رئيس التحرير
عصام كامل

ما حكم تأخير قضاء رمضان إلى رمضان الذي يليه؟

شهر رمضان
شهر رمضان
اتفق أهل العلم على استحباب المبادرة في قضاء ما فات المسلم من صيام في رمضان؛ لأنّ قضاء الواجبِ واجبٌ تنشغل به ذمة المكلّف، وذهب كثير من أهل العلم إلى ترتُّب الإثم على مَن أخّرَ قضاء رمضان حتى حلّ رمضان الذي يليه بغير عُذر، وتعدّدت أقوالهم في لزوم الفِدية عليه، وبيان المسألة فيما يأتي:


الجمهور: قال جمهور الفقهاء من الشافعية، والمالكية، والحنابلة بلزوم الفِدية؛ مُستدلّين بفِعل بعض الصحابة، كأبي هريرة، وعبدالله ابن عبّاس -رضي الله عنهما-، وتكون الفِدية بإطعامِ مسكينٍ عن كلّ يوم أفطرَه مُدّاً من قمح، أو دقيق، أو نصفَ صاع من تمر، أو شعير، والمُدّ: ما يُعادل سبعمئة وخمسين غراماً تقريباً، وقد يكون المُدّ من غالب قُوت البلد؛ ويساوي مِلء حَفنة.

وهو ما يُعادل رطلاً وثُلث الرَّطل؛ أي ستّمئة غرام تقريباً، وقد يكون المُدّ أيضاً من الحِنطة بالمُدّ النبويّ، فيُخرج الفِدية مع القضاء، وإن قدَّمَها، أو أخَّرَها عنه، أجزَأَه ذلك،  وله أن يُطعم بعدد الأيّام التي أفطرَها مساكينَ في يوم واحد؛ لِما ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- من أنّه فَعَل ذلك عندما أفطرَ أيّاماً من رمضان.


وذهب الجمهور إلى عدم جواز إخراج الكفّارة نقداً، وإنّما يجب أن تكون أعياناً.


أبو حنيفة: قال بعدم لزوم الفِدية؛ واستدلّ على ذلك بأنّ الله -تعالى- أمرَ بالقضاء، ولم يذكر الإطعامَ في قوله -تعالى-: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، ويجوز إخراج قيمة الطعام نقداً؛ لأنّ المقصود من الإطعام سَدّ حاجة المسكين؛ وهذا حاصل بالطعام، وبقيمته، وتُحدَّد قيمة الإطعام بسعر المِقدار الواجب إخراجه.


حُكم تأخير قضاء رمضان


ذهب عامّة جمهور أهل العلم إلى القول بوجوب قضاء الصيام لِمَن أفطرَ في رمضان قبل مجيء رمضان الذي يليه، واستدلّوا بما أورده البخاري عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ)؛ وذلك لأنّ التأخير في القضاء بغير عُذر يُعَدّ تهاوُناً، وتساهُلاً لا يحلّ، وهو يُوجِب التوبة إلى الله -تعالى-، وتُشترَط في المُكلَّف القدرة على هذا القضاء، وزَوال المعاذير، كالمرض، والسَّفَر؛ فمَن مرض في رمضان واستمرّ مَرضه إلى أن مات، فلا قضاء عليه؛ لموته قبل قدرته على القضاء، وإن أوصى أن يُطعَم عنه، فإنّ وصيّته تُنفَّذ من ثُلُث ماله، مع أنّ الإطعام غير واجبٍ عليه، أمّا من شُفِي من مرضه وتمكّن من القضاء، ثمّ وافته المَنيّة قبل ذلك، فقد وجب عليه أن يُوصي بالإطعام عنه؛ لأنّ القضاء واجبٌ في حَقّه، إلّا أنّه عَجز عنه بتقصير منه؛ فيصير الواجب إلى بديله؛ وهو الفِدية، ويُعَدّ الشيخ الكبير الذي لا يُطيق الصيام ممّن يتحوّل الواجب في حَقّه من القضاء إلى الفِدية أيضاً.


وقد بيّن العلماء أنّ تأخير قضاء صيام رمضان حتى مجيء رمضان التالي لا يخلو من إحدى حالتَين، بيانهما فيما يأتي:



 الحالة الأولى

يكون التأخير بعُذر، كمَن مرضَ في رمضان، واستمرَّ معه حتى رمضان التالي؛ فلا إثم عليه في التأخير، وعليه القضاء فقط؛ لقوله -تعالى-: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)، وكذلك الحال في مَن كان صحيحاً لا يشكو المرض، أو صار مُقيماً بعد أن كان مسافراً بعد انقضاء رمضان إلى أن دخل شعبان، ثمّ مَرِضه كُلّه، أو سافر فيه؛ إذ يلزمه القضاء فقط؛ إذ إنّ تأخيره إلى شعبان جائزٌ في حقّه، وهو لم يكن يعلم بما سيحصل له.


الحالة الثانية


يكون التأخير بلا عُذر، كمَن كان قادراً على القضاء ففرَّط فيه حتى دخل رمضان التالي، فهو يأثم بتأخيره، وقد تمّ بيان الآراء في لزوم الفِدية والكفّارة عليه وتوضيحها سابقاً في عنوان (كفّارة عدم قضاء صيام رمضان).
الجريدة الرسمية