رئيس التحرير
عصام كامل

تنقيب - اتجار - تهريب - عرض في مزادات دولية.. السجل الأسود لبيع تاريخ مصر.. و22 ألف قطعة حصيلة قضية واحدة

قطع أثرية
قطع أثرية
من جديد.. تعود للصدارة قضية التنقيب عن الآثار والاتجار فيها وتهريبها إلى الخارج، عصابات متداخلة وبزنس كبير يستهدف استخراج آثار مصر وتهريبها نظير أرباح مليونية.


التاريخ المسروق
الدولة المصرية تبذل جهودًا واسعة لاسترداد التاريخ المسروق وعرضه في صالات المزادات الأجنبية، وفي المقابل لا تتوقف مافيا الآثار عن استخراج الكنوز المدفونة، أو سرقة الآثار المخزنة في مخازن وزارة الآثار إهمالًا وتواطؤًا وتدليسًا.

حلم الثراء السريع يغازل فقراء، ما يدفعهم إلى التنقيب في باطن الأرض لعل وعسى أن يتحقق الأمل البعيد، ومليارديرات لم يقنعوا بما في خزائنهم الشخصية وحسابات البنوك، فيمولون عمليات التنقيب ويرعون عمليات البيع والتهريب، في حماية شبكات متماسكة وحديدية من العلاقات والصداقات، لا يعرف أحد سبر أغوارها إلا في الوقت المناسب.

القضية التي تم توقيفها مؤخرًا، وتورط فيها برلماني سابق ورجل أعمال وآخرون، ولا تزال تشغل الرأي العام، كاشفة وفاضحة لعوالم لا تزال خافية، يتحصن أصحابها وراء أموالهم ونفوذهم وأشياء أخرى، لا تعلمونها، الله يعلمها.

ولأن اللعبة اختلفت كثيرًا، ولم يعد الحاضر كالماضي، ومَن كانوا يظنون أنفسهم فوق القانون أصبحوا في قبضته وتحت سيطرته، ولم تعد الدولة المصرية توفر الحضانة والحصانة للفاسدين والمفسدين، فإنه لم يعد غريبًا أن يتم توقيف متهمين من العيار الثقيل في قضايا تهريب تاريخ مصر، والعمل الدؤوب لمحاصرة هذا البزنس المجرم قانونًا وعُرفًا.

"فيتو".. تفتح عوالم مافيا الآثار وترصد أدق تفاصيله، كما ترصد دور الشرطة في السنوات الأخيرة، وتعرج على الدور التشريعي في مواجهة استنزاف ثروات مصر وبيعها وتهريبها للخارج وتكوين إمبراطوريات من المال الحرام.

تهريب الآثار
لا تعد ظاهرة تهريب الآثار المصرية إلى الخارج جديدة، بل تعود إلى عقود قديمة، والدليل وجود مئات الآلاف من القطع معروضة فى متاحف العالم، بل إن بعضها –حسب تقديرات غير رسمية - يعرض أعدادًا توازى ما يعرض فى المتحف المصرى بالقاهرة.

وبالرغم من القوانين والاتفاقيات الدولية التى يتم سنها من أجل وضع حد لعمليات سرقة الآثار وتهريبها، إلا أن نزيف الآثار المصرية لا يتوقف، ويستمر التهريب والعرض فى مزادات عالمية علنية، فى المقابل تعمل وزارة الآثار على استعادة تلك الآثار المسروقة من مختلف دول العالم، والتى يقدر حجم تجارتها بمليارات الدولارات.

أكبر القضايا
كانت من أبرز قضايا تهريب الآثار، ما عرف بقضية تهريب الآثار الكبرى، التى عوقب فيها الممثل بطرس رؤوف غالى والقنصل الإيطالى السابق فى الأقصر «أوتكر سكاكال»، حيث تعد أكبر قضية تهريب آثار خلال العقود الأخيرة، نظرا لكثرة عدد القطع المهربة.

والذى وصل لـ22 ألف قطعة، والزخم الإعلامي الذى حظيت به منذ اكتشاف عملية التهريب فى ميناء ساليرنو بإيطاليا، فى الفترة ما بين 2016 و2018، حتى الحكم بسجن المتهمين فيها، مرورا بعودة القطع الأثرية المهربة كاملة إلى مصر بالتنسيق مع السلطات الإيطالية بعد التأكد من تهريبها بطريقة غير شرعية.

التحقيقات فى القضية كشفت جوانب مهمة من طريقة تهريب القطع الأثرية التى تنتمى لعدة عصور من الحضارات المصرية المتعاقبة، بأنها وضعت داخل حاوية دبلوماسية من ميناء الإسكندرية إلى ميناء ساليرنو فى إيطاليا قبل أن تكتشف هناك.

بعد اكتشاف الآثار المصرية فى إيطاليا وإخطار السلطات المصرية ممثلة فى وزارة الخارجية والنيابة العامة، تبين أن الطرود التى وضعت بها الآثار كانت 22 طردا مرقمة من 1 إلى 22 داخل حاوية دبلوماسية بها طرود أخرى.

لكن الطرود التى بها الآثار مسجلة باسم شخص يدعى ماسيمليانو سبونفيل، وهو موظف سابق كان يعمل بالسفارة الإيطالية بالقاهرة، لكن فور اكتشاف عملية التهريب توجه ماسيمليانو إلى السلطات فى بلاده، وأقر بأنه لا علاقة له بتلك الطرود، ولم يشحنها من القاهرة أساسًا، وأنه لم يعد يعمل فى القاهرة.

