رئيس التحرير
عصام كامل

مونتاچ "القرآن الكريم"!

هذه رسالة مفتوحة لرئيس الإذاعة المصرية محمد نوار، ورئيس شبكة القرآن الكريم رضا عبد السلام. اغضبا من أجل كتاب الله واعملا عملًا يخلده التاريخ لكما. كثيرٌ جدًا من التلاوات القرآنية الخارجية، القديمة والحديثة، تشوبُها هتافاتٌ وتجاوزاتٌ غيرُ مقبولة تصل إلى حد الشطط والفوضى العارمة. بعضُها يكون تلقائيًا من مُستمعين يفتقدون إلى الحكمة والرشد ويعدمون توقير كلام الله تعالى، وبعضُها صادرٌ عن مستمعين يستأجرهم بعضُ القراء لأسبابٍ معلومةٍ.

 

في العام 1951..نشرت مجلة "الراديو المصري" رسائل كثيرة تُعلن الاستياء العام والاستنكار للضوضاء التي يُحدثها نفرٌ من الجمهور في المساجد أثناء إذاعة الأمسيات والفعاليات الدينية، خاصة عند تلاوة القرآن الكريم. وبحسب المجلة.. فإنَّ إدارة الإذاعة –يومئذٍ- وجَّهتْ المُشرفين على الاحتفالات الدينية بالمساجد بأن يتدخلوا لمنع هذه الضوضاء فورًا، كما أمرتهم بعدم النقل أو التسجيل من المساجد التي لا يراعي روادُها آداب الاستماع إلى القرآن الكريم. 

 

ورغم مرور أكثر من 70 عامًا على هذه الواقعة إلا إنَّ شيئًا لم يتغير، ولا يزال التقصير بحق القرآن الكريم مستمرًا. ورغم اختلاف الزمان غير الزمان وتعدُدِ منابر الوعي إلا أنَّ هذه الفوضى لم تنتهِ ولم تُلقِ أوزارها بعد، بل أصبحت هذه الظاهرة الآثمة تتفاقم وتتخذ أبعادًا أكثر حماقة وجهالة؛ خاصة في ظل الهواتف الذكية وإمكانية تصوير هذه التلاوات وتحميلها بما يكتنفها من إساءة أدب في بيوت الله ومع كلامه الكريم، على موقع الفيديوهات المصورة "يوتيوب".

 

الإستعانة بالهتيفة

 

من أجل ذلك.. أناشد رئيس الإذاعة ورئيس شبكة القرآن الكريم باتخاذ الإجراءات العاجلة والتدابير اللازمة لكبح جماح هذه السخائف التي تجاوزت الخيال من خلال محورين أساسيين. المحور الأول يتمثل في مراجعة التلاوات القديمة التي يشوبها هتافات زاعقة وصراخ جنوني من المستمعين، وهي كثيرة جدًا، وتنقيتها عبر أجهزة المونتاچ الحديثة ذات التقنيات المتقدمة من كل هذه التجاوزات، وحجبها بالكامل إذا تطلب الأمر، وهذا أمرٌ ليس صعبًا أو مستحيلًا. والمحور الثاني يتمثل في ضرورة التنبيه على القراء الحاليين بالتوقف عن استئجار بعض الأشخاص؛ من أجل "تصييتهم" وإظهارهم في صورة القراء المبدعين  من خلال المناسبات الدينية التي يتم تسجيلها بالمساجد المختلفة، ومقاطعة القراء الذين يخونون الأمانة ويصرون على اقتراف هذا المسلك الشائن، وعدم الاستعانة بهم.

 

قبل عامين..حضرتُ –بالصدفة- تسجيل أمسية دينية بأحد المساجد الكبرى بوسط القاهرة، ورغم تذكير المذيع للحضور بقوله تعالى: "وإذا قُريء القرآنُ فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون"، ورغم الأداء الباهت والمتداعي للقاريء إلا أنَّ ثلة من الحاضرين احتشدوا بالقرب منه ومن مكبر الصوت، ولم يتوقفوا عن إحداث الضوضاء وإطلاق أوصاف أسطورية على "مولاهم صاحب الفضيلة"، وكأنهم في مباراة لكرة القدم أو في أمسية فنية لأحد مطربي المهرجانات، ولم يتوقفوا إلا مع انتهاء التلاوة. وعندما انفضَّتْ الأمسية استفسرتُ عن هوية هؤلاء "الهتيفة" فعلمتُ أن القاريء الشيخ، وهو إذاعيٌّ قديمُ ومُحكم دوليٌّ قديرٌ، يصطحبهم على نفقته الخاصة أينما حلَّ أو ارتحل؛ باعتبارهم "شيء لزوم الشيء"..وهذه-وأيم اللهِ- لإحدى الكُبَر!!

 

ولأنَّ الشيء بالشيء يُذكر.. فإنَّ الصحف المصرية نشرت في مايو 2004 تقريرًا يفيد بأنَّ رئيس شبكة القرآن الكريم – يومئذ- الدكتورة هاجر سعد الدين عقدت اجتماعًا مع ثمانين قارئًا بمُختلف الشبكات الإذاعية لتحذيرهم مِن الاستعانة بـ"الهتيفة"، وكان ذلك في حضور نقيب القراء السابق الشيخ أبو العينين شعيشع والشيخ محمود طنطاوي رئيس لجنة المصحف بالأزهر الأسبق- رَحِمَهما الله-  وعدد آخر من مسؤولي الإذاعة، ما يعني أننا بصدد "فوضى تاريخية" يصنعُها مَن يجب أن يكونوا مؤتمنين على كتاب الله تعالى أكثر من غيرهم! 

 

ولأنَّ من أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب.. فإنَّ هذا الانفلات الأخلاقي من بعض القراء وبعض المستمعين يتفاقم يومًا بعد يوم.. ما لكم لا تجعلون لله وقارًا؟! ربما كانت التجاوزات التي تشوب التلاوات العتيقة والقديمة ناجمة عن انبهار بعض البسطاء بإبداع عمالقة دولة التلاوة المتقدمين، وهي -كما أسلفنا- مرفوضة وغير مبررة، أمَّا التجاوزات المصاحبة للتلاوات الحديثة فهي مصطنعة ومدفوعة مقدمًا، ولا يجب غضُّ الطرف عن هذه أو تلك أو التهاون فيهما؛ لأنَّ كتاب الله تعالى أولى من غيره بالاهتمام والاحترام وعدم تركه ساحة مُستباحة لبعض الجهال والحمقى والمجاذيب، فضلًا عن أنه لم يعد هناك قاريء إذاعي واحد قادر على إثارة الدهشة وانتزاع الإعجاب مثل أكابر دولة التلاوة رحمهم الله جميعًا.

 

 

من أجل ما تقدم.. فإننا نطلق هذه الدعوة خالصة لوجه تعالى بضرورة إعادة الاحترام والتوقير والتقدير لكلام الله تعالى من خلال اتخاذ الإجراءات العاجلة  واللازمة لتنقية التلاوات التي يتم إذاعتها عبر أثير الإذاعة المصرية، ولا سيما شبكة القرآن الكريم، من كل هذه التصرفات غير اللائقة والمفسدة للأجواء الروحانية لكتاب الله العظيم.. فهل أنتم فاعلون؟!

الجريدة الرسمية