رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

كيف كان الظهور الأول لسيف الإسلام القذافي بعد سنوات الاختفاء؟

سيف الإسلام القذافي
سيف الإسلام القذافي
أجرت صحيفة "نيويورك تايمز" حوارا مع سيف الإسلام القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وذكرت أن ملامحه بدت أكبر سنًّا وكست وجهه لحيةٌ طويلةٌ غزاها الشيب. كان إصبعيه مبتورين – نتيجة إصابته بشظية في إحدى الغارات الجوية عام 2011 . كان يرتدي عباءة سوداء خليجية الطراز تزيّنها أطراف ذهبية، كأنه رئيس دولة، ووشاحًا ملفوفًا بشكلٍ مهندمٍ حول رأسه. لو أن سيف الإسلام ورث شيئًا واحدًا فقط عن أبيه، فهو أسلوبه المتكلّف.





قال المراسل :"قادنا إلى قاعةٍ جلسنا فيها على أرائك جديدة بلونٍ مائلٍ إلى الخُضرة. وغلبت مظاهر الترف والبهرجة على أثاث القاعة، بسجّادها السميك وستائرها البنفسجية. وفي تنافر واضح مع هذه الأجواء، عُلّقت على الجدار لوحةٌ بها صورة جبال وإحدى بحيرات الألب. لم يكن في المنزل أحدٌ غيرنا".



تابع :"مرت فترةٌ من الصمت المشوب بالارتباك قبل أن أسأله إن كان لا يزال سجينًا، فقال إنه رجلٌ حرٌّ وإنه يرتّب لعودته إلى الساحة السياسية. أوضح أن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قد تحرّروا من وهْم الثورة وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم. ارتسمت على وجهه ابتسامة وهو يصف تحوّله من أسير إلى أمير منتظر، فقال: “هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي.”

استغل سيف الإسلام غيابه عن الساحة في مراقبة الأوضاع السياسية في منطقة الشرق الأوسط والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه والمعروفة باسم “الحركة الخضراء”. ورغم تحفّظه بشأن الحديث عن احتمالية ترشّحه للرئاسة، فهو يعتقد أن الحركة التي يقودها بإمكانها أن تعيد للبلاد وحدتها المفقودة. والحقيقة أن الشعار الذي اختاره لحملته نجح في العديد من الدول، بما فيها أمريكا، وهو: السياسيون لم يقدّموا لكم شيئًا سوى المعاناة. حان وقت العودة إلى الماضي. قال سيف الإسلام: “لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة. إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، فلن تجد وقودًا. نحن نصدّر النفط والغاز إلى إيطاليا – نحن نضيء نصف إيطاليا ونعاني نحن من انقطاع الكهرباء. ما يحدث تخطّى حدود الفشل. إنه مهزلة.”



رغم اختفاء سيف الإسلام عن الساحة، فإن تطلعاته للرئاسة تؤخذ على محمل الجدّ. فخلال المحادثات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية الحالية، سُمح لمؤيديه بالمشاركة، ونجحوا بمهارة إلى الآن في إلغاء شروط للانتخابات كانت ستحول بينه وبين الترشّح. وتشير بيانات استطلاعات الرأي المحدودة في ليبيا إلى أن قطاعًا عريضًا من الليبيين – بنسبة 57 بالمائة في منطقة واحدة – قد عبّروا عن “ثقتهم” بسيف الإسلام. وقبل عامين، قيل إن أحد منافسيه دفع 30 مليون دولار لقتله (في محاولة ليست الأولى لاغتياله)، فيما اعتُبر دليلًا تقليديًّا على مكانته السياسية.

الحنين للقذافي
تُستمَد شعبية سيف الإسلام من مشاعر الحنين إلى أبيه، وهو شعور يزداد انتشارًا في ليبيا وفي المنطقة كلها. فحتى في تونس، التي انطلقت منها شرارة انتفاضات الربيع العربي أواخر عام 2010 وكانت ثورتها قصة النجاح الوحيدة، يتألف الحزب السياسي الأكثر شعبية فيها الآن من جماعة متشددة يهاجم قائدها باستمرار ثورة الياسمين في تونس واصفًا إياها بالكارثة. لم

تخطي العقبات
يواجه سيف الإسلام عقبة كبرى خارج ليبيا، فهو مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، بسبب دوره في قمع المعارضين عام 2011. وقد حُوكم في دعوى قضائية أخرى في طرابلس عام 2015، حيث ظهر على شاشة فيديو خلف القضبان في بلدة “الزنتان”، وانتهت المحاكمة بإدانته والحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص. (يحق له استئناف الحكم بموجب القانون الليبي). وقال سيف الإسلام أنه واثق من قدرته على تخطي تلك المسائل القانونية إذا اختارته أغلبية الشعب الليبي ليكون قائدًا لهم.






رغم ذلك، لم يكن هناك من هو أفضل من سيف الإسلام للتوسط من أجل الوصول إلى تسوية بين نظام أبيه والمتمردين عام 2011، إذ كانت تربطه صلات وثيقة بشخصيات بارزة في حركة المعارضة حيث سبق وأن ضمّ اثنين منهم إلى نظام القذافي لدفع حركة الإصلاح قدمًا. وحتى الإسلاميين الذين شاركوا في احتجاجات 2011 كانوا مدينين له على دوره في إصدار العفو الذي خرج قادتهم بموجبه من السجون قبل بدء الانتفاضة.


