رئيس التحرير
عصام كامل

سفير دولة التلاوة في الولايات المتحدة

رغم حالة التصحر التي تعاني منها دولة التلاوة المصرية، إلا إنه لا يزال في نهاية النفق نورٌ. والقارئ الطبيب أحمد عبد الرحمن الزارع قبسٌ من هذا النور. الزارع امتداد طبيعي وغرس طيب للقراء الأوائل. في صوته نفحة من الشيخ محمد رفعت، ولمسة من الشيخ أبو العينين شعيشع، وبصمة من الشيخ كامل يوسف البهتيمي، ولمحة من الشيخ محمد فريد السنديوني. لا يشبه الزارع أحدًا من المتقدمين ولا المتأخرين. آفة الأجيال الأخيرة من القراء التقليد والمحاكاة والتقمص والاستنساخ. 

 

عاش قراء وماتوا دون أثر؛ لأنهم عاشوا في أصوات غيرهم. نقيب القراء الراحل الشيخ محمد محمود الطبلاوي كان يؤكد في سنواته الأخيرة أنه لا يعرف أسماء القراء الجدد إلا من خلال تنويه المذيع. الرعيل الأول من القراء.. كان لكلٍّ منهم شخصيته الواضحة التي لا تقبل لبسًا ولا تحتمل شكًّا، وتحدد هويته من الاستعاذة والبسملة. أحمد عبد الرحمن الزارع ليس مجرد قارئ عابر في تاريخ دولة التلاوة، بل طبيب نابه، وسفير فوق العادة لبلاده في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقدين من الزمان. 

 

نشأ الزارع في بيئة دينية محافظة. تربى على أصوات مشاهير ونجوم دولة التلاوة المصرية، ولا يزال يدين لهم بالفضل الكبير. أتمَّ حفظ القرآن الكريم مبكرًا، ورفع الأذان وأمَّ المصلين في المسجد المجاور لمسكنه بضاحية حدائق القبة القاهرية. كان أحمد عبد الرحمن الزارع يحفظ القرآن الكريم في مسجد مجاور لسكن كل من القارئين: محمد صديق المنشاوي وكامل يوسف البهتيمي، فكان يحلم بأن يقتدي أثرهما ويحذو حذوهما ويحقق بعضًا من شهرتيهما. 

 

نبغ الزارع في دراسته مثل شقيقه وشقيقتيه؛ حيث التحقوا جميعًا بكلية الطب. فور تخرجه في الجامعة، وكان عمره خمسة وعشرين عامًا تقريبًا.. تم اعتماد أحمد عبد الرحمن الزارع قارئًا بالإذاعة المصرية في العام 1994. لجنة الاختيارات التي ضمت أسماء لامعة في التلاوة مثل: الشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ رزق خليل حبة، وفي الموسيقى مثل: فؤاد حلمي وكمال النجار، لم تسجل عليه  ملاحظة واحدة، بعد اختبار دام 45 دقيقة. كان الزارع مؤهلًا حفظًا وأداءً، فلم يحتج إلى كارت توصية للنجاح والتمرير دون اختبارات، كما حدث في الثلاثين عامًا الأخيرة!


سجَّل الزارع تلاوته الأولى بالإذاعة المصرية في العام 1996، وانطلق بعدها مشاركًا في الفعاليات والمحافل القرآنية المختلفة. واتته فرصه السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في العام 2002، فطار إلى هناك واستقر وباشر عمله الخاص وتوسع فيه، ولكنه لم ينسَ موهبته الأولى، وهي تلاوة القرآن الكريم، حيث لا يزال مرتبطًا بإذاعة القرآن الكريم، سواء من خلال إرسال تلاوات مسجلة تذاع ضمن الأمسيات الدينية، وكذلك عندما يحضر إلى مصر يشارك في هذه الأمسيات. ولا يزال يحلم بأن تسنح له الفرصة أن يسجل بإستوديوهات الإذاعة عددًا من التسجيلات الطويلة، فضلًا عن المشاركة في شعائر صلاتي الجمعة والفجر.


وإلى جانب عمله الخاص في أمريكا.. يمارس أحمد عبد الرحمن الزارع دوره في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتلاوة القرآن الكريم ورفع الأذان وإلقاء خطبة الجمعة والدروس الدينية دون قيود أو تضييق، وعقد الزيجات، وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها. يمتلك الزارع ناصية اللغة العربية ويُحكم قبضته عليها، فلا يكاد يلحن في كلمة، أو يرتبك في صياغة جملة. ذهنه حاضر دائمًا ومتقد. يتحدث الزارع عن الأزهر الشريف بإكبار شديد ويؤكد أنه موضع احترام وتقدير للمسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، حيث ينظرون إليه باعتباره قلعة الإسلام الحصينة.


يقر أحمد عبد الرحمن الزارع ويعترف بتراجع دولة التلاوة المصرية، وغياب الأصوات الجادة والمتميزة، معتبرًا أنها وصلت إلى حد الهاوية. يضرب الزارع المثل بالفيديوهات المتاحة لقراء رسميين على موقع يوتيوب واصفًا إياها بالكارثية والإجرامية؛ حيث يغيب عن أدائهم توقير القرآن الكريم واحترامه الواجب. 

 

 

يجزم أحمد عبد الرحمن الزارع بأن ما وصلت إليه دولة التلاوة المصرية ناجم عن أوضاع مغلوطة، وإفراز لمخرجات خاطئة. يرى الزارع أن الاهتمام بالموسيقى عند القراء الجدد صار مرعبًا، مطالبًا الجهات المعنية، وفي القلب منها: الإذاعة المصرية ونقابة محفظي وقراء القرآن الكريم، باتخاذ خطوات فعالة لاستعادة الاستقامة والكلاسيكية لمدرسة التلاوة المصرية، ومقاومة الانفلات المتفاقم والمتراكم.

الجريدة الرسمية