رئيس التحرير
عصام كامل

المقدم البطل علمي حسين: معركة أبو عطوة دمرت معظم قوات العدو بالثغرة| حوار

المقدم علمى حسين
المقدم علمى حسين كامل

>> الصاعقة كانت هدفى منذ اليوم الأول لالتحاقى بالكلية الحربية
>> تعلمت على أيدى عظماء العسكرية وكنت مشروع شهيد فداءً لمصر
 

هو أحد أبطال الكتيبة 133 صاعقة فى حرب أكتوبر المجيدة، شارك فى معركة أبو عطوة الشهيرة التى منعت سقوط مدينة الإسماعيلية فى أيدى العدو الإسرائيلى، ومن ثَم زحفه نحو القاهرة، إنه المقدم علمى حسين كامل، الذى حاورته “فيتو” بمناسبة الذكرى 48 لحرب العاشر من رمضان وتركت له المجال ليروى ذكريات مثيرة عن هذه الحرب المجيدة، فماذا قال؟

*بداية من هو البطل علمى حسين كامل؟
اسمى علمى سيد حسين كامل، من مواليد 1 أبريل عام 1950، بحى الحسين، والدى كان ضابطا بالجيش ورياضيا، حيث كان بطل العالم فى السباحة عام 1936، ومن أوائل المصريين الذين عبروا المانش، وكان أحد إخوتى ضابط صاعقة، والآخر ضابط بحرية، نشأت فى أسرة متدينة تعشق تراب مصر، منضبطة إلى أبعد الحدود، ولأننى كنت أحب الرياضة منذ نعومة أظافرى فقد دخلت النادى الأهلى سنة 1958، وحققت بطولات فى السباحة وكرة الماء


وبعد ذلك دخلت الكلية الحربية سنة 1970، وكنا نعيش فى حى الحسين والجمالية جيران الرئيس عبد الفتاح السيسى، فأنا مواليد عام 1950 وهو 1955، كنت أسمع عنه كل خير عن طريق أحمد شعراوى ابن الشيخ محمد متولى الشعراوى، كان بينهما صداقة، لكن أنا لم أقابله إلا فى مدرسة الصاعقة عندما حصل على دورة الصاعقة عام 77، وكنت برتبة نقيب فى الجناح الراقى بمدرسة الصاعقة وهو طالب فى المدرسة مع طلبة الكلية الحربية ليأخذوا الدورة.

الكلية الحربية

*ماهى ذكرياتك فى الكلية الحربية؟
أتذكر كشف الهيئة، وكان به اللواء أركان حرب محمود زكى عبد اللطيف قائد الكلية الحربية فى ذلك الوقت وكبير المعلمين العميد على زيوار معلق كرة القدم المشهور، وكان يعرفنى شخصيا من النادى الأهلى من بطولات السباحة، وكانت مؤهلاتى أنى بطل سباحة، وذلك يؤهلنى للكلية البحرية، وبالفعل كان قائد البحرية يريدنى لكننى قلت إننى أريد أن التحق بالصاعقة.

سلاح الصاعقة 

*وكيف التحقت إذن بالصاعقة؟
سألنى مدير الكلية: «يا طالب أنت مؤهلاتك كلها بحرية». قلت له: «يا فندم أنا رغبتى أدخل الصاعقة»، قال: «ماذا تعرف عن الصاعقة؟»، قلت: «أعرف مؤسس الصاعقة جلال هريدى، وأعرف محمود عبد الله، وأعرف المجموعة 39 قتال، وأعرف عملية رأس العِش»، قال: «أين عرفت كل هذا؟»، قلت: من الراديو والجرائد، وأحب أن أكون ضابط صاعقة وأدافع عن بلدى، وأتمنى فى يوم أكون شهيدا ولا زلت أحب الصاعقة حتى الآن وحبها يجرى فى عروقى ودمى، فأنا مشروع شهيد.

 

حرب الاستنزاف

*هل عاصرت حرب الاستنزاف؟
فى أول سنة بالكلية الحربية كانت حرب الاستنزاف قد بدأت، قاموا بنقلنا إلى جبل الأولياء فى السودان، قضينا هناك سنة كاملة نعيش فى خيام، لا وجود للمبانى، والجو حار جدا، لم ننزل إجازة إلا مرة واحدة، كنا دفعتين كاملتين دفعة 61 و62، هذا الجبل كان قريبا من النيل، وكنا نذاكر ليلا والتماسيح بالقرب منا شكلها مخيف وتثير الذعر والمنطقة صحراوية جدا، وعندما تهب الرياح كانت تقتلع الخيام وكل شيء أمامها وكنا نأكل الأكل بالحصى والرمل، هذه الأيام جعلتنا صامدين كالصخور وشكلت معادنا لنصبح ضباط صاعقة أشداء نتحمل كل التضاريس الصعبة.
عدنا بعدها وتخرجت فى الكلية الحربية الدفعة 62 وكانت دفعة الأبطال حيث كان دفعتى الفريق عبد المنعم التراس قائد الدفاع الجوى ورئيس الهيئة العربية للتصنيع حاليا.

