رئيس التحرير
عصام كامل

الأضاحي ومظاهر الرفق بالحيوان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد، فمن شعائر الإسلام التي شرعها الله تعالى شعيرة الأضحية، وهي ما يذبح من الإبل أو البقر أو الغنم في يوم النحر أو أيام التشريق تقرُّبًا إلى الله تعالى، وهي سُنَّةُ إبراهيم عليه السلام التي أقامها نبينا صلى الله عليه وسلم. والحيوان من مخلوقات الله تعالى التي سخَّرها سبحانه للإنسان لما فيه من المنافع العديدة، والفوائد النافعة، سواء ما يحل للأكل، أو ما لا يحل.


قال تعالى: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:5-9].

ومن وجوه هذا التسخير أن الله تعالى جعله طعامًا لنا، فشرع لنا ذبحه؛ ليتحقق لنا الانتفاع منه. فالذبح إذن مشروعٌ للاستفادة من الحيوان الذي سخَّره الله للإنسان. والأضحية ليست مجرد طعام، بل هي مشروع اجتماعي تكافلي لإسعاد طوائف المجتمع وإغنائهم، وتحقيق الترابط الأسري بين أفراده، وإظهار الفرحة والسعادة بالعيد بين الجميع، ومن جهة أخرى أنها تحقيق لتقوى الله تعالى، ودعوة إلى الإحسان والعطاء بطيب نفس وسخاء، قال تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [الحج : 37]

فليس ذبحها للعبث أو اللهو أو اللعب، بل أثبتت التجارب العلمية الحديثة في الشرق وفي الغرب، أنَّ طريقة الذبح الشرعية هي الطريقة الإنسانية العلمية الصحيحة الموافقة للمتطلبات الفسيولوجية والتشريحية لتنقية اللحوم من الدم. بل قد جعل الله تعالى طريقة الذبح نفسها عبادة نقوم بها على الصفة التي أمر الله بها وعلَّمنا إياها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، فاجتمع لنا كونها عبادة نتعبد الله بها، وكونها طريقة علمية صحيحة.

طريقة الذبح الشرعية
ومع أن الإسلام قد أباح ذبح الحيوان الذي أُحل أكله إلا أنه نهى عن كل ما فيه إضرار بهذا الحيوان من تعذيب أو تجويع أو إحراق بالنار أو تكليفه ما لا يطيق أو إيذائه بأي نوع من أنواع الإيذاء الحسى أو المعنوي..

ولقد سبق الإسلام إلى مراعاة مشاعر الحيوان عند الذبح، لم يغفل عنها رسولنا العظيم، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

ومن الرفق بالحيوان عند ذبحه: تقديم الماء له قبل الذبح وعدم تعطيشه، وإراحته وأخذه برفق دون شدة أو قوة، وأن نحدَّ السكين، ونخفيها عن عينه حتى لا يتألم، واستقبال القبلة، والتسمية، وقطع الحلقوم والمريء والودجين اللذين يقعان في عُنُق الحيوان من جهة الحلقوم..

أما إذا نظرنا إلى الطرق الأخرى غير الشرعية، فأشارت الدراسات الحديثة أن في عملية الصعق يتوقف القلب عند موت الحيوان، وتنفجر شرايينه، ويحتبس الدم في جسمه، مما يؤدي إلى تسرب الدم بنسبة كبيرة داخل لحم الحيوان، بجانب أن عملية صعق الحيوان تؤدي إلى خلل في تركيبة الحيوان مما يؤدي إلى الإضرار بجسم الإنسان عند تناول تلك اللحوم، ويفقد هذا اللحم لفوائده الصحية وقيمته الغذائية، فسبحان الذي شرع لعباده ما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم! والله أعلم.
الجريدة الرسمية