رئيس التحرير
عصام كامل

بلد العميان!

فى قصته الرائعة بلد العميان يحدثنا الكاتب البريطانى "هربرت جورج ويلز" عن مرض غريب انتشر فى قرية نائية معزولة عن العالم بجبال الأنديز، فأصاب معظم سكان القرية بالعمى. ومنذ تلك اللحظة انقطعت صلتهم بالخارج، ولم يغادروا قريتهم قط، ومع مرور الوقت تكيفوا مع العمى، وأنجبوا أبناء عُميانا جيلا بعد جيل، حتى أصبح كل سكان القرية من العميان، ولم يعد بينهم مبصر واحد.

 

وذات يوم، وبينما كان متسلق الجبال (نيونز) يمارس هوايته انزلقت قدمه فسقط من أعلى قمة الجبل إلى القرية، ولم يُصب الرجل بأذى، إذ سقط على عروش أشجار القرية الثلجية، وأول ملاحظة له كانت أن البيوت بدون نوافذ وأن جدرانها مطلية بألوان صارخة وبطريقة فوضوية.. فحدث نفسه قائلًا: لا بُد أن الذى بنى هذه البيوت شخص أعمى.

 

التطور وبلد العميان

 

وعندما توغل إلى وسط القرية بدأ فى مناداة الناس، فلاحظ أنهم يمرون بالقرب منه ولا أحد يلتفت إليه، وهنا أدرك أنه فى (بلد العُميان)، فذهب إلى مجموعة منهم وبدأ يعرفهم بنفسه.. من هو؟.. وما الظروف التى أوصلته إلى قريتهم، وكيف أن الناس فى بلده (يبصرون)، وما أن نطق بهذه الكلمة.. أحس بخطر المشكلة، وانهالت عليه الأسئلة: ما معنى يبصرون؟ وكيف؟ وبأى طريقة يبصر الناس؟ وعندما شرح لهم سخروا منه وبدءوا يقهقهون..

 

بل ووصلوا إلى أبعد من ذلك حين اتهموه بالجنون وقرر بعضهم إزالة عينيه، حيث اعتبروها مصدر هذيانه وجنونه.

 لم ينجح بطل القصة (نيونز) فى شرح معنى البصر، وكيف يفهم من لا يبصر معنى البصر؟ فهرب قبل أن يقتلعوا عينيه وهو يتساءل: كيف يصبح العمى صحيا بينما البصر مرضًا؟!

مع كل الأسف أصبح بيننا الآن يا صديقى عدد ليس بقليل من أعوان الشيطان الذين يريدون لبلادنا أن تصبح شبيهة بـ بلد العميان.. يروجون للرذائل والفساد وكل ما يغضب الله بمنتهى الفجور بدعوى العصرية والتطور، ويريدون من الجميع أن يعتاد على ذلك حتى نصبح جميعًا صورة طبق الأصل من بلد العميان.

 

يقول أمير الشعراء أحمد شوقى:

ما كان فى ماضى الزَّمانِ مُحَرَّمًا

لِلنَّاسِ فى هذا الزَّمَانِ مُبَاحُ..

صاغوا نُعُوتَ فضائلٍ لِعُيُوبِهِمْ

فَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ والإصلاح..

فالفَتْكُ فَنٌّ وَالخِداعُ سياسة 

وغِنَى اللُّصُوصِ بَرَاعة ونجاحُ..

والعُرْى ظُرْفٌ والفسادُ تَمَدُّنٌ

والكِذبُ لُطْفٌ وَالرِّيَاءُ صَلاَحُ

 

 

مصر العظيمة لن تصبح أبدا بإذن الله مسرحًا للتدنى رغم أنف عراة المهرجانات، ورغم أنف انحطاط كلمات بعض الجهلة الذين يصرون على الهبوط بالذوق العام والأخلاق إلى الحضيض، وستبقى بأزهرها وكنيستها وأهلها الطيبين الطاهرين حامية للقيم والأخلاق إلى يوم الدين بإذن الله مهما حاولوا.

الجريدة الرسمية