رئيس التحرير
عصام كامل

عاطف فاروق يكتب: قصة رشوة بنك حكومي لـ مستشار بالتموين للتلاعب في طعام المواطنين

عاطف فاروق
عاطف فاروق

كشف حكم قضائي مهم صادر عن مجلس الدولة في القضية رقم 65 لسنة 63 قضائية عليا عن تفاصيل صادمة في أغرب قضية فساد حكومي تمثلت في تقاضي وزارة التموين والتجارة الداخلية رشوة من البنك الزراعي المصري، مقابل عدم تحرير محاضر مخالفات ضد أمناء الشون، عوقب على إثرها مستشار بقطاع الرقابة والتوزيع بديوان عام وزارة التموين، لتقاضيه مبالغ مالية من مسئول قيادي ببنك الفيوم الزراعي.

وكانت النيابة الإدارية أقامت الدعوى مرفقًا بها تقرير اتهام ضد عبد الفتاح محمود، مدير مديرية التموين والتجارة الداخلية بالفيوم سابقًا وحاليًا "مستشار" بقطاع الرقابة والتوزيع بديوان عام وزارة التموين، لأنه في غضون شهر يوليو 2019 بدائرة عمله وبوصفه السابق لم يلتزم بأحكام قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية وخرج علي مقتضيات الواجب الوظيفي وسلك في تصرفاته مسلكًا لا يتفق والاحترام الواجب للوظيفة العام، بأن طلب وأخذ لنفسه عطية من المدعو مجدي محمود عبد اللطيف، مدير الشئون التجارية والتسويق بقطاع بنك الفيوم الزراعي عشرين ألف جنيه على سبيل الرشوة مقابل الإخلال بواجبات وظيفته في التفتيش على الشون التابعة للبنك وعدم تحرير محاضر مخالفات قبل أمناء الشون بشأن إجراءات تخزين القمح.
قالت المحكمة التأديبية عبر أسباب حكمها إن وقائع الدعوى تتلخص فيما أبلغت به إدارة الشئون القانونية بمديرية التموين والتجارة الداخلية بالفيوم النيابة الادارية لتحديد المسئولية التأديبية حيال ما جاء بكتاب (نيابة الفيوم الكلية) رقم 3187 في 9/9/2020 والمتضمنة البلاغ المقدم من مجدي محمود عبد اللطيف، مدير الشئون التجارية والتسويق بقطاع بنك الفيوم الزراعي ضد المتهم، بشأن طلبه مبلغًا ماليًا مقداره عشرين ألف جنيه علي سبيل الرشوة مقابل عدم تعنته في إجراءات التفتيش علي الشون التابعة للبنك بالفيوم وعدم تحرير محاضر مخالفات، وتم القبض على المتهم وحبسه إحتياطيًا على ذمة القضية وانتهت بمذكرتها إلى اتخاذ إجراءات محاكمته تأديبيَا عما أسند إليه.
 
بنك الفيوم الزراعي

وتضمنت أسباب الحكم إلى أنه فيما يتعلق بالمخالفة المنسوبة للمتهم المتمثلة في أنه طلب وأخذ لنفسه عطية من مدير الشئون التجارية والتسويق بقطاع بنك الفيوم الزراعي مبلغًا ماليًا مقداره عشرين ألف جنيه علي سبيل الرشوة مقابل الإخلال بواجبات وظيفته في التفتيش علي الشون التابعة للبنك وعدم تحرير محاضر مخالفات قبل أمناء الشون بشأن إجراءات تخزين القمح.

وأكدت المحكمة أن النيابة العامة قامت بسؤال إسلام خالد حسن، عضو هيئة الرقابة الإدارية والذي قرر بأن تحرياته السرية أكدت ما أبلغ به مجدي محمود عبد اللطيف، واستصدر إذن من النيابة العامة بتسجيل الأحاديث واللقاءات بين المبلغ والمتهمين والذي أسفر عن رصد عدة محادثات ولقاءات أكدت صحة الواقعة. وتنفيذا لإذن النيابة العامة تمكن من ضبط المتهم عقب تقاضيه مبلغ الرشوة.

