رئيس التحرير
عصام كامل

ملاك وشيطان!

يحكي في قديم الزمان أن حاكم إيطاليا دعا فنانًا تشكيليا شهيرًا وأمره برسم صورتين مختلفتين متناقضتين عند باب أكبر مركز روحي في البلاد، حيث أمره أن يرسم صورة ملاك ويرسم مقابلها صورة الشيطان لرصد الاختلاف بين الفضيلة والرذيلة.

وقام الرسام بالبحث عن مصدر يستوحي منه الصور.. فعثر على طفل بريء وجميل تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير وتغرق عيناه في بحر من السعادة، فذهب معه إلى أهله واستأذنهم في استلهام صورة الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهي ذلك الرسم مقابل مبلغ مالي فوافقوا.
وبعد شهر أصبح الرسم جاهزًا ومبهرًا للناس.

وكان نسخة من وجه الطفل مع القليل من إبداع الفنان أثمرا لوحة لا يوجد أروع منها في ذلك الزمان. وبدأ الرسام في البحث عن شخص يستوحي منه وجه صورة الشيطان، وكان الرجل جادًا في الموضوع، لذا بحث كثيرًا وطال بحثه لأكثر من عشرين عامًا. وأصبح الحاكم يخشى أن يموت الرسام قبل أن يستكمل التحفة التاريخية.

ملامح الشيطان

لذلك أعلن عن جائزة كبرى ستمنح لأكثر الوجوه إثارة للرعب.. وقد زار الفنان السجون والعيادات النفسية والحانات وأماكن المجرمين لكنهم جميعًا كانوا بشرًا وليسوا شياطين.. وذات مرة عثر الفنان فجأة على "الشيطان"، وكان عبارة عن رجل سيء يبتلع زجاجة خمر في زاوية ضيقة داخل حانة قذرة.

اقترب منه الرسام وحدثه حول الموضوع.. ووعد بإعطائه مبلغ هائل من المال.. فوافق الرجل.
وقد كان قبيح المنظر، كريه الرائحة.. أصلع وله شعرات تنبت في وسط رأسه كأنها رؤوس الشياطين! وكان عديم الروح ولا يأبه بشيء ويتكلم بصوت عال، وفمه خال من الأسنان. فرح به الحاكم لأن العثور عليه سيتيح استكمال تحفته الفنية الغالية.

جلس الرسام أمام الرجل وبدأ برسم ملامحه مضيفًا إليها ملامح الشيطان. وذات يوم التفت الفنان إلى الشيطان الجالس أمامه وإذا بدمعة تنزل على خده فاستغرب الموضوع.. وسأله إذا كان يريد أن يدخن أو يحتسي الخمر! 

فأجابه بصوت أقرب إلى البكاء المختنق: أنت يا سيدي زرتني منذ أكثر من عشرين عامًا حين كنت طفلًا صغيرًا واستلهمت من وجهي صورة الملائكة.. وأنت اليوم تستلهم مني صورة الشيطان.. لقد غيرتني الأيام والليالي حتى أصبحت نقيض ذاتي! وانفجرت الدموع من عينيه وارتمى على كتف الفنان، وجلسا معًا يبكيان أمام صورة الملاك.

العبرة: إن الله يخلقنا جميعنا ملائكة.. ولكن نحن من نخلق من أنفسنا أحيانًا شياطين. فلنصنع أنفسنا بأنفسنا.. ولكن لا ينبغى علينا أن نفسد الفطرة السليمة التي فطرنا الله عليها.

الجريدة الرسمية