رئيس التحرير
عصام كامل

اللواء مختار قنديل أحد أبطال حرب أكتوبر: «سقوط الفانتوم» أقسى أسبوع مر على إسرائيل | حوار

اللواء محمد مختار
اللواء محمد مختار قنديل، أحد أبطال سلاح المهندسين العسكريين

استعدنا قوتنا فى وقت قياسى بعد الهزيمة

سلاح المهندسين العسكريين كان له دور كبير فى إزالة الساتر الترابى وتمهيده لعبور القوات إلى الضفة الشرقية وسيناء

«عبد الناصر» قبل مبادرة «روجرز» لإيقاف القتال.. وضحك على إسرائيل بتحريكه كتائب الصواريخ إلى الأمام
 حائط الصواريخ كان مفاجأة أفقدت العدو الإسرائيلى تفوقه الجوى وأنهت محاولات اقتحامه العمق المصري
 قضينا على «الساتر الترابى» بخراطيم المياه بعدما أشاع العدو أنه يحتاج لقنابل ذرية لهدمه بخراطيم المياه

يظل عبور قناة السويس يوم السادس من أكتوبر ٧٣ أسطورة تعجز الكلمات عن وصفها، ومهما سمعنا من روايات لأبطال شاركوا فى العبور، لا تزال الذاكرة المصرية الشعبية فى حاجة إلى مزيد من «حكايات البطولات»، فعبور قناة السويس كان حلم الجيش والشعب المصرى، لتحرير سيناء وإيقاف العدو الإسرائيلي المغتصب عند حده وإعطائه درسا لا ينساه.
ورغم مرور ٤٨ عاما على انتصارات أكتوبر المجيدة، غير أنه لا تزال هناك أسرار حتى الآن فى خزائن الأبطال، نلقى الضوء عليها ليعرف تفاصيلها الجيل الحالى والأجيال القادمة، ومن هؤلاء الأبطال اللواء محمد مختار قنديل، أحد أبطال سلاح المهندسين العسكريين فى حرب أكتوبر الذى يروى فى حوار لـ«فيتو» كواليس جديدة عن أيام «العبور المجيد».. فإلى نص الحوار:
* بداية.. متى كانت أولى خطوات داخل القوات المسلحة؟

منذ صغرى كان حلمى أن أصبح ضابطا بالقوات المسلحة، وبعد تخرجى من كلية الهندسة جامعة عين شمس، التحقت بالقوات المسلحة عام ٦٤ ضابط مؤهلات بسلاح المهندسين، ووزعت على أحد المواقع فى مدينة «شرم الشيخ»، وكنت أشاهد طائرات العدو الإسرائيلى وهى تقصف المطارات والطائرات على الأرض، كانت هزيمة صعبة جدا بالنسبة لى ولأبناء جيلى كله، لكنى دائما أؤمن أن النجاح لا يأتى إلا من رحم الألم، وهذا ما حدث فعلًا.

* رغم الهزيمة.. استطاعت القوات المسلحة إعادة بناء قوتها وصنعت منها نصرًا كبيرًا.. من واقع تجربتك كيف تمكنت قوات الدفاع الجوى من كسر الذراع الطولى لإسرائيل؟

مصر دائما تنتصر وهذا الأمر معروف منذ القدم لأننا لم نعتدِ أبدا على أحد، ولسنا دولة احتلال، ولكننا دولة تحب الاستقرار والأمان، لذا عندما حدثت نكسة ٦٧ درسنا نقاط الضعف والأسباب وراء هذه الهزيمة وحجم الخسائر، وبدأنا فى حرب الاستنزاف، عن طريق تنفيذ عمليات ناجحة تستنزف العدو الإسرائيلى ماديا ومعنويا حتى يعلم أن وجوده فى سيناء لن يستمر طويلا، وفى نفس التوقيت بدأنا فى إعادة التسليح والتدريب الشاق استعدادا للمعركة الكبرى، وأن نفرض على العدو المواجهة المباشرة.

من أهم نقاط القوة فى العدو الإسرائيلى كانت يده الطولى أو قواته الجوية التى كانت تتسلح بأحدث الطائرات الأمريكية والأوروبية وقت الحرب، ونحن لا نملك سوى طائرات حربية قليلة بعضها من الحرب العالمية الثانية، لكننا تدربنا عليها جيدا، وأعدنا إمداد القوات الجوية بطائرات جديدة قادرة على تنفيذ المهام بعيدة المدى، لكنها لم تكن بنفس كفاءة طائرات العدو، لذلك كان هناك تكامل بين القوات الجوية والدفاع الجوى حتى تنجح المعركة.

وأذكر هنا أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، أصدر قرارا بإنشاء قوات الدفاع الجوى لتكون القوة الرابعة فى الجيش المصرى، وبدأت ملحمة بناء حائط الصواريخ الذى كان فيه الشعب والجيش أبطالا، حيث تم بناء قواعد الصواريخ بواسطة شركات مقاولات مدنية بالتعاون مع سلاح المهندسين، وكانت الشركات تبنى ليلا وإسرائيل تضرب المواقع بالنهار، وراح ضحية هذه الضربات شهداء كثير من المدنيين الذى كانوا يعملون فيه حتى اكتمل.

