رئيس التحرير
عصام كامل

6 مبادئ لفض الاشتباك بين الرأي العام وأهل الفن.. أبرزها "من حق الشعب أن يتنفس ومفكريه حرية التعبير"

محكمة
محكمة

الفن لا يمكن أن يعيش بلا حرية، وهو وثيق الصلة بالصراع بين الخير والشر والقبح والجمال قوام الحياة الإنسانية، وتثير بعض الأعمال الفنية من بين الحين والأخر صخبا مجتمعيا كبيرا إذا ما مست تقاليد المجتمع وأخلاقياته من وجهة نظر الرأى العام ولا يراه الفنانون كذلك، مما يثير التشابك بين الطرفين ويلزم فض هذا التشابك من طرف محايد بسياج القانون المنظم لحياة المجتمعات.

حرية الفن 

ويثور التساؤل حول مدى حرية الفن،  هل يتجرد من كل شئ  ويصبح مطلقا أيًا كان أم يتقيد بضوابط تحد  من حريته لصالح المجتمعات ؟  نجد الإجابة على هذه التساؤلات فى أحدث دراسة قانونية متميزة، للفقيه  المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان: "مدى حرية الفن  بين محاكمة الإبداع والمقومات الأساسية للأمة المصرية" ونعرض للجزء الرابع والأخير من تلك الدراسة المهمة لفض التشابك بين الرأى العام وأهل الفن في 6 عناصر فيما يلى:
1- الفن أهل يتحملون تبعاته، ولابد للفنانين أنفسهم أن يتفقوا على إعادة صياغة مفهوم حرية الفن وهناك فرقًا وخيطًا رفيعًا  بين الحرية الإبداعية والديكتاتورية الفنية

2- الدستور المصري مسايرًا الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان كفل حرية الفكر والفن والإبداع والعمل الفنى معصوما من  أى أغلال أو قيود  سوى التي تفرزها تقاليد المجتمع وقيمه وثوابته

3- الفن من وسائل التنوير للمبدع بلا حدود وللمتلقين حق رفضها أو قبولها  بشرط احترام فکری متبادل ولو كان المشاهد بسيطًا من أوساط الناس. 

4- حق الشعب أن يتنفس ومفكريه حرية التعبير بما لا ينال من ثوابت الأمة  المصرية والحرية المسئولة هي دواء كل الفتن وإنقاذ إفساد الذوق العام. 

5- ايرادات الشباك لا تصلح  وحدها مبررًا لصلاحية العمل الفنى والعبرة بما يحدثه من انعكاسات على المجتمع لا بما يحققه الشباك من إيرادات مادية. 

6- هناك فرقًا بين المظهر الداخلى لحق الإبداع وهو مطلق والمظهر الخارجى له وهو نسبى وثيق الصلة بالجانب الاجتماعي يتقيد بالضوابط التي تضعها الدولة مستلهمة  نبض الجماهير وإيقاع الرأي العام. 

الفن الحقيقي الهادف

وقال الفقيه المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى أن الإبداع لا يعني استقلال أهل الفن بذاتهم بعيدًا عن مشكلات المجتمع، بل إن حقيق الإبداع يكمن فى الخوض في مشكلات المجتمع والعيش فيه بالتناول وبالتحليل والتفسير والنقد والقدح والمعالجة للبحث عن حلول مبتكرة مستجدة والأخيرة هى رسالة الفن الحقيقي الهادف، وإذا كان الإبداع عملًا فرديا أو جماعيًا فهو رسالة مجتمعية تبغى الارتقاء بالمجتمع لرفع بنيته المعنوية نحو الأفضل، ومن ثم فإن الفنان الحقيقى الذى يعيش خالدا بين جمهوره هو الذى يجب أن يتجاوز ذاتيته الشخصية ورؤيته النفسية ليعبر بهما عن حقيق مجتمعه ليضيف إليه معان مستجدة من الايجابية والتقدم والرقى والفضيلة ولو على حساب ما يعالجه من ظواهر الرذيلة والجريمة ليستشرق المجتمع به ويساهم فى  القدرة على تغيير المجتمع نحو الأفضل.

المبدع لا يردد أفكار غيره  

وأضاف المستشار خفاجى أن الإبداع الفنى أو الثقافى هو عبارة عن موقف حر واع من الفنان والمبدع يتناول فيه ألوانًا من الفنون والثقافات تتعدد أشكالها وصورها، وتتباين طرائق التعبير عنها، فلا يتناول ما هو نقل كامل عن آخرين، ولا ترديد لآراء وأفكار يتداولها غيره  بل يتعين أن يكون بعيدًا عن التقليد والمحاكاة، وأن ينحلّ عملًا ذهنيًا وجهدًا خلاّقًا، ولو لم يكـن ابتكارًا كاملًا جديدًا كل الجدة، وأن يتخـذ كذلك ثوبًا ماديًا فعمل  الفنان المبدع لا ينغلق به استئثارًا، بل يتعداه إلى الناس انتشارًا ليصبح مؤثرًا فيهم برسالته، فحرية الفن والإبداع صار تشجيعها مطلوبًا عملًا بالدستور الذي تكفل لكل مواطن مبدع بحرية الإبداع الأدبي والفنى والثقافى مع ضمان وسائل تشجيعها، مؤكدًا بذلك أن لكل فرد مجالًا حرًا لتطوير ملكاته وقدراته، فلا يجوز تنحيتها أو فرض قيود جائرة تحد منها، ذلك أن حرية الإبداع تمثل جوهر النفس البشرية وأعمق معطياتها، وصقل عناصر الخلق فيها، وإذكاؤها كافل لحيويتها، فلا تكون جثة هامدة دون حراك، وهي تكون جثة فنية لا فائدة ترجى منها إذا خلت من ثمة رسالة ايجابية تبعثها للمجتمع من وراء العمل الفني. 

