رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد حسن الزيات يكتب: فى وداع ثلاثين عيدا

الكاتب والأديب أحمد
الكاتب والأديب أحمد حسن الزيات
مضى ربيع القلوب.. وإذا الربيع يخلف وراءه فى الارض الخصب والنماء والكلأ والنضارة فيرتع فى خيره الانسان والحيوان سائر العام كله.

بهذه الكلمات استهل الكاتب الاديب أحمد حسن الزيات  ـ رحل فى مثل هذا اليوم 12 مايو 1968 ـ مقاله الذى نشره بمجلة الرسالة فى الأربعينيات وأضاف:



هل يعيش المسلمون بعد رمضان على زاد من تقواه ، وعدة من قواه ، وذخيرة من بره يعصمهم من نزوات النفس وشهوات الجسد بقية عامهم الى ان يعود ثانية .المفهوم من حكمة الصيام فى شريعة الله ان يكون هكذا ..ولكن الواقع أن رمضان كان فى حياة أكثر الناس ثلاثين عيدا تبتدئ بليلة الهلال وتنتهى بيوم الفطر  ، تمتعوا فيها بملذات الحس ومسرات النفس فتفننوا فى الطعام والشراب ، وتدفقوا فى اللهو والانس.

حتى اذا خرجوا منه الى "شوال " خرجوا من الواحة الى الصحراء، ومن الهداية الى التيه لذلك كان المسلمون فى توديع رمضان جد مختلفين، فمنهم المتقون وغير المتقون ، ومنهم الذى لم تقس قلوبهم على جفاف المادية وكلب العيش ، وهؤلاء يودعونه وعلى وجوههم غشاوة من الأسى على بركات تريد ان تنقضى وخبرات توشك ان تنقطع، كأنما يعتقدون ان باب السماء فى غيره مغلق، فإذا بدأ الجزء الاخير منه ظهر الحزن عليه صادقا فى الوجه ،ناطقا فى الافواه وكلهم يقولون "لا أوحش الله منك ياشهر البر والذكر والفكر والرجاء.

"ومنهم الخلعاء والمجان الذين فى قلوبهم مرض ، وفى ايمانهم ضعف ، وهؤلاء يودعون رمضان قيدا ثقيلا غلهم من الشهوات الخسيسة .فيقول احمد شوقى مثلا :رمضان ولى هاتها يا ساقى  .. مشتاقة تسعى الى مشتاق.

وانا لاأحب الخوض فى حماقات هؤلاء المجان فإنهم ليسوا من رمضان ولا من أهله .. انما أسوق اليكم الذين صاموه بالتقوى وقاموه بالاخلاص وودعوه بالحسرات وشيعوه بالدموع .

إسألوا انفسكم هل انتم يوم ودعتموه خير منكم يوم استقبلتموه ، شعرتم بعد ان اديتم الفريضة ان نفوسكم اصبحت أطهر وان اخلاقكم صارت اكرم  ؟ هل تشعرون بانكم اليوم اشد قربا من الله واوثق صلة بالناس واطيب نفسا بالحياة؟

واذا كانت اجوبتكم بالايجاب ، والا لما حزنتم على انقضاء رمضان وأسفتم لانقطاع الخير فيه ،فإن المرء لايحزن الا على عزيز .لماذا لاتجعلون سائر الاشهر كشهر رمضان ، لماذا لاتصونوا السنتكم عن الكذب ، وتطهروا افئدتكم من الفحش ، وتنزهوا مكاسبكم عن الحرام ، وتبرئوا اعمالكم من الغش.. وقد جربتم ذلك فى رمضان فنفعت التجربة وحسنت العاقبة.

لماذا لاتضيقون الكلفة فى القهوة لتوسعوا النفقةفى البيت، وتقتصدون قليلا فى الانس بالاصدقاء لتوفروا كثير الانس بالاسرة.. وقد فعلتم ذلك فى رمضان فطابت المعيشة .هذا السكير الذى استطاع ان يهجر الخمر ثلاثين يوما فزكا قلبه ، وامتلأ قلبه وصح بدنه.

فلماذا لا يواصل العيش على نفس المنهاج ، وهذا المدخن لماذا لايستمر صائما عن التدخين ليله ونهاره .وهذا التاجر الذى راضه الصوم على ان يقف نفسه عقد حدود الله فى التجارة ، لماذا لايلزم نفسه فى كل وقت بعد ان استمرأ طعم الحلال.

وهذا الفتى الذى ذاق فى رمضان الم الجوع وكابد مشقة الحرمان ، ثم استطاع بالصدفة ان تخفف عناء الفقر عن فقير، والمحتاج لماذا لايشعر دائما ان الجوع بعد رمضان باق وان العوز فى اكثر الناس قائم.

ان رمضان سنة لا شهر ، ومصحة لا ملهى ، ورياضة لا متاع تروض فيه انفسنا على الخير لتمرن عليه وتعالجها  به من الشر لتبرأ منه وليس الغرض من علاج النفس والجسم ، فيه ان ينقضى اثره بانقضائه ..فذلك يخالف حكمة الشارع  من الصوم وجعله فريضة.
الجريدة الرسمية