رئيس التحرير
عصام كامل

رحيل جورنالجي نظيف الذمة والقلم

من أقوال الحكماء: "ألسنة الخلق أقلامُ الحق". ويعني أن ما يدور على ألسنة الناس في الخفاء أو العلن من ثناء على شخص ما، واتفاقهم على ذلك الرأي -هو عنوان على حقيقة هذا الشخص، وما هو عليه من خير وفضل، وصدق مع الذات والآخرين، جعله مستحقًا تلك المحبة  والتقدير.


ولهذا كانت جنازة الراحل مكرم محمد أحمد يوم الجمعة الماضي استفتاء على نبله ومهنيته من عدة أجيال صحفية وهو الذي لم يخذل أبدا صاحب حق ويوما ما ذهب لزيارة الكاتب الدكتور محمد السيد سعيد في السجن وفوجئ بتدهور حالته من المعاملة فقرر الاعتصام بالسجن حتى يخرج السعيد معه وهو الذي كان يقدر أي موهبة صحفية وهو الأب الشرعي لجيل كامل بدأ معه في دار الهلال ومنحهم الفرص للترقي وتقديم نموذج مهني محترم..

معركة مكرم
وهو الذي كاد أن يقدس حرية الرأي والاختلاف فوجئ في هوجة يناير بمن يخرجه من النقابة في مشهد منحط ممن آختلفوا معه وركبوا موجة الفوضي آنذاك والأمر المؤكد أن الجماعة الصحفية عرفت قيمة الرجل كمهني ونقيب لهم بعد ضياع هيبة النقابة والمهنة علي يد من جاءوا بعده
وظل الرجل متمسكا بعمله وشغفه ودأبه الصحفى حتى آخر لحظة من عمره..

فظل يعمل كمحرر صحفي يبحث عن الحقيقة ويسعى وراءها متمسكا بثوابت المهنة والعمل الصحفى من المصداقية والدقة والوعى، وهذا ما يشهد به كل من فى الجماعة الصحفية حتى خصومه. وظل مكرم محمد أحمد لآخر وقت ممسكا بالورقة والقلم ودائما ما كان يطارد الأخبار، وأنه كان من الصحفيين المهنيين ولم يتكبر على المهنة وظل يلاحق المصادر من أجل “الخبر”، وكان يحضر فى المؤتمرات كأنه صحفى صغير، لأنه كان حريصا على الوصول للمعلومة وأخذ الخبر من المصدر..

وكان له دور مهم فى إجراء حوارات مع الجماعات الإسلامية فى السجون أياً كان التقييم لها، كما تعرض للإغتيال، وكان من ضمن الصحفيين القليلين الذين كانوا مستهدفين. كان شريفا يحارب معاركة بشرف وكان في الحق سيف، وكان صاحب ذمة مالية نظيفة، وخاض معركة الفساد في زمن الفساد بنبل طوال مشواره لأكثر من 60 سنة صحفياً وكاتبا ونقيبا، للصحفيين لـ5 دورات، وعضو مجلس الشورى لـ4 دورات متتالية، كما أنه أول رئيس للمجلس الأعلى للإعلام.

حلم الأهرام
في أخر حوارات الكاتب الصحفي مكرم محمد أحمد، قال لي في برنامج حضرة المواطن، إن الصحافة مهنة عظيمة، وتعد رسالة حقيقية من أجل خير الإنسان وتقدمه. وقال: "محدش قالي توقف عن العمل، أنا استنفذت كل سنوات عمري في العمل، ولا أحد أزاحني من الطريق".

وكان ذلك بعد تعيين زميل أخر لرئاسة المجلس الاعلي للأعلام وأشار إلى أن البعض يحاول صنع فجوة بين المثقفين وبعضهم وبين المثقفين والوطن سعيًا في الوقيعة، قائلا: «أنا راضي كل الرضا، راضي عن بلدي ومستقبلها والإنجازات التي تحققت، وراضي عما فعله جيلي، وعلى ما نجح وما لم ينجح فيه». ووجه مناشدته لرئيس الأعلى للإعلام الحالي ولزملائه ممن حلوا محله، بأن ينتصروا لحرية الرأي والكلمة وينتصروا دائمًا لحرية التعبير. قائلا: "نحن نعمل في أشرف وأجل مهنة، واعتقد أن الصحافة المصرية خدمت شعبها وأمتها".

ورغم كل المناصب التي تولاها فقد كان يحلم برئاسة الأهرام وكان يري أنه الأحق والأكفاء والمؤهل الاول للأهرام ولكن هذا الحلم لم يتحقق وقد إعترف بذلك قائلا: كان علي حمدي الجمال يحبنى ويثق فى مهنيتى وهو الذى عيننى مديرا لتحرير الأهرام، وفاكر يومها إن إبراهيم نافع دخل يحتج على القرار، فقال له الجمال بحدة: أنت بتحتج على إيه يا إبراهيم.. ما أنتم شايفين بعينيكم إن مكرم هو اللى شايل الجرنال.. اشتغل وممكن كمان شويه أعينك مدير تحرير.. لكن إبراهيم كان أشطر منى فى العلاقات العامة وزوجته علا بركات كانت قريبة من السيدة جيهان السادات، وعثمان أحمد عثمان دعمه فى الوصول لرئاسة تحرير الأهرام، وكنت فاكر إن المعايير المهنية هى اللى ح تنتصر وإنهم ح يختاروا المهنى والأكفأ، لكن لقيت نفسى فى دار الهلال ذلك أن لكل إنسان قضية، ولكل قضية جائزة، ولكل جائزة ثمن، والصحفي المهني قضيته هي أن يخاطب في الناس عقولهم.

ثمن الإستقامة
وجائزته هي الاحترام. وثمن هذا الاحترام أن يخسر الكثير من المكاسب المادية الزائلة. وقد دفع الرجل ثمن مواقفه الصلدة وثمن إستقامته ويوما ما أخبرني ألا أتهاون في حقي حتي لا أظلم من يأتي بعدي وضرب مثلا بالزميل عبد القادر شهيب الذي جاء بعده لدار الهلال فحصد ما زرعة من المرتب الضئيل.
الجريدة الرسمية