رئيس التحرير
عصام كامل

أبو العربى.. فى مواجهة كورونا

فى المشهد الأخير على مسرح طيبة مول يقف أبو العربى الذى يفهم فى كل شيء مخاطبا الضمير الإنسانى: «فيه حرامى بيسرق رغيف.. وفيه حرامي بيسرق أحفاده مع إن عنده كتير.. وفيه حرامي بيسرق حلم شعب»!


ينتهى المشهد ومعه الرسالة التى يحمل تفاصيلها عمل مسرحي ناضج يعود به الفنان هانى رمزى إلى جمهور المسرح بعد غياب ثمانية عشر عاما. مشهد النهاية كما لو كان صفحة بعنوان «هذا الكتاب» التى يختزل فيها الكاتب مضمونا يرغب فى وصوله إلى الجماهير، ورغم دراميته إلا أن الصفحة الأولى أو مقدمة الكتاب كانت على نحو مختلف.

فى المشهد الأول الذي تطل منه مجموعة العمل الإبداعى «أبو العربى فى مهمة مستحيلة» كان استعراضا شبابيًّا يعلن فـيه فريق العمل عن تحدى الظروف ومواجهة أحزان كورونا بالبسمة.

حضور جماهيري مدهش
قد يقول قائل إن هانى رمزى أطل علينا بعمله المسرحى الجديد تحت لافتة «الفنان المجنون»، ففى ظروف العزلة التى فرضتها جائحة لا يزال الغموض يكتنف تفاصيلها يعود إلى المسرح، بينما كل الظروف تقتضى أن يختفى فى منزل معقم تحاصره المخاوف والهواجس والموت الذى يطارد الناس. فعلا فكرة العودة مجنونة، لا يفسرها إلا ما يقوله من حققوا قفزات تاريخية وقت الأزمات تحت شعار (think oppossite) أو «فكر بالعكس»، يفعلها رجال الأعمال المغامرون عندما يضخون استثمارات وقت الأزمات التى تقتضى التراجع، ويفعلها الفنان الذى يراهن على ذكاء جمهوره وقدرته وثقته بنفسه.

الحضور الجماهيرى المدهش لم يكن وحده مذكرة التفسير المنطقى لما أقدم عليه فنان بحجم هانى رمزى، ومعه نخبة من الموهوبين الشبان القادمين من مسرح «تياترو»، بل زاد الأمر إيضاحا ذلك التفاعل بين عالم الرواية بأبطاله والبطل الأكثر أهمية وهو الجمهور.

وبين مناطق البهجة ومساحات الصراع بين أطراف المعادلة الإنسانية بما تحمله من أطماع وجشع وتداخل وهوة سحيقة بين آمال أبو العربى وسعى لصوص العصر لاستلاب كل ما هو مادى، حتى لو كان ذلك المسروق حلم دولة؛ كانت الإضاءة تتأرجح بين الأزرق الناعم والبنفسجى الغامض وعتمة صاحبت البطل فى مشاهد مبدعة.

أبو العربى وراعي مصر
جيل جديد من شباب الفنانين تطرح أمامهم فرصة الغوص بين الفنان هانى رمزى وأحمد فتحى ومحمد جمعة وليلى عز العرب وحجاج عبد العظيم والمدهشة داليا البحيرى، فى عمل مسرحى قد لا يداخل السياسة أو يتداخل معها بشكل مباشر، غير أنه يطرح قضية الجشع بين طبقات المجتمع بشكل ديناميكى ومنطقى دون مبالغة أو اختلاق غير مبرر.

اختزالات موحية قدمها أبطال العمل فى مجموعة من الاستعراضات المنسجمة مع الموضوع، وتصور موسيقى يتسم بـ«الشقاوة» حرك مجموعات كبيرة على مسرح صغير نسبيا أظهر قدرات هانى رمزى على الأداء الاستعراضى المنطلق ببساطة ودون تكلف.

تمكن المخرج تامر كريم من الإمساك بتفاصيل النص الذى ألفه محسن رزق، واستطاع إدارة أدواته باحترافية أخرجت العمل المسرحى بشكل مرضٍ ربما كان التصفيق الجماهيري طوال العرض أحد أهم ترجماته.

بعد نهاية العرض يقف الفنان هانى رمزى منتصبا على خشبة المسرح وسط فريق «تياترو» ليلقى بكلمة إنسانية حول ضرورة تكاتف الناس من أجل المهمشين فى الأرض، وليقدم حصيلة عرضه لجمعية «راعى مصر» الخيرية التى آلت على نفسها أن تقتحم القرى والنجوع من أجل هؤلاء البسطاء.

فى النهاية تخرج من صالة المسرح وفى يقينك أن مصر لا تزال حبلى بأعمال عظيمة لفنانيها المؤمنين برسالة الفن فى دعم قطاعات نتصور أن فى دعمها واحدة من صور العظمة المصرية.. شكرا «تياترو».. شكرا هانى رمزى.. شكرا «راعى مصر».
الجريدة الرسمية