رئيس التحرير
عصام كامل

قصة الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية (2)

تدور الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية مع المسكن اللائق وجودًا وعدمًا، ولن يتخذ الإنسان قرارًا صائبًا في بيئة تسودها الفوضى، ومن ثم فقد بدأنا عبر المقال السابق استعراض نظام اتحاد الشاغلين الذي من شأنه الحفاظ على الثروة العقارية، وتنميتها.. وبالفعل فقد صدرت اللائحة التنفيذية لهذا القانون بموجب قرار وزير الإسكان رقم 144 لسنة ۲۰۰۹ حيث شددت المادة  (158) من هذه اللائحة على أن الصورة الثانية من صور اتحاد الشاغلين هي إحدى نظم اتحاد الشاغلين الخاضعة لنظامه وقيوده وإجراءاته إذ أقرت التزامًا صريحًا على عاتق شاغلي وملاك العقار بالتجمعات السكنية الكبيرة..


وبالتنسيق مع مالك التجمع السكني وفور إدخال الكهرباء العمومية وإشغال ستين في المائة من إجمالي وحدات التجمع بتأسیس شركة أو أكثر يعهد إليها باختصاصات اتحاد الشاغلين بالإضافة إلى صيانة المنافع والخدمات العامة داخل التجمع، على أن يكون تأسيس هذه الشركات طبقا لقانون الشركات، كما ألزمت هذه المادة جميع التجمعات السكنية القائمة بضرورة توفيق أوضاعها طبقا لأحكام القانون وهذه اللائحة.
 
ولم يتوقف القانون عند تقرير هذا الإلزام على عاتق الجهة الإدارية وشاغلي العقارات، بل كان لزامًا عليه استكمالًا للهدف من القانون بأن يقرر جزاءً أو آلية قانونية لتطبيق القانون حال تقاعس الشاغلين أو مالك التجمع السكني عن تنفيذ ما جاء به القانون واللائحة التنفيذية له وهو أمر منطقي، إذ بدون مثل ذلك الإجراء لن يكون للنص القانوني أي قيمة أو إلزام، حيث نص في المادة 73 من القانون ۱۱۹ لسنة ۲۰۰۸ على التزام الوحدات المحلية بالمدن والمحافظات أو ما يماثلها في المدن الجديدة بتشكيل لجنة مؤقتة مكونة من رئيس ونائب وأمين للصندوق من غير الشاغلين وذلك في حالة عدم الالتزام بإنشاء اتحاد الشاغلين بأي من صوره المتقدمة سواء كانت الاتحاد المنتخب أو شركات الإدارة والصيانة.

اتحاد الشاغلين المنتخب
ولا يمكن الزعم في هذا المضمار بأن هذه اللجنة تشكل في حالة العقارات القليلة أو الصغيرة التي تخضع لنظام اتحاد الشاغلين المنتخب فقط حيث لا يمكن مسايرة هذا التفسير الذي يفرغ القانون من مضمونه، إذ أن مقتضى الأخذ به هو فناء الثروة العقارية في المدن الجديدة خلال سنوات قليلة وبغير هذا الإلزام، فإنه طبقا للمجرى العادي للأمور والالتزام المقرر على السلطة العامة المشرفة على هذه التجمعات السكنية وطبقاً للصلاحيات المقررة لها لتنفيذ القانون فإنه يتعين عليها طبقا لقواعد وإجراءات التنفيذ المباشر إنشاء وتشكيل مثل هذه اللجان لحين توفيق أوضاع هذه التجمعات السكنية طبقا للقانون واللائحة حتى لو فرضنا خلو القانون من مثل هذا النص.
 
كما أن ما نص عليه القانون يجب أن يتكامل مع ما جاء بالاتفاق التعاقدي بين الملاك الشاغلين ومالك التجمع السكني  وفي إطاره بما لا يخل بالملكية الخاصة للملاك وهي مصونة دستوريًا، وبما لا يخل بأهداف القانون حيث أن المقرر قانونًا أن العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا بإرادة الطرفين وأنه يجب تنفيذ ما جاء بالعقد بحسن نية ، إلا أنه قد نجد أحيانا أن ما جاء بالعقود من نصوص والتزامات يطابق ويكافئ ما جاء بنصوص القانون لاحقًا فيصبح ما جاء بنصوص العقود المدنية حقًا مكتسبًا لا يجوز الإخلال به في أي مرحلة لاحقة سواء بقرار أو تشريع، حيث يعد في هذه اللحظة اعتداء على حقوق الملكية الخاصة التي يحميها الدستور وينظمها القانون.

التجمعات السكنية الكبيرة
وإجمالًا لما تقدم وتأكيدًا له فإن ما يثيره الفصل في هذا النزاع هو الحل القانوني الذي غاب عن القائمين على تطبيق هذا القانون في الجهات الإدارية المختصة، إذ أن الثروة العقارية المصرية في التجمعات السكنية الكبيرة تتعرض للانهيار والتآكل من سيل المنازعات بین الملاك الشاغلين، من جهة وبين مالك التجمع السكني ودائمًا تكون وديعة الصيانة والتشغيل هي المأرب والهدف للطرفين..

فالشاغلين يسعون لإدارة وديعتهم والارتقاء بتجمعهم السكني، ومالك التجمع يسعى للحصول عليها ليقرر بعد سنوات قليلة بنفاذها وحاجته لمبالغ تفرض سنويًا مقابل الصيانة والتشغيل، فقد أصبحت مشكلة عامة سببها غياب تطبيق القانون الذي جاء بالحل الأمثل في الحفاظ على حقوق الطرفين سواء كان للشاغلين بالمحافظة على وديعتهم وإنفاقها في مصارفها الحقيقية واستمرار صيانة وتشغيل تجمعهم السكني على النحو اللائق أو حق مالك التجمع السكني في بقاء تجمعه على نحو لائق من حيث الصيانة والإدارة والتشغيل.
 
ومن هنا كان الإطار القانوني العادل للحفاظ على حقوق الطرفين من خلال إنشاء شركة أو شركات للإدارة والصيانة يشارك فيها الطرفين طبقا لقانون الشركات فيضمن كل طرف حقوقه على نحو شفاف بموجب القانون واللوائح المنظمة لعمل الشركات ولكن حينما يرغب مالك التجمع السكني في الحصول على وديعة الصيانة والتشغيل وتحويل الملاك والشاغلين لمجرد دافعين لما يطلب منهم تحت مسمى الصيانة السنوية فيقوم بعمل شركة أو شركات بمفرده أو بمشاركة آخرين ليسوا شاغلي التجمع السكني الذي قام ببنائه ليستثمر أموال شاغلي التجمع في غير محلها بل ويستولى على أموال أخرى منهم بدون وجه حق.
 
ولعل الأشهر القليلة القادمة تكشف عن تدخل تشريعي لمعالجة بعض القصور أو الثغرات التي كشف عنها التطبيق العملي، لنضمن الحفاظ على الثروة العقارية التي هي جزء من اجمالي مقدرات الدولة، مع عدم اغفال النمط الحضاري في إدارة تلك الثروة.. وللحديث بقية
الجريدة الرسمية