*اروِ لنا تفاصيل وكواليس أسبوع «تساقط الطائرات».

فى مارس ٦٩ قبل الرئيس جمال عبد الناصر مبادرة روجرز بوقف إطلاق النار، ووافقت إسرائيل، عندها قامت كتائب الصواريخ بعمل وثبات للإمام حتى وصلت بطول الشاطئ الغربى للقناة ويوم ٣٠ يونيو 1970 شنت إسرائيل هجمات جوية على مصر مرة أخرى، لكن المفاجأة إسقاط ٤ طائرات من طراز الفانتوم والإسكاى هوك بواسطة كتائب الدفاع الجوى، وحاولت طوال أسبوع كامل اختراق حائط الصواريخ، لكنها تكبدت خسائر ٢٤ طائرة من طراز الفانتوم وسكاى هوك، ما جعلها تصرخ من حجم الخسائر فيما سمى وقتها بـ«أسبوع تساقط الفانتوم».

وقالت وقتها جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل: «كتائب الصواريخ المصرية كعش الغراب كلما دمرنا إحداها نبتت أخرى بدلا منها»، وهذه الانتصارات رفعت الروح المعنوية، ليس لسلاح المهندسين أو الدفاع الجوى فقط، بل لكل أبناء الجيش المصرى الذى اطمأنوا لوجود مظلة جوية تمكنت من قطع اليد الطولى لإسرائيل التى كانت كل يوم تضرب مواقع مدنية وعسكرية مثل مدرسة بحر البقر الابتدائية واستشهاد ٤٤ من أطفالها ومصانع أبو زعبل للحديد والصلب وضرب قناطر قنا، فكل عملية ناجحة كانت تقوم بها قوات الصاعقة المصرية داخل سيناء، كان يعقبها ضرب للمدنيين، وأخيرا جاء الخلاص، وبدأنا فى التدريبات الشاقة للعبور العظيم.
 

* ما أبرز ذكرياتك فى يوم السادس من أكتوبر؟

يوم السادس من أكتوبر كنت على ضفة القناة، وكنت برتبة رائد بسلاح المهندسين بالجيش الثانى الميدانى، وكنا قد درسنا وتحضرنا وأعددنا لكل صغيرة وكبيرة للعبور، فكانت مهمتنا نحن فى سلاح المهندسين إقامة الكبارى العائمة بداية من إعداد سلالم صعود الأفراد على الساتر الترابى ثم خراطيم المياه وفتح الثغرات فى الساتر الترابى وبعدها نفخ القوارب وفرد الكبارى المطاطة، وبعدها تهيئة الفتحات بالبلدوزر حتى تتلاءم مع عبور الدبابات إلى الضفة الشرقية وسيناء.

وكنا كمهندسين نعلم جيدا أن الدور الأساسى لنا هو عبور الساتر الترابى البالغ طوله ٢٢م شرق القناة ووراءه دبابات كل واحدة تبعد عن الأخرى ١٠٠ متر فقط، إضافة إلى القلاع الحصينة التى شيدها العدو لتكون «دشم» تمنع من زحفنا نحوه إلى اقتحمنا قناة السويس، لكن بفضل الله استطاع سلاح المهندسين تذليل كل العقبات بأشياء بسيطة فـ«الساتر الترابى» الذى أشاع العدو الإسرائيلى فى وسائل إعلامه بأنه يحتاج إلى قنابل ذرية لهدمه، قضينا عليه بخراطيم المياه.

واستطعنا عمل فتحات فيه وخلال أقل من ساعتين عبرت من الضفة الغربية ١٥ موجة عبور بالقوارب المطاطية إلى الضفة الشرقية وسيناء، وبدأت ملحمة التحرير، وكل هذا المجهود بذله رجال سلاح المهندسين العسكريين ببراعة حتى أننا لم ننم لأيام حتى نكون موجودين إذا حدث خلل فى أحد الكبارى أو فتحات العبور خلال عبور قوات المشاة والمدرعات والحمد لله أتممنا مهمتنا على أكمل وجه.

*أخيرا.. لحظات لن تنساها.

كل أيام المعركة لا تنسى، ولا أنسى أبدا أزيز الطائرات وهى تحلق فوق رؤوسنا على ارتفاع منخفض وتدخل سيناء وتضرب دفاعات العدو الإسرائيلى والتى جعلت رجال القوات المسلحة الأبطال يهتفون بأعلى صوت «الله أكبر الله أكبر»، وهذه اللحظات كانت كالزلزال الذى جعل المقاتلين يتدفقون كالسيل نحو الضفة الشرقية وسيناء يتسابقون للعبور، وكل واحد يعلم دوره ومكانه، ويمكن القول إننا حطمنا حصون العدو بإيمان قوى؛ لأن هذه الأرض حقنا واغتصبت منا، ولم يكتف سلاح المهندسين العسكريين باقتحام الساتر الترابى، لكنه أكمل مهامه فى اكتشاف الألغام، وكان فى مقدمة الصفوف الأولى منذ اللحظات الأولى للعبور.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو".

الجريدة الرسمية