رئيس التحرير
عصام كامل

تحرير سيناء بدأ ببطولات فذة لأبناء النيل!

كان لاستشهاد الفريق عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة يوم التاسع من مارس 1969 أثرا سيئًا على المعنويات. فأصدر جمال عبد الناصر أوامره بالرد على هذه العملية، وهنا نروى قصة عملية التمساح كما كتبها  اللواء أحمد رجائى عطية، لنذكر الشباب ببطولات أبناء النيل السمر الافذاذ.

كتب إنه على أثر ذلك أصدر اللواء محمد صادق مدير المخابرات أوامره للمقدم إبراهيم الرفاعى بالقيام بالعمل المناسب لذلك واجتمع إبراهيم الرفاعي بى وبعصام الدالى بفرع العمليات حيث تم الاستقرار على مهاجمة الموقع الذى خرجت منه دانه الهاون والتى أصابت الشهيد عبد المنعم رياض وتدميره تدميرًا شاملًا..

بدأنا أعمال الاستطلاع للموقع.. وإنشاء ماكيت –نموذج- للموقع والتدريب على مهاجمته وقد وقع ذلك على كاهلى.. لكون عصام الدالى كان بمأمورية خارج القطر المصرى على الجبهة الأردنية.. وتم تحفيظ كل فرد واجباته عمليًا.. ولم أشعر بقيمة التدريب إلا عندما هاجمنا الموقع.. فقد كان أداء الأفراد وكأنها فرقة موسيقية تعزف سيمفونية.. في أداء وتنسـيق رائعين.. وكان الجميع لا يعرف الهـدف إلا قبل التنفيذ بساعات وعند الاستطلاع النهائى للهـدف من مبنى الإرشاد بالإسماعيلية.

وكانت القوة عبارة عن مجموعة قيادة وساتره بقيادة إبراهيم الرفاعى، ومجموعة قطع وعزل بقيادة محسن طه، ومجموعة الهجوم بقيادة أحمد رجائى عطية، ومجموعة نقل بحرى بقيادة نقيب طبيب بحرى عـالى نصر، وكانت كل مجموعة تشكل من 8 عناصر صف ضابط وجندى وهناك عناصر من مدفعية الميدان الموجودة بالبر الغربى تكون تحت الطلب أو الاشـتراك فى التغطية وقت الانسحاب من الموقع وكنت مكلف بإدارة النيران لكونى ضابط مدفعية.

الثأر لشهدائنا

بدأت العملية بالتجمع في رصيف الإصلاح البحرى بالإسماعيلية والواقع على بحيرة التمساح والذى يبعد عن موقع لسان التمساح بالبر الشرقى بثلاث كيلومتر وهو عرض بحيرة التمساح فى هذه المنطقة.

وفى التاسعة مساءً بدأت تنطلق الأفراد في القوارب المطاط إلى البر الشرقى على مسافة 150 متر جنوب الموقع.. وذلك ليرسو مجموعة القطع على البر ليتقدم التشكيل إلى مكان القطع وعزل الموقع من أى نجدة، ثم من بعده مجموعة القيادة لتتمركز قبل الموقع بمسافة 50 متر، ويليها الأربع مجموعات الخاصة بالاقتحام لتتجه كل مجموعة إلى الدشمة المكلف باقتحامها والتعامل معها..

 

وكانت خطة التعامل أن تقسم كل مجموعة اقتحام إلى قسمين كل قسم مكون من 4 أفراد لتقوم إحداهما بإلقاء قنابل الدخان والغاز المسيل للدموع وينتظر القسم الآخر فى المقابل الآخر للدشمة لمهاجمة الأفراد بالبنادق والقنابل اليدوية.

وقد كان العدو كالفئران المذعورة داخل الدشمة.. وتم قتل جميع أفراد العدو إما بالطلقات أو السلاح الأبيض.. وأذكر فى أحد المواقف أن أصيب مساعد أول محمود الجيزى بطلق نارى فى أسفل ظهره فأمرته بالانسحاب إلى منطقة الالتقاط.. واستمرت المعـركة.. ولكنى وجدته بعد ذلك يقاتل بجانبى وهو مصاب وإسـتمر في المعركة حتى نهايتها.. رغم أن الطلق النارى أصابه فى الآلية من الخلف.. لتخترق فخذه وتخرج من الأمام.

 

كانت الصعوبة بعد ذلك أن تقنع المقاتلين بالانسحاب بعد أن سيطروا على الموقع وحصلوا على عدة أسلحة خاصة بالعدو.. كما قام الملازم محسن طه قائد مجموعة القطع بالتعامل مع دبابات العدو والتى حضرت لنجدة الموقع فدمر الدبابات وقتل الأفـراد المصاحبة لهذه الدبابات. ولقد بدأنا الانسحاب إلى منطقة القـوارب تحت ستر نيران المجموعـة الساترة بقيادة إبراهيم الرفاعى.. كذلك تحت ستر نيران مدفعيتنا والتى أمنت عودتنا وألحقت هى الأخرى خسائر بالعدو.. وركبنا القوارب وبدأنا العودة.

 

عادت القوات كاملة دون أى خسـائر إلا المسـاعد أول محمود الجيزى والملازم أول محى الدين خليل نوح والذى أصيب كل منهم ببعض الشظايا.. وتم علاجهم فـور عودتنا واستكمل علاجهم بمستشفى القوات المسلحة بالمعادى.. والذى قام الزعيم جمال عبد الناصر بزيارتهم بالمستشفى.

لقد كان لهذه العملية أثر كبير فى رفع المعنـويات وخاصـة أنها كانت انتقـامًا لاستشـهاد الفـريق عبد المنعم رياض.. وإن كانت كرمز للانتقام لشهدائنا جميعا.. وقد كسرت هذه العملية أسطورة المقاتل الاسرائيلي السوبر.. وعرف عنه أنه أقل من العادى.

 

وأحب أن أنوه إلى أن هذا الهجوم كان أول أمر هجوم لقوات مصرية بعد عشرين عامًا.. حيث كان آخر أمر هجوم لقوة مصرية كان عام 48 على التبه 68 بمنطقة بئر سبع حيث دمروا العدو فى هذه الموقعة أيضا واستولت القوات المصرية على بئر سبع ولكن للأسف جاءت الهدنة ومن ثم الأوامر بالانسحاب من بئر سبع.

 


عند العودة إلى الضفة الغربية كان هناك مجموعة من قادة القوات المسلحة وخاصة قيادات الجيش الثانى أذكر منهم العميد أحمد بدوى والعميد محمد أبو غزالة واللذين أصبحا كلا منهم فيما بعد وزير الحربية.

ولا أنسى مشاعرهم الفياضة بالفخر تجاهنا.. حيث كانوا يسألوننا عن العدو وهم يتحسسون ظهورنا وأكتفانا بأيدهم.. ولا تعلم هل هذا بمثابة عناق عن بعد لجنود مصريين.. أم أنهم يتأكدوا أننا مازلنا أحياء بعد معركة مع العدو الذى لا يقهر.. أم ليتأكدوا أننا من دم ولحم مثلهم.. رغم أنها يعرفوننا جيدًا ومعظمنا من تلاميذهم.

اليوم ونحن نحتفل بتحرير سيناء علينا أن نعرف أن تحريرها بدأ ببطولات فذة لأبناء النيل السمر.

الجريدة الرسمية