كما قامت النيابة العامة بإرسال أحراز القضية المكونة من لقاءات فيديو مصورة وتسجيلات صوتية إلى الخبراء بالهيئة الوطنية للإعلام لتفريغ محتويات التسجيلات الصوتية واللقاءات المصورة التي تمت بين المتهم والمبلغ، حيث قامت الأخيرة بتسلم الأحراز وإفراغ محتوياتها وكتابة تقرير بما حوته تلك التسجيلات الصوتية أرفق بتحقيقات النيابة العامة.

الرقابة الإدارية

وتضمن التقرير بأن الأصوات الواردة بالتسجيلات هما صوتى المتهم والمبلغ، وقد أكملت النيابة العامة تحقيقاتها، وانتهت الى ثبوت الاتهام قبل المتهم وذلك بما كشفت عنه تحريات الرقابة الإدارية، علاوة علي ضبط المبلغ وما اشتملت عليه التسجيلات من إدانة المتهم جنائيًا عن تلك الواقعة، وأعدت نيابة أمن الدولة العليا مذكرتها بالتصرف في هذه القضية ارتأت فيها عدم ملائمة توقيع الجزاء الجنائى عليه نظرًا لجسامة العقوبة بالمقارنة بما اقترفه المتهم وانتهت  إلي إرسال الأوراق للجهة  الإدارية  لاتخاذ إجراءات محاكمته تأديبيا عما أسند إليه.

ونزولا على هدى ما تقدم فإن المخالفات المنسوبة للمتهم تغدو ثابتة فى حقه ثبوتًا يقينيًا لا شك فيه من واقع الأوراق والتحقيقات التي أجرتها النيابة العامة، مؤيدة بما جاء بشهادة عضو الرقابة الإدارية، وتقرير خبير الأصوات بالهيئة الوطنية للإعلام الذي قام بتفريغ محتويات التسجيلات الصوتية التى تمت بين المتهم والمبلغ وكتابة تقرير بما حوته تلك التسجيلات الصوتية أودع وأرفق بتحقيقات النيابة العامة مقررًا أن الأصوات الواردة بالتسجيلات هما أصواتهم.

والمحكمة قد استقت عقيدتها وبصيرتها من معين الأدلة التي تدل على دناءة طبع ومسلك المتهم باستغلاله للمتعاملين مع جهة عمله لطلب رشوة منهم فى سبيل امتناعه عن القيام بأداء أعمال وظيفته المكلف بها قانونا، وبذلك يكون المحال قد خرج على مقتضيات الواجب الوظيفي وأخل بها إخلالا جسيما، وسلك مسلكا يتنافى مع ما يجب أن يتحلى به الموظف العام من صدق وأمانة ونزاهة وتعفف واستقامة.

مواطن الريبة والدنايا

فلم يتعفف المتهم عن وطء مواطن الزلل ولم يتجنب مواطن الريبة والدنايا، فأخل بكرامة الوظيفة العامة، وفقد الثقة الواجب توافرها فى الموظف العام، وارتكب ذنبا إداريا جسيما يجعله غير صالح للاستمرار فى تولى الوظائف العامة، إلا أن الثابت يقينًا للمحكمة أن المتهم قد بلغ السن القانونية للمعاش بعد إحالته للمحكمة التأديبية، وصدر قرار بإنهاء خدمته لبلوغه السن القانوني اعتبارا من 23/5/2021. 

وقبل النطق بالحكم ومن ثم فإن المحكمة لا يسعها إلا إنزال أقصى عقوبة على المتهم من العقوبات المقررة لمن انتهت خدمتهم، جزاءً وفاقًا علي الجريمة التي قام بارتكابها وردعًا لغيره من الذين قد تسول لهم أنفسهم القيام بهذه الجرائم والتي تمس كرامة الوظيفة العامة وتفقد ثقة الناس في شاغليها، ولهذه الأسباب قضت بمجازاة المتهم عبد الفتاح محمود محمد، بغرامة تعادل عشرة أمثال الأجر الوظيفي الذي كان يتقاضاه في الشهر عند انتهاء خدمته لما أسند إليه وثبت في حقه.

الجريدة الرسمية