قيم المجتمع وتقاليده

وأوضح  المستشار خفاجى أن الفن بما يحمله من إبداع لا ينفصل عن حرية التعبير، بل هو من روافدها، يتدفق عطاءً عن طريق قنواتها، وإذا كان القضاء يؤمن بأن قهر الإبداع هو عدوان مباشر عليه، فإنه وبذات القدر يؤمن بأن حريـة التعبير عن الآراء ونشرها بكل الوسائل المنصـوص عليهـا قانونا يجب أن يظل الإبداع الفني والثقافي خلالها في إطار قيم المجتمع وتقاليده وألا يمس أخلاقيات المجتمع وعقائد الناس ومقدساتهم الدينية التي تحوط لها الدستور وكفل حمايتها. 

وأشار  المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى أنه وفقا للقانون رقم 35 لسنة 1978 فى شأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية هناك ثلاث نقابات معنية بالفن بوجه عام هى: 1- نقابة المهن التمثيلية 2-  نقابة المهن السينمائية 3- نقابة المهن الموسيقية. ولكل نقابة شخصيتها الاعتبارية المستقلة، حيث تضم نقابة المهن التمثيلية جميع المشتغلين بفنون التمثيل للسينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة والإخراج المسرحي وإدارة المسرح والمكياج والتلقين وتصميم المناظر والملابس المسرحية والفنون الشعبية والبالية ومؤدى ولاعبى العرائس وغيرهم، كما تضم نقابة المهن السينمائية جميع المشتغلين بفنون الإخراج والسيناريو والتصوير وإدارة الإنتاج والمونتاج والمناظر والمكياج والصوت والمعامل وذلك فى قطاعات السينما والإذاعة المرئية " التليفزيون". بينما تضم نقابة المهن الموسيقية جميع المشتغلين بفنون الغناء بأنواعه المختلفة والعزف بأنواعه المختلفة والتأليف الموسيقى والتلحين والتوزيع الموسيقى وقيادة الفرق الموسيقية والتاريخ الموسيقى. ويجوز أن تضم كل نقابة إلى عضويتها النقاد المسرحيين والسينمائيين والموسيقيين وكتاب النصوص المسرحية والسينمائية والموسيقية بما يتفق وتخصص كل منهم. 
وقال المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى: تهدف كل نقابة من النقابات سالفة الذكر لتحقيق ما يخصها فيما يأتي: النهوض بفنون المسرح والسينما والموسيقى، والمحافظة على التراث الإنساني والقومي بوجه خاص المصرى والعربي في هذه الفنون وتطويرها وفقًا لمقتضيات التقدم العالمي بما يجمع بين الأصالة والمعاصرة. والعمل على نشر وعرض وإذاعة الأعمال الفنية لأعضاء النقابة فى الداخل والخارج وتوفير العناصر الملائمة والإمكانات المتطورة اللازمة لهذا الغرض، وتنشيط الدراسات الفنية والإبداعية وتشجيع القائمين بها ورفع المستوى الفني والعلمي لأعضاء النقابة وترشيح العناصر المتميزة في مجالها الفني لجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية على اختلاف أنواعها.

وأعرب المستشار خفاجى أن المشرع في القانون رقم 158 لسنة 1981 بشأن تنظيم أكاديمية الفنون اختص أكاديمية الفنون بكل ما يتعلق بتعليم الفنون والبحوث العلمية التي تقوم بها معاهدها في سبيل خدمة المجتمع والارتقاء به حضاريًا، كما تسهم في رقي الفكر والفن والقيم الإنسانية والاتجاه بالفنون اتجاها قوميًا يرعى تراث البلاد وأصالتها وإعداد المختصين في المجالات التي تختص بها، كما تعمل على توثيق الروابط الثقافية والفنية مع الأجهزة المشتغلة بالفنون في الوطن العربي والدول الأجنبية على الصعيدين المحلي والعالمي. وذلك في جميع معاهد الأكاديمية وهي: المعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقى ( الكونسرفاتوار) والمعهد العالي للسينما. والمعهد العالي للباليه، والمعهد العالي للموسيقى العربية، والمعهد العالي للنقد الفني، والمعهد العالي للفنون الشعبية.

الجريدة الرسمية