مبادرة روجرز

*ماهى تفاصيل التدريبات العملية بعد العودة من السودان وكيف كانت تدريبات الصاعقة استعدادا للمعركة؟
الصاعقة تعتبر حياتى وبيتى، تخرجنا فى يوليو عام 1972 دفعة الفريق صادق، وقتها كانت هناك هدنة ترتب عليها وقف إطلاق النار بعد مبادرة روجرز، وطبعا كان الزعيم جمال عبد الناصر قد توفى، وجاء الرئيس السادات لم نعرف ملامح الدنيا وقتها، فعبد الناصر كان صريحا فى الأخذ بالثأر
أما السادات فلم تظهر نيته بعد، لقد تعلمت فى مدرسة الصاعقة على يد معلمين أشداء مثل الضليفى مسئول جناح البيانات ونبيل أبو النجا ومعتز الشرقاوى مع حفظ الألقاب وحسين سيد والعميد نبيل شكرى قائد وحدات الصاعقة وقتها وطارق عبد الناصر ومحسن العشماوى أسماء لامعة فى تاريخ الصاعقة والجيش المصرى وتم ترشيحى وأنا ملازم أول معلما للصاعقة.

مستشفى كوبرى القبة

*ماهى قصة إصابتك وإصرارك على استكمال التدريبات؟
كنت أتسلق الجبال فى منطقة عتاقة بالسويس وأثناء نزولى تعثرت قدمى فى صخرة فوقعت على كوعى الأيمن وأصبت إصابة بالغة، وتوقف قائدى وقتها الرائد نبيل أبو النجا وقال لى: "هترجع مؤخرة" يعنى دورة الصاعقة التى أتدرب فيها يتم إلغاؤها، وكنت وقتها على وشك التخرج، فرفضت وقلت سوف أكمل التدريبات وقاموا بربط الجرح واجتزت الدورة بنجاح، ولكن حدث تلوث لكوعى والعظم بدأ يظهر، فتم تحويلى إلى مستشفى كوبرى القبة.


الكتيبة 133 صاعقة

*ماذا عن انضمامك للكتيبة 133 صاعقة؟
أول يوم أرتدى فيه بدلة ضابط بنجمة واحدة على كتفى وصلنا إلى كتيبة 133 فى الهرم وتحديدا بمنطقة دهشور لم أر الرائد على أمين قائد الكتيبة، فذهبت للرائد صادق عبد الواحد رئيس عمليات الكتيبة 133، وكان شخصا هادئا جدا مرتديا الأفرول المموَّه وجسمه ممشوق جميل ويتكلم بهدوء، قال لى: أهلا وسهلا أنت شرفت الكتيبة 133 صاعقة، اذهب للنقيب إبراهيم الدسوقى قائد السَّرية لتوزيعك على السرية الأولى، وصلت السرية، ودخلت لأجد إبراهيم الدسوقى شخصية هادئة جدا غير ما رأيت فى مدرسة الصاعقة، وكان أول شهيد فى عزبة أبو عطوة، قال لى: هيا لتتسلم الفصيلة الأولى.

 

*ماذا كان مستوى التسليح لديكم؟
جيلنا كانت إمكاناته محدودة جدا، تسليحنا بندقية آلية روسية وكنا فى الصاعقة نضع ثلاث خزنات أي تحمل 90 طلقة، قادتنا علمونا أن الطلقة بجندى، وأن قائد السرية يراقب من بعيد قيادة السرية على ربوة عالية والميدان تحت.
استلمت فصيلتى، كانت قوية واقفة شَدّة، على الظهر سلاح نسميها شَدّة قتال، كان كل منا يقف كالأسد كأنه طالع إلى معركة جاهز بكل شيء، وكان الفريق سعد الدين الشاذلى قد عمم دليل الجندى، وفيه شرح الشَّدة وما يكون فيها، وبدأنا التدريبات انتظارا لليوم المشهود يوم العزة والكرامة، يوم استرداد الأرض.

