رئيس التحرير
عصام كامل

مطالب بالتوسع في التعليم الخاص والدولي.. وحل أزمة الكثافة وخفض المصروفات أبرز الأسباب

 التعليم الخاص
التعليم الخاص

منذ نهايات عقد التسعينيات، وعلى مدار الثلاثين عامًا الأخيرة واجه التعليم الخاص الكثير من التحديات ووضعت العديد من العراقيل والعقبات التى تسببت فى الحد من التوسع فى هذا النوع من التعليم، ورغم أن هذا التعليم قام بعبء كبير فيما يتعلق بالتعليمين: الابتدائى والثانوى طوال فترة الاحتلال الإنجليزى وحتى بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، وكان بمدارسه ما يقرب من 60% من العدد الكلى من طلاب هذين التعليمين بمصر فى فترة الاستقلال الجزئى زمن الاحتلال البريطانى، وعدد مدارسه فى التعليم الابتدائى كان أكثر من ثلاثة أضعاف المدارس الحكومية وضعفه فى المدارس الثانوية، وذلك وفقًا لما ذكره الدكتور سعيد إسماعيل على فى كتابه عن تاريخ التربية والتعليم فى مصر، إلا أن هذه الأرقام تغيرت كثيرًا حتى وصلت نسبة التعليم الخاص فى مصر حاليًا نحو 16% فقط من إجمالى المدارس.

 

البداية

كانت نسبة التلاميذ فى المدارس الخاصة عام 1985 قد وصلت إلى 5.2%، ثم زادت تلك النسبة فى عام 1990/1991 إلى 6.3%، ثم وصلت إلى 7.5% عام 1998/1999، وفى عام 2017 وصلت نسبة المدارس الخاصة إلى 14.2% من إجمالى التعليم المصرى فى مرحلة ما قبل الجامعة، ثم ارتفعت تلك النسبة عام 2021 إلى حوالى 16% من إجمالى عدد المدارس، وتضم تلك المدارس أكثر من مليونى طالب وطالبة بنسبة تصل إلى نحو 10% من إجمالى عدد الطلاب على مستوى الجمهورية، هذا التراجع فى نسبة التعليم الخاص -قياسا بالتعليم الحكومي- سببه الرئيس يعود إلى التحديات التى يواجهها التعليم الخاص حاليًا، وبالرغم من حاجة الدولة إلى التوسع فى هذا القطاع لتوفير التعليم المناسب لكافة أبناء الشعب إلا أن ما يحدث على أرض الواقع يخالف ذلك تمامًا.

رغم اعتراف وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور حسين كامل بهاء الدين -فى كتابه عن التعليم والمستقبل- بتفوق المدارس الخاصة على المدارس الحكومية فى العملية، إلا أن ذلك لم يُجْدِ كثيرًا أمام العراقيل والعقبات الإدارية التى واجهت وتواجه المدارس الخاصة. هناك تحديات أكثر خطورة تتمثل فى الصورة الذهنية السلبية التى يصدرها البعض عن المدارس الخاصة وأصحابها، غافلين حجم الدور الذى تلعبه تلك المؤسسات فى بناء الإنسان المصرى. 

التحديات الصعبة التى تواجه هذه المؤسسات يأتى على رأسها النظرة الخاطئة لتلك المؤسسات وأنها أماكن لجباية الأموال، وأن التوسع فيها يكرس للطبقية ويعمق لعدم المساواة بين الطبقات.

يرى خبراء تربويون أنه فى ظل المساعى التى تبذلها الدولة للنهوض بالعملية التعليمية وبناء منظومة تعليمية جديدة تقدم مخرجات تعليمية بمستويات عالمية تصبح الحاجة ماسَّة إلى التوسع فى مجال التعليم الخاص الذى يخدم أبناء الطبقة المتوسطة والشريحة العليا من الطبقة الفقيرة، من أجل توفير جهود الدولة وأموالها وبذلها فى اتجاهات أخرى للارتقاء بالمنظومة التعليمية، ومن ثَمَّ إنشاء مدارس حكومية ذات مستوى عال للطلاب الذين لا يستطيعون تحمل نفقات الخدمة فى المدارس التى تعمل بمصروفات.