إحباط العملية
أعيدت الآثار المصرية المهربة، وأجرت النيابة المصرية تحقيقات موسعة لكشف ما حدث، بدءا من شركة الشحن التى شحنت تلك الطرود باسم ماسيمليانو، فتبين أن مسئولًا بالشركة يدعى مدحت ميشيل هو من أنهى إجراءات الشحن من ميناء الإسكندرية باسم شركته، فأصدرت النيابة قرارًا بضبطه وإحضاره وتفتيش منزله.

وعثرت فى المنزل على عدد من القطع الأثرية والمتعلقات الخاصة بالملك فاروق وتحفظت عليها، ووجدت مراسلات بينه وبين شركة الشحن الإيطالية تفيد طلبه تسليم الطرود التى عثر بداخلها على الآثار المصرية إلى شخص يدعى «أوتكر سكاكال»، هو قنصل إيطاليا الفخرى السابق فى القاهرة وليس ماسيمليانو الذى شُحنت تلك الطرود باسمه، فأصدرت النيابة قرارا بضبط "سكاكال" وتفتيش منزله.

وأمرت النيابة بالقبض على "رؤوف غالي" وأمرت بتفتيش منزله وقررت التحفظ على أمواله هو و"سكاكال" ومدحت ميشيل داخل مصر، مع الكشف عن حساباتهم فى البنوك، وتفتيش شقة أخرى مملوكة للقنصل السابق فى منطقة قصر النيل، عُثر بداخلها أيضًا على قطع أثرية، وأخطرت النيابة من الجهات المصرفية بأن القنصل السابق له خزينة مستأجرة فى أحد البنوك الشهيرة ومنذ استئجارها كان لبطرس غالى حق التعامل عليها وفتحها ووضع أو أخذ أشياء منها فتوجه فريق من المحققين إلى تلك الخزينة وفتحوها ووجدوها بداخلها آثارا أخرى تحفظوا عيها.

تهريب عين شمس
من أكبر عمليات تهريب الآثار أيضًا، عملية تهريب 9 آلاف قطعة أثرية مع جواهرجى فى منطقة عين شمس، وأوضحت التحريات أن المتهم كوّن مع شقيقه تشكيلًا عصابيًا تَخصّص فى الاتجار فى القطع الأثرية والمخطوطات والعملات الأثرية، وأنه يتخذ من مسكنه ومسكن شقيقه مخزنًا لإخفاء ما بحوزته من آثار، وأنه من ذائعى الصيت بالاتجار فى الآثار.

وعقب تقنين الإجراءات، وبالتنسيق مع مفتشى القطاع وبتفتيش مسكنى المتحرَّى عنهما، تم ضبط طبنجتين و53 طلقة نارية مختلفة وعملتين من العصر اليونانى - الرومانى، وعلبة بها 15 قطعة مذهبة مختلفة الأشكال والأحجام، ونيشان ذهبى اللون عليه نجمة سداسية، وورقة بيضاء بها عشرون فصًا صغير الحجم أبيض اللون يُشتبه أن يكون من الألماس، وورقة بيضاء أخرى بها قطعة من الذهب الأبيض وبها فصوص صغيرة من الألماس، وساعة ذهبية اللون ذات جراب جلدى أسود.

ومن أخطر تلك القضايا، الاستيلاء على 57 ألف قطعة أثرية عام 2004، قضت المحكمة فيها بحبس 7 متهمين من بينهم عبد الكريم محمد إمام أبو شنب مدير عام بإدارة الحيازة بالمجلس الأعلى للآثار بالسجن 40 عامًا والغرامة 50 ألفًا و500 جنيه وعزله من وظيفته الحكومية، 25 عاما منها لاتهامه بتهريب الآثار و15 عامًا للتربح من وظيفته.

خيوط القضية بدأت بعد ضبط 272 قطعة فى مطار القاهرة قبل تهريبها بأوراق مزورة مع المتهم عبد الكريم أبو شنب تفيد بعدم أثريتها إلا أنه بالكشف عليها فى الوحدة الأثرية بمطار القاهرة تبين أنها ترجع للعصور الفرعونى واليونانى والإسلامى.

وقد توالت التحقيقات بعدها مع المتهمين فاروق الشاعر ومحمد الشاعر اللذين كانا من ضمن الحائزين للآثار وبتفتيش محلاتهم فى منطقة الأزبكية تم ضبط سجلات مسروقة من المجلس الأعلى للآثار، وتبين استيلاء المتهمين على 57 ألفًا و800 قطعة أثرية قدرت قيمتها السوقية بمبلغ 320 مليون جنيه تبين حصولهم عليها عن طريق الحفر والسرقة فى المناطق الأثرية.

حيث قام النائب العام بإرسال إنابات قضائية إلى كل من أستراليا وإنجلترا وكندا وسويسرا، حيث تم استرداد 657 قطعة أثرية من هناك، وقد تم استرداد 619 قطعة من مطار هيثرو بلندن وحدها.

وقد تبين من التحقيقات أيضًا أن المتهمين حازوا 28 ألف قطعة أثرية فى محلاتهم مسروقة من المجلس الأعلى للآثار، إضافة إلى 91 سجلًا مزورة من سجلات المجلس الأعلى للآثار.
الجريدة الرسمية