رئيس التحرير
عصام كامل

ما أراده الله لنا في رمضان وما نفعله!

يا سادة.. الصيام عبادة روحية تنهض على ساقي الإخلاص والتجرد، مستلهمة نبل الرسالة ومقاصدها؛ هدفها غرس التقوى في قلوب المؤمنين وإشاعة قيم التكافل والتراحم في المجتمع عبر تعويد الصائم على الصبر والإحساس بمعاناة الفقراء وبذل ما يستطيع لإغنائهم وتعويضهم عن الشعور بالحرمان.. فما أراد الله تجويعنا في رمضان إلا لنعرف قيمة ما نرميه في سلال القمامة من أطعمة فاضت عن حاجتنا دون النظر لمن هم في مسيس الحاجة إليها ممن يتضورون أو حتى يموتون جوعاً في شتى أنحاء العالم.. وفي القلب منهم فقراء مسلمون.


البذخ مرفوض
الحرمان من الطعام والشراب في نهار رمضان هو درس أراد الله تعليمنا إياه ليقرب لأذهاننا مدى ما يعانيه الفقراء المحرومون طوال العام فنخفض لهم جناحنا دون تعالٍ أو منٍّ أو أذى ودون أن نضيق بهم ذرعاً. إطعام الفقراء مطلوب.. لكن البذخ مرفوض؛ فإطعام الصائم قد يكون على شربة ماء أو شق تمرة أو مَزقة لبن..

وفي ظل ما نعانيه من وباء كورونا والانتشار السريع للعدوى فلا ضرورة للتجمعات على موائد الرحمن في الشوادر منعاً لتفشي الجائحة التي تصاعد منحنى إصاباتها في الأيام الأخيرة بعد تخلي البعض عن الإجراءات الاحترازية المطلوبة.. فحاجتنا لإقامة مستشفيات ومدارس أشد من حاجتنا لمثل تلك الموائد أو حتى لتكرار الحج والعمرة كما أفتى بذلك بعض فقهائنا..

أنفع الناس
ومن يفعل ذلك اعتماداً على أنه يغسله من ذنوبه التي دأب على ارتكابها طوال العام دون الإقلاع عنها أو التوبة منها فهو واهم، وفي إيمانه ضعف. ليت من ينفقون أموالهم في تلك المظاهر يثوبون إلى رشدهم ويوجهونها لما هو أنفع للناس؛ فخير الناس أنفعهم للناس، وأينما كانت مصالح الخلق فثمّ شرع الله..

ما أشد حاجة الفقراء لمستشفى يعالجون فيه ومدرسة يتعلمون فيها حتى يتخلص المجتمع من آفة الجهل والمرض.. فما أشدهما خطراً وما أكثرهما قبحاً. شتان بين ما أراده الله لنا في رمضان وما نفعله بأنفسنا.. فهل يتوقف الناس عن إلحاق الضرر بغيرهم باليد أو باللسان.. فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.. وهل تخلصوا من الحقد والحسد والتعالي على ضعاف الناس وذوي الحاجة.. هل يكف الموظفون عن تلقي الرشاوى التي يرونها إكراميات من حقهم لقاء قضاء مصالح الناس..

 مسئولية رأس المال
هل يأتي يوم نجد فيه الموظف يبتسم في وجه من يتعامل معه من الجمهور.. هل يرحم كبارنا صغارنا.. وأغنياؤنا فقراءنا.. ومسئولونا مواطنينا.. وهل يعلم جيل اليوم أن على الصغار أن يوقروا الكبار.. هل نصل الأرحام ونخفف آلام المنكوبين.. هل يؤدي كل مسئول وكل نائب بالبرلمان ما عاهد الناس عليه.. وهل يؤدى كل رجل أعمال ما عليه من واجبات تجاه الفقراء فيخرج زكاة ماله التي فرضها الله بحق معلوم..

وهل يدرك المسئولية الاجتماعية لرأس المال وفضيلة أن تسعد الآخرين بالعطاء وألا تتردد في رد الجميل لوطنك إذا دعت الضرورة أو لزم الموقف.. هل يدرك أصحاب الثروات أنهم مهما أوتوا من مال فلن يخرقوا الأرض أو يبلغوا الجبال طولاً.. وأن من يستغني ويطغى وينسى فضل الله عليه حين استخلفه على ما عنده من أموال ستأتيه النهاية عاجلاً أو آجلا.. ولن يبقى من أثره إلا ما تركه من عمل نافع أو صدقة أدخلت السرور إلى قلب مهموم محروم؟!
الجريدة الرسمية