وتؤكد بحوث اقتصاديات التعليم أن زيادة عدد المدارس الخاصة حتى تصل إلى نسبة 25% من إجمالى عدد المدارس الموجودة أو أكثر من ذلك يعنى إتاحة فرص أفضل لتعليم أبناء غير القادرين، وإتاحة مساحة أكبر للدولة للتحرك وتوظف ميزانية التعليم فى صورة تحسين للخدمة، وكذلك يسهم فى خفض كثافات الفصول، كما أن انتشار المدارس الخاصة وتحديدًا مدارس اللغات سيقضى على مشكلات زيادة المصروفات الدراسية؛ لأن ولى الأمر وقتها سيكون لديه أكثر من خيار يُمكنه الاختيار من بينها بما يتلاءم مع ظروفه وإمكانات واستعدادات ابنه أو ابنته.

 

فرصة الفقراء

يؤكد التقرير الذى أعده جيمس تولى ونشرته مجلة رسالة اليونيسكو أن "التعليم الخاص أفضل فرصة للفقير"، ولعل التجرِبة الهندية التى أشار إليها التقرير وبنى عليها نتائجه تؤكد تلك الحقيقة؛ حيث كانت أوضاع التعليم فى الهند أسوأ كثيرًا من أوضاع التعليم لدينا، والاستعانة بنتائج التعداد العام للسكان والإسكان والمنشآت لعام 2017 الصادر عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء خير دليل على مدى أهمية التوسع فى مجال التعليم الخاص وإنشاء مدرسة فى كل مكان يصلح لبناء المدارس؛ من أجل استيعاب كافة الأطفال فى سن التعليم، وتوفير تمويل الحكومة لتوجيهه لتعليم الفئات الفقيرة توفير الأدوات اللازمة للارتقاء بالمدارس الحكومية.

النتائج التى أوردها التعداد السكانى فى ملف التعليم صادمة؛ حيث كشف التعداد أن الفئة العمرية أقل من 15 سنة تشكل ثلث المجتمع المصرى بنحو 34.2%، وهذه الفئة العمرية هى نفس فئة الطلاب فى مرحلة التعليم قبل الجامعى. التعداد المذكور أشار إلى أن نسبة الأمية بلغت 25.8% بين السكان المصريين من عمر 10 سنوات فأكثر، وهذه النسبة ضخمة جدًا، وترتفع النسبة بين الإناث إلى 30.8% مقابل 21.2% للذكور.

كما نوَّه إلى أن 18.8% من المصريين حاصلون على مؤهل أقل من متوسط، و22.2% حاصلون على مؤهل متوسط دبلوم فنى، و6.9% حاصلون على الثانوية سواء عامة أو أزهرية، و12.4% حاصلون على مؤهل جامعى فأعلى، وأن 30.2% من السكان ملتحقون بالتعليم من سن 4 سنوات فأكثر، و35.6% أتموا دراستهم، و26.8% من إجمالى السكان المصريين لم يلتحقوا بالتعليم مطلقا، كما أن 7.3% من السكان تسربوا من التعليم بعد التحاقهم بالمدارس، وكانت أبرز أسباب التسرب من التعليم الإعاقة أو انفصال الوالدين ومشكلات الأسرة.

النسب التى أوردها التعداد السكانى تؤكد حجم المأساة التى يعيشها التعليم المصرى، والتى تؤثر بالسلب على التنمية المطلوبة، هناك ارتباط وثيق بين مستويات الفقر ومعدلاته وبين مستويات التعليم، فمن المُسلم به أن نسبة الفقر تتناسب عكسيا مع التعليم، فكلما ارتفع المستوى التعليمى انخفض مستوى الفقر، بحيث نجد معدل الفقر بين الذين يقل مستوى تعليمهم عن الابتدائى أضعاف الذين أتموا دراستهم الجامعية.

