رئيس التحرير
عصام كامل

دهاء «الخنافس البشرية» في المؤسسات الحكومية (2)

وبعد أن تَعرفنا على هذه الخنافس البشرية، فلا بد ألا تتعجب حين تعلم ان تلك الكائنات التي تقتات على فضلات الحيوانات، ولا تعيش إلا في بيئة ملوثة، وهم أول من يبادرون للصلاة في مواعيد العمل، وتراهم يحدثونك عن روحانيات عمرة رمضان، حتى تشك في نفسك ودرجة إيمانك.


كما لا يفوتهم أن يرسلوا اليك الرسائل الايمانية يوم الجمعة، ولا تسمع منهم لفظًا خارجًا او خادشًا، مع نظرة بريئة هادئة إلى الأسفل تنم عن زهد في الدنيا، ولو أنصفوا لتركوا الفساد والإجرام واتجهوا للتمثيل، ولكنهم يأبون إلا أكل الحرام من أموال مؤسساتهم.

رشوة ونفاق
ونجد أن هذه الكائنات لا تقف عند الحاضر، بل تقفز نحو المستقبل بقفزات سريعة تتوقع فيها أسماء قيادات المستقبل، ثم تنسج حولها خيوطًا شفافة لامعة، ولكنها لزجة ومُحكمة، وتتودد شبكة الفساد الداخلية بالكامل إلى القيادة القادمة، وتتعدد فروض الولاء والطاعة بتعدد القيادات المحتملة، وتتنوع بتنوع طبيعة هذه القيادات واهتماماتها، كما أن هذه العلاقات تكون في الخفاء، ومع كل قيادة على حِدةٍ، مع ادعاء أن هذا التواصل نابعٌ من مشاعر قلبية خالصة، وويلٌ للقيادات أصحاب القلوب البيضاء من هذه الحشرات التي تُسَوِء سمعتها وتعزل القيادة عن أبناء المؤسسة، وتصنع "مشروع الإله"، وللأسف لا يبقى حولها سوى هذه الحشرات.

وتبلغ الخِسة مداها بعد إختيار أحد هذه القيادات، فيكون رد الفعل مع القيادات السابقة أو التي لم تتقلد المنصب هو وضعها على قوائم الحظر في الهاتف، ما لم تكن هناك أسباب أخرى للإبقاء على العلاقة معهم، ومن نافلة القول أن هواتف الخنافس البشرية وأبنائهم وزوجاتهم عادةً ما تكون رِشوة، وتتسم الخنافس البشرية رغم وضاعتها، بالتعالي على الزملاء خاصة المحترمين، وبالاخص الأقدم منهم سنًا والأعلى في الدرجة، وعجزت جميع الدراسات النفسية عن الوقوف على تفسير ذلك.

وقبل أن نُفارق القيادات، فمن الضروري أن نوضح ما يحدث عندما ينوي احد القيادات أن يُشيد مبنى، أو يؤسس مشروعًا لتتذكره الأجيال القادمة بالدعاء والسيرة الحسنة، فنجد الكائن المنتمي للخنافس البشرية يُماطل في إنهاء الإجراءات، ويُغري بها القيادات المحتملة، ويصل الحد إلى تحدي القيادة الحالية التي تقف حائرة بين قدرتها على التنكيل بهذا المخلوق القذر من ناحية، وحرصها على إستكمال مسيرتها الهادئة من ناحية أخرى مع الندم على سوء الاختيار، وتتكرر مثل هذه المواقف، وتتوالى القيادات، ولا ينتبه أحد إلى وضاعة وخسة الخنافس البشرية.

محاربة الخنافس البشرية
وبعد هذا التوضيح المُبسط لهذا الكائن البغيض، وبيان بعض مخاطره، فلابد من التحذير من ظهوره في هيئاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا الحكومية، وأن نطرح الحل الأمثل للتعامل مع هذه الكائنات، وأول هذه الحلول هو ما تضمنه قانون الخدمة المدنية من حظر التعيينات الا عن طريق الجهاز المركزي للتنظيم والادارة، ومن وسائل محاربة هذه الكائنات اتجاه الدولة نحو التحول الرقمي، فلا سبيل للرشوة والفساد والمُحاباة، ونجد العلاقة تنقطع بين الموظف وطالب الخدمة.

والحقيقة الواضحة أن الكائنات التي نحاربها تتكيف مع كل الأنظمة والظروف، كما أنها تنتشر في كل مكان، مثل مكاتب القيادات والعلاقات العامة والمخازن والمشتريات، وكما ذكرنا أنه لا يمكن القضاء عليها بالضغط، ولكن الحل الأمثل، والعنوان الشامل نحو حل جذري للتخلص منها هو "النظافة"، وكما ان النظافة المادية والتعقيم يقضيان على وجود الحشرات فإن النظافة المعنوية في بيئة العمل تقضي الخنافس البشرية، وأول الطريق هو حسن الاختيار، ثم التدريب الجيد على العمل حتى يثق الفرد بقدراته فلا يبحث عن طرق ملتوية، ثم إحكام الرقابة وتغيير المسئولين قبل مضي اربع سنوات على الأكثر، وأخيرًا مبدأ الثواب والعقاب، وتكرار عمليات "النظاقة"، فهل تستجيب القيادات الحالية والقادمة لدعوات النظافة؟ أم تتمكن الخنافس مجددًا؟.. وللحديث بقية

الجريدة الرسمية