رئيس التحرير
عصام كامل

الاستثمار وفرص التشغيل وأحلام دولة بابا وماما

سنوات وسنوات تمضى منذ تحول بلادنا نحو إتباع سياسات الاقتصاد الحر والتحول المتواصل نحو تطبيق كافة استراتيجيات الفكر الاستثمارى بديلا عن سياسات الاشتراكية الناصرية التى اعتمدتها الدولة إبان حقبتى الخمسينات والستينيات من القرن الماضى، ومعظم التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية تبارك وتشجع التحول نحو اقتصاديات السوق، إلا أن الأسرة المصرية لازالت تعيش على أحلام أو أوهام دولة بابا وماما كضمانة لعيشة هنية ومستقرة، خاصة بين الأسر والعائلات فى أغلب الأقاليم المصرية.


تحولت إستراتيجية البلاد نحو اقتصاديات السوق قبل أكثر من  ٤٠ عاما وانقلبت كافة القوانين الحاكمة لحياتنا الاقتصادية والاجتماعية وتسارعت الخطى مع خصخصة النصيب الأكبر من تركة المشروعات الاقتصادية والخدمية للحقبة الاشتراكية، وتغيرت التركيبة الاجتماعية تغيرات جذرية، ولكن الأسرة المصرية لازالت تغزل فى خططها لمستقبل أبنائها بأدوات الدولة الاشتراكية. وتتفاهم مع هذا التفكير الذى بات رجعيا حتى النخاع الفرص الضائعة أمام أفراد الأسر الحالمة بنعيم دولة بابا ماما فى التعليم والتوظيف الحكومى على وجه الخصوص.

 قانون الخدمة المدنية
قانون العمل تعدلت أحكامه قبل نحو ١٩ عام وتغيرت علاقة العمل بين العامل ورب العمل فى القطاع الخاص والتعاونى وألغيت كافة الحصانات التى منحتها الاشتراكية للعامل وراعتها النقابات العمالية والمهنية لسنوات مهما كان أداء العامل ومردوده الاقتصادى على مؤسسته أو شركته ومصنعه، واستكملت الدولة قبل عدة سنوات التحول فى سوق العمل بإنهاء سطوة القانون ١٤٧ على العمل الحكومى مع صدور قانون الخدمة المدنية، وبات المعيار الاقتصادى وحده الحاكم لسوق العمل فى البلاد بشقيه العام والخاص، فى تغير فكر الأسرة المصرية وتغير معه تفكيرها فى مستقبل أبنائها.

الحقيقة أن قليل من الأسر خاصة فى المدن الكبرى تواكب التغيير الذى حدث والبداية من التعليم والبحث عن المجالات التى تحظى بفرق متنوعة للتشغيل أو المجالات التى لم تصل أسواق العمل بها إلى مرحلة التشبع ودفعت بأبنائها إلى التخصصات العلمية الأكثر مرونة فى أسواق العمل بالداخل والخارج، وبدأ صراع محموم على المجالات التى تضمن مستقبل مضمون لابنائها سواء بالكليات والمعاهد العسكرية والعملية مهما كلفها من نفقات.

الأمر لم يقف عند هذا الحد فأزمة التحول الاقتصادى تلاحق القطاع الأكبر من الأسر البسيطة فى عموم الريف والتى لازالت تعيش فى أحلام دولة بابا وماما ولم تغير فى تفكيرها ولا احلامها فى الوظيفة الميرى التى لم تعد موجودة فى أغلب الأحيان والصراع عليها بات يتطلب مكتسبات تفوق ومهارات مكلفة جدا، ولم يعد يجدى معها البحث عن واسطة ودعم صاحب نفوذ مع اعتماد نظام المسابقات المستقلة عن جهة العمل بالوزارة والمؤسسات، خاصة والقانون يمنح الفرصة للمتسابقين للطعن على التمييز بين المتسابقين للفوز بالوظيفة الحلم، وكم أبطلت أحكام القضاء الكثير منها خلال السنوات القليلة الماضية لتحقيق العدالة.

إنشاء مدارس نوعية
ومن ظواهر التفاعل الايجابى مع التحولات فى  قواعد سوق العمل، إتاحة فرص جديدة للأبناء تتيح لهم فرص أفضل فى سوق العمل الجديدة مستقبلا، متمثلة فى التحول نحو إنشاء مدارس نوعية تستقبل طلابها بعد الاعدادية وصل عددها حاليا نحو ٥٠ مدرسة ترتبط بسوق العمل وتتيح تأهيل عملى وفنى غير مسبوق فى مجالات البترول والطاقة والمياه والكهرباء والنسيج وغيرها، وأبدت الأسر من العام الماضى تفاعلا كبيرا معها ازدادت وتيرته بقوة فى الموسم الحالى، وإن كانت تلك الفرصة محدودة ولا تحل أزمة الأسر الريفية التى لازال أغلبها يعتمد فرص التعليم الجامعى الحكومى خاصة فى المجالات التقليدية التى تعانى أسواق الوظيفة المتاحة بها تشبعا غير مسبوق منذ سنوات طويلة، وانتهى حال الخريجين منها إلى أن يصبحوا مجرد رقم فى تركة البطالة منذ سنوات ويعيشون مع ذويهم حلم الوظيفة الميرى أو كابوس البطالة لسنوات.

خاصة أن أغلبهم لا يملك فرص التحول المهنى وفرص العمل الخاص بمحافظاتهم تكاد تكون معدومة فى ظل توزيعات خريطة الاستثمار الظالمة التى اعتمدتها حكومات فاشلة لسنوات بالأقاليم، وتدفع الأن كل من يفيق من الحلم ويبحث عن فرصة للنجاة من طابور البطالة للهجرة واستيطان العشوائيات حول العاصمة وضواحيها.. لله الأمر من قبل ومن بعد.
الجريدة الرسمية