الفريق سعد الدين الشاذلى

*حدثنا عن المهمة التى كلفت بها للحرب؟

يوم 5 أكتوبر كنا صائمين، ذهبنا إلى مقر القيادة بمدينة نصر قبل الفجر بساعة لنرى الفريق سعد الدين الشاذلى وقائد الدفاع الجوى وقائد القوات الجوية وقائد الصاعقة العميد نبيل شكرى الذى دخل إلى المركز واستلم مهمة فى ظرف وخرج، عدنا إلى الكتيبة، ولكن الجو العام خطط وخرائط كبيرة ومسرح عمليات، ترى سيناء أمامك والقناة، توزيع القوات والجيوش، إحساس صعب، قرارات، وأوامر قتال، ثم أستلم مهمتى وأخرج وكانت كتبيتى بقيادة على أمين 133 وكتيبة 223 صاعقة احتياطى رئاسة عامة تنتظر أوامر قائد المجموعة فى حينها ومهمتهم فى يد الرئيس السادات مباشرة، فى هذا اليوم تم تعيينى ضابط استطلاع المجموعة.

 

ليلة العاشر من رمضان كان الجو يكتنفه الهدوء، خطة الخداع الإستراتيجى كاملة، سرية المعلومات مهمة جدا قادة الكتائب للأربعة الذين خدمت معهم دخلوا للعميد نبيل أبو النجا مهمتهم أن يعبروا خلف خطوط العدو، وقال لى على أمين كأنك لم تسمع شيئا، ولكنى لم أكن أعلم ساعة الصفر تحركنا يوم 6 أكتوبر ظهرا إلى مطار غرب.


أما أنا ومعى 3 سرايا أعطانا المهمة رئيس أركان عمليات المجموعة 139 المقدم مدحت عثمان، وهى تأمين مطار غرب عند طريق إسكندرية الصحراوى من أي إبرار مُعادٍ، وكانت هذه مهمة جديدة لم نتدرب عليها، أن ننتظر لحظة إغارة، ونحن تدربنا على الإغارة والكمائن والنزول خلف خطوط العدو من يوم 6 أكتوبر إلى 16 أكتوبر، أيام طويلة وصعبة لم نر فيها أي اشتباك، زملائى كانوا يقاتلون ويستشهدون وأنا وجنودى ننتظر.

حرب 10 رمضان


* ارو لنا عن تفاصيل لحظة اشتراكك فى القتال؟
يوم 18 أكتوبر سمعنا فى الجهاز أن شارون دخل الديفرسوار بسبعة دبابات، فتحركنا من المطار فى طريق الزقازيق الزراعى إلى الإسماعيلية، ومهمتنا أسرالـ  7 دبابات الإسرائيلية بمن فيها، وصلنا أبو صوير ثم دخلنا معسكر الجلاء، وكانت معنوياتنا عالية جدا نتأهب للقتال، وقد تم إمدادنا بصناديق ذخيرة وقنابل مضادة للدبابات
وكان الأهالى يصطفون حولنا يشجعونا كان تسليحنا عبارة عن «آر بى جى» ومسدسات وقنابل يدوية وهجومية، وخرجنا ومعنا قائد الكتيبة الرائد على أمين ورئيس عمليات الكتيبة الرائد صادق عبد الواحد، وخطب فينا قبل الخروج المقدم مدحت عثمان رئيس أركان المجموعة 139 صاعقة تاليا بعض من آيات القرآن الكريم، ثم قال: على بركة الله يا أبطال، النصر أو الشهادة.

ثغرة الدفرسوار


*وماذا حدث بعد ذلك؟
فى أرض المعركة الكل كان صائما وصلنا إلى سرابيوم على بعد 12 كم من الدفرسوار، وأول ما دخلنا قبل عزبة أبو عطوة بـ3 كم اتجهنا شمال سرابيوم، وبينما نمشى فى مدق لا يحتمل سوى سيارة واحدة فتح علينا كمين، وكنا رتل عربيات تحمل الجنود والضباط والذخيرة، وتساقطت علينا الطلقات من كل ناحية، قفزنا فى الأرض فى الحدائق على الشمال، والعربات تتلقى ضربات المدافع وتشتعل الواحدة تلو الأخرى ودار فى ذهنى وقتها أن مهمتنا أسر 7 دبابات بمن فيهم، ولكن النيران تقول إن العدد أكبر، وأن العدو موجود قريب جدا منا، وقف العقيد أسامة إبراهيم ونادى على أمين ومدحت عثمان ووقفوا كالأسود، ضممنا على بعض ووجه السرية الأولى فى مواجهة العدو بقيادة النقيب ماجد شحاتة، وقام معوض الصفتى قائد فصيلة يواجه العدو.