تحدث سيف عن شعوره بالخوف على ليبيا في الأيام الأولى بعد عودته، فقال: “حذّرتُ الجميع ‘أسرعوا الخطى في مشاريع الإسكان وفي الإصلاحات الاقتصادية، لأنكم لا تعرفون ما الذي سيحدث في المستقبل.’ لإجهاض أي مؤامرة ضد ليبيا، جئتُ إلى بنغازي وقلت: ‘علينا أن نُسرع الخطى.’ غير أن عناصر عدّة داخل الحكومة كانت تعمل جاهدةً ضدي.”

إدارة أوباما
وذكر المراسل أن :"سيف الإسلام يرى  أن إدارة الرئيس باراك أوباما، وليس معمر القذافي، هي من يتحمل مسئولية الدمار الذي حلّ بليبيا. وربما يكون محقًّا في ذلك. فعندما اندلعت الانتفاضة الليبية، واجه الأمريكيون نفس السؤال الذي واجهوه لاحقًا مع سوريا: هل يجدر بك تدمير دولة إذا كنت لا ترغب بتحمل عبء إعادة بنائها؟ في حالة سوريا، كانت الإجابة بالنفي. أما في ليبيا، فقد اتُّخذ قرار بدعم حملة الناتو العسكرية تحت ضغوط هائلة في الوقت الذي حذر فيه دعاة حقوق الإنسان من مذبحة وشيكة (استنادًا إلى أدلة مختلف على صحتها). دمّرت ضربة الناتو الجوية عام 2011 بعض المناطق في ليبيا، وفي العالم التالي تخلّت الولايات المتحدة عن ليبيا بعد اغتيال الجهاديين لسفيرها جون كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين في بنغازي. وفي السنة الأخيرة من رئاسة أوباما، أقرّ بأن أكبر خطأ ارتكبه أثناء توليه الرئاسة كان غياب التخطيط لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا".

الحسرة
قال سيف عن المتمردين: “كان العالم بأسره يقف معهم.” لم يكونوا بحاجة للتوصل إلى تسوية. ويقول المراسل إنه استشعر حسرةً في صوته عندما سأله عن زملائه القدامى مثل محمود جبريل، الذي ضمّه سيف الإسلام إلى الحكومة عام 2007 بوصفه إصلاحيًّا والذي أصبح لاحقًا رئيس الوزراء في المجلس الانتقالي عام 2011. تحدّث حديثًا مبهمًا عن النفاق، وقال إن وسائل الإعلام العربية شيطنت نظام القذافي إلى درجة جعلت من المستحيل إقامة حوار بين الجانبين. قال إن المتمردين عقدوا العزم على تدمير الدولة، وأن أي مجتمع قبلي مثل ليبيا يضيع بدون دولة. ثم أضاف: “ما حدث في ليبيا لم يكن ثورة. يمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم، لكنها لم تكن ثورة.”

أردوغان
قال سيف الإسلام إن أردوغان وصف الانتفاضات بأنها مؤامرة خارجية تُحاك منذ زمن بعيد. أما سيف الإسلام فيرى أن حرب 2011 قد انبثقت عن التقاء توترات داخلية كانت تعتمل منذ وقت طويل مع أطراف خارجية انتهازية، من بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. وأضاف: “كانت عدّة أمور تحدث في آن واحد. زوبعة عارمة.”


فترة الاعتقال
قال سيف الإسلام إنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وأنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، وهي غرفة تحت الأرض شُقّت وسط الصحراء أسفل منزل في بلدة “الزنتان”. لم يكن بالغرفة أي نوافذ، ولم يكن يميّز الليل عن النهار أغلب الوقت. كان وحيدًا تمامًا، وأدرك أنه قد يموت في أي لحظة، فازداد إيمانًا. وذات يوم في مطلع عام 2014، تلقى زيارةً غيرت مجرى حياته. اندفع رجلان من كتيبة الزنتان إلى غرفته الصغيرة. بدا عليهما الغضب والانزعاج وأرادا التحدث.


قال سيف إنه ظل يستمع إليهما وهو يشعر بأن شيئًا ما يتغيّر. كانت الثورة تلتهم أبناءها. في النهاية، سيشعر الليبيون بإحباط شديد لدرجة أنهم سينظرون إلى الماضي ويشعرون بالحنين إلى عهد القذافي. وهذا بدوره قد يهيئ له الفرصة ليستعيد كل ما فقده.

صدق حدس سيف الإسلام، إذ كانت ليبيا على مشارف مرحلة انتقالية حاسمة. استمرت فترة الأمل التي أعقبت الثورة حتى صيف عام 2012، عندما أجرت ليبيا انتخابات اعتُبرت حرة ونزيهة إلى حدٍّ ما. لكن في وقت لاحق من العام نفسه، تفاقمت الاغتيالات وحوادث الاختطاف، وانقلب المتمردون بعضهم على بعض، وبدأ الجهاديون الذين اغتالوا ستيفنز في ترويع أهالي بنغازي.
Advertisements
الجريدة الرسمية