخرا من قبلها.

 

حصار أوكرانيا

وتابع: ستقوم روسيا بربط المناطق التى ستسيطر عليها فى إقليم دونباس بمدينة ماريوبول وشبه جزيرة القرم، لتصبح بذلك متحكمة فى المداخل البحرية الأوكرانية، وفى حال نجاح موسكو فى السيطرة على ميناء أوديسا لن يصبح لكييف أي منفذ بحرى، سواء على البحر الأسود أو بحر أزوف، وبالتالى لن يكون هناك أي أهمية لأساطيلها البحرية، ولن يكون بمقدورها تصدير منتجاتها عن طريق البحر.

وأضاف، أنه لن يكون بمقدور أوكرانيا فى حال سقوط ميناء أوديسا التصدير إلا من خلال الرحلات الجوية، والتى تنقل كميات قليلة وبتكلفة عالية، ولن يكون بمقدورها تصدير الأحمال الثقيلة، التى تنقلها السفن البحرية، موضحا أن فى هذه الحالة لن يكون أمام الحكومة الأوكرانية إلا سبيل واحد لتصدير منتجاتها، وهو الاستعانة بالدول الصديقة المجاورة لها، بحيث يتم نقل البضائع إليها بريا، ثم يتم تصديرها بحريا من موانئ هذه الدول، بعيدا عن أماكن سيطرة الجيش الروسى.

وأكد أن فى حال سيطرة روسيا على ميناء أوديسا البحرى، لن يتسبب ذلك فى أزمة غذائية عالمية، ولكن دول الاتحاد الأوروبى هى التى فقط ستعانى من تبعيات ذلك، وأيضا الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من أنها تستورد جزءا بسيطا جدا من المنتجات الغذائية الأوكرانية، إلا أنها ستعوض ذلك من دول أخرى، وهو الأمر الذى لن يترك تأثيرا على واشنطن، على عكس الدول الأوروبية التى ستجد أزمة كبيرة.

 

الصادرات الروسية

ونوه السفير أسامة بدر إلى أن روسيا لن تعترض الصادرات الغذائية المتوجهة للدول الصديقة لها، والتى لم تقاطعها، أو تطبق عليها عقوبات، جراء الحرب التى أعلنتها على جارتها الأوكرانية فى الـ24 من شهر فبراير الماضى، مؤكدا على أن هذه الدول ستستفيد من هذا الوضع، لأنها ستحصل على الصادرات الغذائية بأسعار مخفضة وأقل مما كانت تحصل عليه مسبقا.

وقال بدر إن موسكو ستستخدم ورقة الصادرات الغذائية فى حال سيطرتها على ميناء أوديسا، للضغط على دول الاتحاد الأوروبى، والدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى "الناتو"، ولكن هذه الدول ستسعى إلى البحث عن سوق جديدة لاستيراد منتجاتها الغذائية، والسوق المرشحة أمامهم هى السوق الهندية، ولكنها لن تكون كافية لتلبية احتياجاتهم من السلع الغذائية، وربما أيضًا يذهبون إلى أسواق أمريكا اللاتينية، مشددا على أن ذلك لن يغنيهم عن صادراتهم الغذائية القادمة من روسيا وأوكرانيا، ولن يكون بمقدورهم الاستغناء عن تلك الصادرات، كما هو الحال فى النفط والغاز الروسى، مؤكدا أنهم سيعاودون الاعتماد عليها مرة أخرى ولكن بعد انتهاء الحرب.

ومن ناحية أخرى، قال اللواء أركان حرب الدكتور محمد الشهاوى، رئيس أركان الحرب الكيميائية السابق، ومستشار كلية القادة والأركان، إن الحرب الروسية الأوكرانية حرب من الحروب التقليدية الحديثة استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة وخاصة أسلحة الاضطراب الشامل من خلال العقوبات الاقتصادية والحصار السياسى والأسلحة الحديثة كالصواريخ الفرط صوتية.

 

الهدف الإستراتيجي

وأضاف الشهاوى، أن الهدف الإستراتيجى لروسيا من هذه الحرب هو فرض الإرادة على الدولة والقيادة الأوكرانية ووضع يدها على المدن الساحلية مثل ماريوبول وأوديسا، وبالتالى تكون أوكرانيا دولة حبيسة، فعندما تكون دولة حبيسة لا تستطيع أن تستفيد بموانئها مثل مينائى ماريوبول وأوديسا الهام الإستراتيجى والتاريخى وبالتالى روسيا هى التى تتحكم فى تصدير المواد الغذائية إلى العالم كله.

وتابع رئيس أركان الحرب الكيميائية السابق، ومستشار كلية القادة والأركان فعندما تضع روسيا يدها على ميناء ماريوبول وأوديسا فالبتالى لن تسمح لأوكرانيا بتصدير أي منتجات من تلك الموانئ كنوع من أنواع الضغط على أوكرانيا وهو الهدف الأساسى لعملياتها العسكرية للحرب الروسية على أوكرانيا.

أما من ناحية التأثير على مصر فأشار مستشار كلية القادة والأركان إلى أن مصر تتعاقد مع روسيا لاستيراد كافة مستلزماتها وحاجاتها من القمح، ومن 16 دولة أخرى، وبالتالى لو تم منع صادرات أوكرانيا فهناك بدائل أخرى لمصر، وعن الحيل الأخرى لإخراج أوكرانيا لصادرتها حال تمكن السلطات الروسية من السيطرة على ميناء ماريوبول وأوديسا يمكن أن يكون عن طريق الغرب وعن طريق البر وليس عن طريق البحر.

 

نقلًا عن العدد الورقي…،

الجريدة الرسمية