رئيس التحرير
عصام كامل

خليل عفيفي.. الرجل الذي أسقط عهدا بأكمله!

قرر أن يسافر لإحضار جثمان البطل الشهيد.. ترتيبات عديدة يحتاجها فى هذا الوقت من عام ١٩٢٠.. فمن الزقازيق بالشرقية إلى الإسكندرية ومن هناك إلى فرنسا ومن فرنسا إلى بلجيكا ومنها إلى ألمانيا لكن تتعطل الرحلة بسبب اضطرابات فى برلين! شهر كامل يقضيه فى فرنسا وحيدا بلا أهل أو أصدقاء إلى حين تحسن الأحوال فى ألمانيا أصيب فيها بأزمة صدرية تطلبت دخوله المستشفى بباريس.. وبعد الشفاء غادر إلى ألمانيا ليستعيد جثمان البطل إلى الوطن!


فى فندق بقلب برلين وضع خطته للتحرك.. فالقانون يمنع خروج الموتى من ألمانيا لكن مصريون يقيمون هناك وأحد السياسيين الألمان البارزين كلهم يتضامنون معه.. ويقدمون التماسا للحكومة الألمانية مشفوعا بحالة جندى فرنسى استعادت فرنسا جثمانه وبما يدفع الحكومة الألمانية لدراسة الأمر والذى ينتهى بالموافقة على عودة جثمان البطل الشهيد!
 
كانت الإجراءات القانونية تكبر لحظة بعد أخرى.. فلا بد من موافقة سويسرا من عبور الجثمان على أراضيها.. ثم موافقة فرنسا.. ثم موافقة إيطاليا وتعهدها بعدم التعرض للجثمان أو للباخرة التى تحمله أثناء مرورها بالبحر المتوسط وذلك لأسباب معقدة ليس وقتها هنا.. والمدهش أنه حصل على كل هذه الموافقات فى رحلة استغرقت ثلاثة أشهر وخمسة آلاف جنيه بأسعار عام ١٩٢٠!
 
شهامة خليل عفيفي 
إنه الحاج خليل عفيفى.. تاجر الأقمشة.. الذى أبت مصريته وإنسانيته ووطنيته وكرامته أن يقبل بأن يبقى جثمان الزعيم البطل محمد فريد غريبا فى أرض غريبة.. ولما كانت النخبة تتفرج.. والقصر الخاضع للمحتل الأجنبى أيضا لا يعنيه.. والحكومة من باشوات ذلك الزمن الأغبر لا بجرؤ واحد فيها على الكلام كان لا بد أن ينطق الشعب ليرفض المأساة.. ويرفض الذل.. ويرفض ترك زعيم كبير أنفق هو أيضا كل ثروته من أجل الدفاع عن القضية الوطنية المصرية وسعى ببلادنا للاستقلال.. وعاد محمد فريد إلى مصر ليدفن فى ترابها حتى نقلت ثورة يوليو الجثمان بجوار رفيق محمد فريد وأستاذه الزعيم مصطفى كامل!

محمد فريد عاد إلى وطنه لتستقبل مصر كلها الجثمان الذى وصل إلى الإسكندرية يوم ٨ يونيو ١٩٢٠ !
احكوا لأبنائكم تاريخ بلادكم.. وكيف قاومت حتى تحررت وكم دفعت من تضحيات خصوصا ونحن نعيش حملات تزييف عاتية للتاريخ تجمل عهد الاحتلال البغيض.. وكل عملاءه.. احكوا لهم عن خليل عفيفى.. الرجل الذى أسقط أدبيا بشهامته وشجاعته عصرا كاملا بمن فيه!
الجريدة الرسمية