 

مطالب التوسع

وبحسب دراسات المتخصصين فى اقتصاديات التعليم، فإن التوسع فى التعليم الخاص يضاعف المنافسة بين تلك المدارس لتقديم أفضل مستوى للخدمات التعليمية، كما أنه يمثل أملًا كبيرًا أمام الأطفال الفقراء فى الحصول على تعليم جيد فى المدارس الحكومية، فكلما زادت نسبة الطلاب داخل تلك المدارس من أبناء الطبقة المتوسطة القادرين على تحمل نفقات تعليمهم انعكس ذلك إيجابيًا على الكثافات الطلابية داخل المدارس الحكومية، وانخفاض نسبة الكثافة داخل الفصول يساهم بشكل كبير فى تحسين مستويات التعليم، ويساعد الدولة على تطبيق إستراتيجيتها نحو بناء مجتمع معرفى قائم على التعلم المستمر.

تؤكد الدراسات أنه من غير المعقول إن يحصل طالب على كفايته التعليمية فى مجتمع مدرسى يصل فيه عدد الطلاب فى الفصل الواحد إلى أكثر من 100 طالب كما هو الحال فى العديد من مدارس الجيزة مثلًا، كما أن قلة عدد المدارس الخاصة يجعل هناك فرصًا أقل فى الاختيار لأولياء الأمور الراغبين فى إلحاق أبنائهم بالمدارس المميزة لضمان مستقبل جيد لهم، ويؤدى ذلك إلى انحراف البعض باللجوء للرشاوى والوساطات من أجل إلحاق أبنائهم بإحدى المدارس. تقف الدولة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم أمام مثل هذه التصرفات عاجزة أحيانا؛ لأنها من ناحية تواجه ضغوطًا كبيرة من أولياء الأمور الراغبين فى إلحاق أبنائهم بمستويات تعليمية مميزة، ومن ناحية ثانية.. تقف عاجزة عن توفير تلك المستويات فى مدارسها التى تئن من المشكلات.

حل هذه المشكلة يكمن فى فتح الباب للاستثمار فى التعليم بشكل أوسع، وأن تكون الوزارة مراقبًا لجودة المنتج التعليمى المقدم داخل تلك المدارس، وأن توفر جهودها للارتقاء والتوسع فى المدارس الحكومية من أجل تحقيق الهدف المرجو وهو بناء وتكوين مجتمع معرفى قادر على المنافسة العالمية. وهذا أيضا كفيل بأن تتغير نظرة المجتمع إلى المدارس الخاصة، ويرى أولياء الأمور أنهم شركاء لتلك المدارس فى المسئولية الوطنية التى تقوم بها بتعليم أبنائهم بالصورة التى تحافظ على هويتهم وتنمى لديهم روح الولاء والانتماء للوطن.

وتتمثل دوافع أولياء الأمور فى إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة فى حرصهم على استمرار تفوق أبنائهم، وإكسابهم سلوكيات سليمة؛ بسبب حالات الانضباط داخل تلك المؤسسات التعليمية، وتقديمها لخدمة تعليمية مميزة، إجادة العاملين بالمدارس الخاصة أسلوب التعامل الأمثل مع أولياء الأمور، ومتابعة المعلمين فى المدارس الخاصة لطلابهم، وتوفير الأنشطة المتنوعة، ومستوى الأبنية المدرسية قياسا بالأبنية المدرسية للمدارس الحكومية، والكثافة الطلابية المنخفضة فى فصول المدارس الخاصة، بجانب قلة الفرص التعليمية المميزة المتاحة فى المدارس الحكومية.

 

نقلًا عن العدد الورقي…

الجريدة الرسمية