كان العدو بينه وبين الإسماعيليلة مسافة قليلة وقد دخل عدة محاور، منها محور نفيشة وأبو سلطان والجندى المجهول يحاصر الجيش الثانى، وكان هدفه احتلال مدينة الإسماعيلية، وبدأ معوض القتال الشرس وزاد وطيس المعركة، يضربون ونحن نرد ولا نرى أي عدو، ثم نزلنا فى أرض منخفضة ناحية سرابيوم والعدو دخل المدق وحاصرناهم فى الحدائق لأن دباباتهم لا تصلح للحركة فى الحدائق، وتم توزيع مجموعات وعمليات فردية فدائية من الدرجة الأولى وعملنا حفر برميلية حول عزبة أبو عطوة.

معركة أبو عطوة

  • احكِ لنا عن بطولاتكم فى معركة أبو عطوة التى أوقفت القوات الإسرائيلية من الزحف ناحية الإسماعيلية والقاهرة؟
    وفتح الأجهزة من قائد الجيش الثانى والرئيس السادات، وبعده من السادات لأسامة: احموا مدينة الإسماعيلية بأجسامكم وكانت المعركة يوم 18 و19 حتى يوم 22 كنا نقاتل العدو فى مساحة ضيقة جدا، نمنع العدو ألا يتقدم شبرا بكل ما أوتينا من قوة، ففى نظرى 36 فدائيا من الكتيبة 133 استطاعوا أن يوقفوا شارون عن التقدم للإسماعيلية فى الـ3 أيام الأولى، لم نتلق أي تعزيزات من قوات الطيران ويوم 22 قبل أذان الظهر فتح كمين ودخل شارون بدباباته، وأصيب فى رأسه وأختبأ كما ذكر فى مذكراته فيما بعد فى أحد بيوت الفلاحين هو واثنين من جنوده، وفى هذا الكمين ضربنا فيه دبابة وعربة مجنزرة، واستشهد فيه الرائد إبراهيم الدسوقى، والشهيد الجندى سعدون عندما ضرب دبابة العدو، وجرى عليها ليأتى بأسير يهودى، فانفجرت الدبابة واستشهدوا، وتولى القيادة بعده حامد شعراوى، وبعد استلامه القيادة بدأ فى تنظيم القوة ونجحنا فى ضرب 3 دبابات إسرائيلية.
    كنا مجهزين متفجرات على كوبرى الجلاء وكوبرى نفيشة لو تقدم العدو ننسفه وسمعنا أصواتهم ينسحبون، طوال فترة الثغرة لم نترك الإسرائيليين يستريحون لحظة، وقد أصيب يوم 22 أيضًا نبيل غراب، وقد أخليته أنا وسيد الباز، وحملنا المصابين إلى قاعدة الدفاع الجوى القريبة التى دمرتها القوات الإسرائيلية.

وقف إطلاق النار

*وماتفاصيل الأحداث يوم 23 أكتوبر بعد قرار وقف إطلاق النار؟ 
تولى على أمين قائد الكتيبة 133 بعد إبراهيم الدسوقى وصادق عبد الواحد رئيس عمليات الكتيبة.
يوم 23 أكتوبر صباحا صوت جنازير دبابات مرة أخرى برغم قرار وقف إطلاق النار، لم نتلق أي تعليمات بمعركة أخرى بدأ صادق عبد الواحد يجمع القوة ليرى من استشهد ومن أصيب، ووجد من صمدوا فقط 36، والقوات الإسرائيلية لم تلتزم بوقف إطلاق النار برغم الخسائر التى تكبدوها وجثثهم محترقة ومتناثرة فى كل مكان ودباباتهم مشتعلة، وقال لنا صادق: سنقاتل بالسونكى، ووزعنا 36 منا على حفر برميلية، ونحن نسمع صوت الدبابات تتحرك والأوامر نطلع فوق الدبابات من الخلف ويطعن السائق وحامل الرشاش بالسونكى، ولكن إرادة الله فوق كل شيء، فقد دخل اليهود إلى الموقع لجمع جثثهم المتفحمة وعادوا ليكملوا رحلتهم وتركوا الإسماعيلية.
لتكون معركة أبو عطوة هى المعركة المفصلية التى أوقفت القوات الإسرائيلية من الزحف ناحية الإسماعيلية والقاهرة، وذلك بفضل رجال الكتيبة 133 صاعقة الأشداء.

 

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ"فيتو"… 
 

الجريدة الرسمية